بسم الله الرحمن الرحيم
أحسبني لست بحاجة إلى اجترار الكتابة عن الدور الإعلامي وبخاصة بعد أن استحال إلى حقيقة بدهية تستظهرها العامة فضلاً عن الخاصة..
وإن شئت فارقبها جلية في تشكل عقلياتهم.. وأبعاد تفكيرهم.. ومنتهى إدراكهم، بل وفي منطق ألسنتهم..
إذن فليس ثمة حاجة في إعادة كلام استمرأه القارئ من ذي قبل، ولا ضير حينئذ في تجاوز هذا الجانب اتكاءً على ما سلف.
المفهوم قبل اختلاط الأوراق: يبدو أن لكثرة تداول لفظة - إعلام - واستفحال انتشارها أحالها إلى مصطلح لا يكتنفه غموض، وكأنه لا يحتاج إلى تعريف، مع أنها - حقيقة - مازالت غير واضحة المعالم، ندرك هذا من خلال خلط فج بين مفهوم الدعاية ومفهوم الإعلام، بل تجاوزه إلى خلط بين هذين المفهومين ومفهوم التعليم، وربما جاء عرضاً مفهوم الدعوة أيضاً رغم اجتماعها في نقاط تلاق، مع تباين في بعض الوسائل، ومن قبل في سبل الغايات، وسلامة المقاصد، وخلوص ذات الوسيلة من شوائب التحريم، وبخاصة في جانب الدعوة إلى الله - تعالى -، ولا مشاحة في أن الوسائل ليس لها حكم الغايات من حيث الأمر التوقيفي.
ما سبق لا يعفيني البتة من تجاوز المفهوم، بل أحسبه يضطرني بداهة إلى إبراز مفهوم الإعلام إضافة إلى وسيلته من جانبي اللغة والاصطلاح: ففي اللغة: ربما قصر على مجرد التبليغ..
ويقال: » بلغت القوم بلاغا « أي أوصلتهم الشيء المطلوب، والبلاغ ما بلغك أي وصلك، وقد جاء في الحديث: » بلغوا عني ولو آية « [1].
كما يقال أيضاً: » استعلم لي خبر فلان فأعلمنيه حتى أعلمه « [2].
نخلص من هذا التعريف إلى أن المفهوم اللغوي للإعلام هو: إحاطة الغير علماً بشيء ليدرك حقيقته.
والوسيلة هي الأخرى: ما يتوصل به إلى الشيء برغبة.
وبإضافة كلمة واحدة على، ما سبق يقترب المعنى اللغوي من المعنى الاصطلاحي وهو: إحاطة لغير علماً بشيء ليدرك حقيقته بقصد التأثير.
إذن فمحصلة المفهوم إجمالاً هي: تلك الأدوات المستخدمة في نقل المعلومات والمفاهيم والمشاعر والعواطف وغيرها مما يؤثر في حياة الناس.
ما سلف أرجو أن يكون قدراً كافياً يبين عن هوية المفهوم تلافياً لاختلاط أوراق المنظرين.
إذن..
فالإعلام من هذا المنطق ليس مرتعاً مستهجناً لترفيه فاحش، وليس مرآة ينعكس على أثرها الواقع بتجاوزاته المريبة.
إنما هو وسيلة صالحة ذات قدرة فاعلة على التصحيح والتقويم في مسار أمة وفق منهج راشد يستشرفه الخلص من أبناء الأمة..
تهيئة الطرح الإعلامي: الوسائل الإعلامية متعددة، وخاصة ما يمكن استخدامه على نطاق واسع شامل، وأحسبها تتراوح ما بين وسائل اتصال شخصي بمختلف أنواعها، ووسائل اتصال جماهيري، بيد أن ثمة عوامل تقتضي اختيار هذه الوسيلة منها: مدى توافر فاعليتها وتأثيراتها في محيط معين، كما أن ثمة أسساً للاختيار نفسه تدور حول ما تملكه هذه الوسائل من خصائص موضوعية أو وصفية، إضافة إلى مقدار خدمتها الإعلامية، ومدى الانتشار الجغرافي لها مع الإدراك المسبق لطبيعة الوسيلة وإمكانياتها الفنية.
كل ذلك تتم الإحاطة به مسبقاً ليتساوق مع مستوى طرح المادة الإعلامية رغبة في استكناه بعد أثر » المعطيات الإعلامية « في الملتقى..
واستشرافاً من لدن الإعلاميين - على اختلاف مساربهم - للأثر الفاعل والذي من أجله كان التسخير الإعلامي.
وتجيء هذه الكتابة - المجتزأة - وقد قصرت على نوع واحد وحسب، وهو شريط الكاسيت، لذا وسنضرب صفحاً عن الوسائل الإعلامية الأخرى.
ميلاد الكاسيت: في ذات صباح يوم من أبريل عام 1877م تقدم إلى أكاديمية العلوم الفرنسية العامل الفيزيائي (تشارلز كروس) ليسجل لديها فكرة محدثة لتسجيل الأصوات وإعادة سماعها متى شاء مرة ثانية.
ولضعف القدرات المستحدثة حينها لم يتمكن من تطوير جهاز عملي لتنفيذ فكرته، إلا أن هذه الفكرة لم تخبُ بعد، حيث رأت النور في شهر ديسمبر من العام نفسه عندما أعلن في الولايات المتحدة الأمريكية كل من (توماس أديسون)، ومساعده الميكانيكي (جان كروسي) عن اختراع جهاز عجيب لتسجيل الصوت ومن ثم إعادة إسماعه، وأطلق عليه اسم (الفونوغراف)، وبذلك أسهم جهاز التسجيل الصوتي في إحداث ثورة عارمة في مجال الاتصالات.
وتحفل الأسواق اليوم بالعديد من أنواع التسجيلات الصوتية التي بلغت ذروتها باختراع أشرطة (الكاسيت) عام 1964 م وهو أصغر الأنظمة التسجيلية حجماً.
وإفرازاً لما سلف ذكره مع ما يمتاز به التسجيل الصوتي من ميزات متعددة تبوأ مكانة تعد من أهم وأبرز وسائل الاتصال المؤثرة في المجتمعات على اختلاف أنواعها وتباين فئاتها..
ويحسن بنا ألا نغفل في - سياقنا هذا -جانب الصناعة المتقدمة للتسجيل الصوتي، حيث أسبغت عليه لبوساً بأن جعلته أكثر وسائل الاتصال الحديثة انتشاراً وتوزيعاً.
ففي الولايات المتحدة الأمريكية أكثر بلدان العالم استهلاكاً للأشرطة بلغت مبيعات الأشرطة فيها ثلاثة ملايين دولار سنوياً في إحصاءات مضت عليها سنوات عديدة.
كما أن عدد شركات تسجيل الأشرطة فيها يبلغ أكثر من 1500 شركة ولو لم تجيء هذه الأرقام في إحصاءات معتمدة لحسبتها ضرباً من المبالغة.
وليس ثمة شك في أن ما تحمله بين أعطافها لا يعدو عن كونه غناءً ماجناً صاخباً أو فكراً منحلاً منتناً تمارس فيه الدعوة إلى التنصير وإلى الانحلال الأخلاقي في أرذل صورة! كل ذلك يتم من خلال إدراك طبيعة الوسيلة - الشريط - إمعاناً في تأكيد أثرها في الجماهير المتلقية قاطبة حيث الإغراء والإثارة.
ماذا بعد السنة؟ ! وعقب سنة من النوم غطت فيه أمتنا أفاقت على إثر غزو سافر لم تألفه من ذي قبل إمعاناً في إباحة الفجور! ! ومحاولة جادة في سلب أثمن ما تملكه الأمة - إسلامها - ليس غير! ! كل ذلك جاء ويجيء من قبل من لا يرقب في مؤمن إلاًّ ولا ذمة! وقد أقضت مضاجعهم تباشير الصحوة الإسلامية، فلله الحمد من قبل ومن بعد (واللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمرِهِ ولَكِنَّ أَكثَرَ النَّاسِ لا يَعلَمُونَ).
ونجم عن هذه الإفاقة المتأخرة جهود لا تزال في بدايتها، بيد أن هذا لا يبرر لنا البتة - بقاءنا في المؤخرة..
ونروح من حينها ننحو باللائمة على المادة، وعدم تناسبها مع طبيعة الوسيلة..
عند ذلك تقصر بنا الهمة عن تجاوز العقبات متذرعين بحجج واهية لا تنهض لمدَّعٍ, عادةً! ولست أدري من لهذه الثغور؟ ! إن زهد بها المقتدرون ممن يقع على كواهلهم تبعات الواجب..
وليس ثمة نفل يُمَنٌّ به.
على المرء أن يسعى إلى الخير جهده، وليس عليه أن تتم المقاصد.
أمة فأل: ومع ما سلف فإنا نربأ بأنفسنا أن يغشانا التشاؤم ونحن أمة فأل تربينا على منهجه السوي وما ارتضينا به بديلاً.
وإنا ننتظر يوماً تتوافر فيه جهود علمائنا وطلاب العلم وذوي التخصص والاقتدار في هذا المجال للانتقال بوسائل الإعلام عامة - وشريط الكاسيت بخاصة - من أطواره الأولى إلى أن يؤدي دوره في التربية والبناء.
وأخيراً: كم هو جدير بك أيها الأخ المسلم وأنت تدلف إلى أعتاب محالّ بيع الأشرطة الخيرية أن لا تتعامل مع ما تقتنيه بالمقياس الماديº فإنك - والحالة هذه - خاسر لا محالة! ! ولست أدري أين التساؤل - المفترض - من قبلك عن المردود الإيجابي الخير لما تقتنيه - حيث المادة العقدية والشرعية والسلوكية والمعرفية بعامة، وأربأ بك أن تنسى أن التعامل مع الله - تعالى -يقتضي التجرد من المساومة المادية.
-------------------------------------
(1) رواه البخاري وأحمد والترمذي والدارمي في المقدمة.
(2) اللسان (مادة علم).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد