الهمة العالية بعد رمضان


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

كم أثلج صدري رؤية المصلين في شهر رمضان المبارك وهم يتدفقون أمواجاً إلى المساجد سواءً فلي الحرمين الشريفين أو غيرهما من المساجد بإقبال وخشوع لأداء الصلوات والتراويح والقيام مما فاق السنوات الماضية، وهذا كان شاملاً لجميع فئات المجتمع رجالاً ونساءً شباباً وشيباً بل وأطفالاً، مما جعلني أشعر بعظم هذا الدين وأنه مهما كان الأعداء ومكر الخبثاء فإن دين الله منتصر وأن هذه الأمة لا تزال متمسكة بدينها وعقيدتها وإن بدر التسيب والتعطيل لبعض شعائره..

 

بل إن المحن والمصائب والحرب المعلنة على الثوابت والقيم في بلاد المسلمين قد جعلت الباطل ينصهر في بوتقة الحق والنور الإلهي، بل وينكشف دعاته ومروجيه..الذين تآمروا على طمس الهدى.. وتتداعوا على المسلمين كما تتداعى الأكله قصعتها!!

 

فقد كنت ألمس عقيدة الولاء والبراء تنساب مع كل لفظ (آمين) يردده المصلون خلف إمامهم كلما ارتفعت نبرات صوته العذب بالدعاء للمسلمين في كل مكان.

 

ولقد كان يوحي إليَّ وقوف المسلمات في صفِّ واحد وهن بحجابهن وخمارهن إلى خيبة دعاة التبرج والسفور، ويوحي بأن هذا اللباس (الذي يسميه لبعض تخلف ورجعية!!) ليس مجرد عادة توارثتها الأجيال بل هو عقيدة تختلج مع كل نبضة عرق..

 

كما أن مظاهر صدق الأخوة والمحبة والصدق والمنافسة الشريفة في الأعمال الفاضلة وسمة البذل والجود والعطاء التي تجلت لنا في هذا الشهر المبارك لتعكس ما عند المجتمع من همة عالية وسمو أخلاقي جدير أن يستمر بعد رمضان ويصبح سلوك عملي ومنهج دائم طوال العام يجعلنا نعيش مجتمع مثالي تسوده القيم والهمم العالية، وتتجلى فيه صدق النصيحة والشعور بالمسئولية والمحافظة على المجتمع أن يخرقها السفهاء ومن يعلن انتمائه لهذا الوطن وإن ظهر بمظهرهم وتحدث بلسانهم وادعى الإصلاح.. !!

 

إن أصحاب الهمم العالية عامهم كله رمضان يقول في شأنهم ابن الجوزي - رحمه الله - أقوامٌ ما رضوا من الفضائل إلا بتحصيل جميعها، فهم يبالغون في كل علم ويجتهدون في كل عمل، يثابرون على كل فضيلة، فإذا ضعفت أبدانهم عن بعض ذلك قامت النيات نائبةً وهم لها سابقون».

 

وفي رعاية هذه الهمم والسمو بها يقول - رحمه الله - \" فينبغي للعاقل أن ينتهي إلى غاية ما يمكنه، فلو كان يتصور للآدمي في صعود السماوات، لرأيت من أقبح النقائص رضاه بالأرض، ولو كانت النبوة تحصل بالاجتهاد، رأيت المقصر في تحصيلها في حضيض، غير أنه إذا لم يكن ذلك، فينبغي أن يطلب الممكن. وفي الجملة لا يترك فضيلة يمكن تحصيلها إلا حصَّلهاº فإن القنوع حالة الأرذال.

 

فكن رجلاً رجله في الثرى *** وهامة همته في الثريا

 

وما قعد من قعد إلا لدناءة الهمة وخساستها\" اهـ.

 

 فالأمل إذن معقود على ذوي الهمم العالية لتوجيه الطاقات وتفعليها لأن صاحب الهمة لا يطلب الراحة وليست من أهدافه بل راحته في طلب المعالي، وإن شق ذلك على النفس.

 

كما قال الشاعر:

 

وإذا كانت النفوس كباراً *** تعبت في مرادها الأجسام

 

فهو يبذل راحته ووقته لصناعة الحياة والوصول إلى القمة وجنة عرضها السماوات والأرض.. وينقذ معه آخرين ويسعى للسعادة في الدارين بعد أن كاد يجرفهم سيل التخريب والإفساد فيصبحوا قطعاناً تعشق الملذات وتخلد للراحة.. !!

 

ولنا في جيل الصاحبة رضوان الله - تعالى -عليهم أكبر قدوة حيث تحولوا في زمن يسير من مجتمع بهيمي يقتل بعضه بعضاً ويأكل الميتة ويشرب الخمر إلى مجتمع رباني ساد العالم ونشر الإسلام والعدالة في سائر أقطار الدنيا!!

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply