بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة لا بد منها:
أيها العقلاء...
أو كلما اجتهد أحد من أهل العلم بخلاف ما ترون.. خطأتموه، فنبذتموه، وحكمتم عليه بالضلالة...؟!!..
ماذا أبقيتم للناس؟.. وماذا أبقيتم لأنفسكم؟..
إنكم إذا صنعتم ذلك فلن تجدوا حين تخطئون - ولا تسلمون من الخطأ - من يعذركم، أو يقيل عثرتكم، أو يتقبل اجتهادكم، إن كنتم مجتهدين..
فابقوا على أنفسكم، وعلى إخوانكم..
فإن العذر إذا مُحي بزغ الشر بقرنه ..
وإذا كان الله تعالى عذر عباده إذا أخطؤوا، أو اجتهدوا، فما بالنا نجحر واسعا..؟؟!!...
- النحل يعيش جماعات جماعات..
- والنمل يعيش جماعات جماعات..
ونحن نعد هذين النوعين من خلق الله من الحشرات الراقية، لما بينها من التعاون والجد والألفة، فهي تشابه طبع بني الإنسان من هذا الوجه، واجتماعها ذلك مكنها من القيام بأدوار هامة في حياتها، كفلت لها العيش بسلام في كافة الظروف..
والحقيقة أن بني آدم أحوج من تلك المخلوقات للاجتماع والتآلف، لحاجة بعضهم إلى بعض في البقاء، فلا يتصور في إنسان أن يقدر على العيش بمفرده في مكان منعزل..
وإذا كان هذا هو الحكم في البشر عموما، فإنه في المؤمنين بالله منهم خصوصا أشد حاجة، وأعظم وجوبا، وذلك أن المسلم مأمور بأمر عظيم، لا يمكنه أن يقوم به وحده، ألا وهو القيام بهذا الدين في نفسه، وتبليغه إلى العالمين، يقول ربنا: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس}..
فدين الإسلام دين عالمي، وأتباعه مأمورون بتبليغه إلى العالمين..
وإذا تذكرنا أن أعداد البشر هائلة، وفي مقابل ذلك المؤمنون منهم جزء ضئيل، بدلالة قوله تعالى: - {وقليل من عبادي الشكور}.. - {وما آمن معه إلا قليل}..
فإن المؤمنين بحاجة شديدة إلى الاتحاد ونبذ الفرقة والخلاف والهجر والتقاطع والتدابر والتباغض...
إذ كيف لهم أن يقوموا بهذا الواجب الثقيل وقلوبهم متنافرة متباغضة؟..
وكيف لهم أن يدعوا الناس إلى الهدى، وهم متقاطعون؟..
وواجب التبليغ لا يقتصر على أن يكون إلى طائفة الكفار، بل يمتد إلى بعض المسلمين الذين تنكروا لدينهم أو ولغوا في العصيان، فكل هؤلاء محتاجون إلى التبليغ..
إذاً كل من حولنا يحتاج إلى بلاغ:
- فالعصاة كثير وهم حولنا..
- والمنافقون بيننا..
- والكفار على أبوابنا..
وإذا عددنا الأخيار في كل بيت أو حي أو مجتمع أو أمة لوجدناهم قلة قليلة، فما أحوج هذه القلة إلى أن تتعاون فيما بينها، وتدع الخلاف والتباغض، فإن نصرة دين الله فوق كل خلاف شخصي، له حظ من الهوى.
والعجب أن تجد تباغضا وهجرا بين الصالحين، هذا مع أن رسول الله ينهى عن ذلك، وعلم المسلمين بمثل هذا النهي من البدهيات التي لا يجهلها العامي فضلاً عن العالم..
وتزداد عجبا كيف تمكن الشيطان فأفسد على أهل الصلاح أخوتهم، فمزق شملهم، وفرق كلمتهم، وبزرعه لهذا التباغض بينهم يضمن بقاء المعرضين في ظلماتهم...؟؟!!!
فإن تقاطع أهل الصلاح وتدابرهم يمنع من وصول الخير الذي عندهم إلى غيرهم:
- فتقاطع الصالحين في البيت الواحد، يحرم أهل ذلك البيت ما عندهم من هداية..
- وتقاطع الصالحين في الحي الواحد، يفوت على أهل الحي الاستفادة من جهودهم وإمكاناتهم مجتمعين..
- وتقاطع الصالحين في الأمة الواحدة، يضيع عليها فرصة الهداية..
فكيف لهؤلاء الصالحين أن يخرجوا غيرهم من الظلمات إلى النور، وهم لم يخرجوا بعد من ظلمات القطيعة والهجر؟؟!!..
إن دعواتهم المنفردة لن تتكلل بالنجاح، لأنها غير قائمة على التعاون على البر والتقوى، بل قائمة على حب الذات وحب الهوى.
---------
لما بعث رسول الله آخى بين مسلمي مكة،:
فآخى بين أبي بكر وعمر، وعبد الرحمن بن عوف وعثمان.. السيرة النبوية الصحيحة 1/240.
ولما هاجر إلى المدينة كان أول شيء فعله أن أصلح ذات بين الأنصار، الأوس والخزرج..
فمن المعلوم أن الأوس والخزرج، على الرغم من كونهما، أبناء عمومة، إلا أنه كانت بينهما فتن وحروب أفنت بعضهم بعضا، وما يوم بعاث إلا يوم من أيامهم الجاهلية، كانت فيه مقتلة عظيمة للأوس على الخزرج، وذلك قبل مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة بثلاث سنين كما رجح ابن حجر في الفتح 4/441...
فألف الله بينهم على يد رسول الله حتى صاروا بنعمته إخوانا، ثم آخى بين المهاجرين والأنصار، ، فهاتان الطائفتان كان لابد لها من التآلف والأخوة لمصلحة الدعوة والقيام بالدين، فبدونه لا يقوم الدين، فلذا كان هذا العمل من الأولويات لديه - عليه الصلاة والسلام -.
- فقد هدم كل دعوة جاهلية كانت بين الأوس والخزرج، حتى دانوا لله تعالى، وصاروا عباد الله إخواناً..
- وآخى بين عبد الرحمن بن عوف المهاجري وسعد بن الربيع الأنصاري..
- وآخى بين سلمان الفارسي وأبو الدرداء..
وقد أظهر الأنصار أخوة نادرة، حين نزلوا عن أزواجهم وأموالهم لإخوانهم المهاجرين، كما فعل سعد تجاه أخيه عبد الرحمن، حيث عرض عليه إحدى زوجتيه، أيتهما شاء، وعرض عليه نصف ماله، وفي المقابل أظهر المهاجرون أخوة وعفة نادرة،حين قال عبد الرحمن لأخيه سعد: \"بارك الله لك في أهلك ومالك، دلوني على السوق\".. السيرة النبوية الصحيحة 1/244..
فلا ينقضي عجبك من كرم سعد، كما لا ينقضي عجبك من عفة وتسامي ابن عوف..
وتأكيدا لمبدأ الأخوة ووجوب بقائها على أحسن حال وأتمه دون خدش أو إفساد، ما كان ما يفتأ عليه الصلاة والسلام يذكر:
- بحق المسلم على أخيه المسلم..
- وحق الجار على جاره..
- والضيف على مضيفه..
- والأجير على مستأجره..
- والرقيق على سيده..
حتى صار يخيل إليهم أنه لاحق لأحدهم في ماله الذي يملكه..
وإذا حدث خلاف عارض بين اثنين أو طائفتين سارع إلى حله بالموعظة الحسنة والنصح، وذكر فضائل المتخالفين، وتقريع المخطئين إذا بالغوا:
- سب أبو ذر بلالاً، فقال له: \" يا ابن السوداء\"، فقال رسول الله: (أعيرته بأمه! إنك امرؤ فيك جاهلية) البخاري في الإيمان باب المعاصي من أمور الجاهلية..
فندم أبو ذر، والتمس العذر من بلال، وقد قيل أنه وضع خده على الأرض وحلف ليطأنها..
- وعن خالد بن الوليد قال: \"كان بيني وبين عمار كلام فأغلظت له، فشكاني إلى رسول الله، فقال رسول الله: (من عادى عمارا عاداه الله، ومن أبغض عمارا أبغضه الله)، فخرجت فما شيء أحب إلي من رضى عمار، فلقيت عمارا فرضي\". السير 1/415، رواه أحمد..
- ولما كادت الفتنة أن تقع بين الأوس والخزرج بفعل اليهود، قام فيهم رسول الله وهو يقول: (أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم) ..
ثم تلى عليهم قوله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولاتفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا، وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها، كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون}..
فتباكى الأنصار، وألقوا سلاحهم وهم يتعانقون.
- وقد كان عليه الصلاة والسلام يكره أن يأتيه الرجل ليذكر أن فلانا فعل كذا وكذا، ويقول لهم: (لا يبلغني أحد عن أحد شيئاً، إني أحب أخرج إليكم وأنا سليم الصدر)، البداية والنهاية شمائل الرسول6/38
وهذا فيه تعليم للمسلمين بترك كل ما يفضي إلى فساد ذات بينهم، كالغيبة والنميمة والتجسس وسوء الظن، حفاظا على أخوتهم.
- وإذا شكى الصحابة إلى رسول الله ما لاقوه من أميرهم، لاطفه وسأله عن السبب دون أن يتعجل بزبره أو كهره، فقد صلى عمرو العاص في غزوة ذات السلاسل بأصحابه وهو جنب، فشكوه إلى رسول الله فقال له: (صليت بأصحابك وأنت جنب؟)..
فقال: \" يا رسول الله، خشيت على نفسي ـ وكان الليل باردا، والله يقول: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما}\"، فضحك النبي - عليه الصلاة والسلام -، [صحيح أبي داود 323].
- وكان لا يفتأ يذكر فضل المخطئين، كما ذكر فضل حاطب بن أبي بلتعة لما استأذنه عمر في قتله لإفشاء سر المسلمين في حادثة فتح مكة فقال: (وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم قد غفرت لكم) [رواه مسلم].
فذكر الفضائل يغرس محبة أصحابها في القلوب..
كل تلك الأحداث تؤكد وجوب ليس الأخوة فحسب، بل التحاب أيضا، يقول عليه الصلاة والسلام: (لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على عمل إذا فعلتموا تحاببتم؟، أفشوا السلام بينكم) [رواه مسلم] ..
ولما كان نشوء الصحابة على هذه التربية الأخوية فيما بينهم، انطلقوا في الأرض ينشرون دين الإسلام، ويخرجون الناس من الظلمات إلى النور..
بعد أن أخرجوا الهوى وحظوظ النفس والتقاطع من نفوسهم، وصاروا عباد الله إخوانا..
ولولا ذلك لما دخل الناس في دين الله أفواجا، بل لما وصل إلينا، ولما نعمنا به واهتدينا..
فلهم الرضى من الله، ولهم الشكر منا.
--------
فيا أيها العقلاء!!... كفوا عن الخلاف والقطيعة.. وامتثلوا لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قال: (لا تباغضوا ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث)، [متفق عليه من حديث أنس].
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد