بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
بلغت الأدلة على فضل الدعوة إلى الله مبلغًا عظيما قرآنية كانت أم سنية عن المعصوم - صلى الله عليه وسلم -.
قال - تعالى -: ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين {فصلت: 33}.
فلا أحد أحسن قولا ولا أفضل عملا، ولا أكرم سعيًا، ممن دعا إلى مولاه، واقتدى برسوله، واهتدى بهداه. مما يوضح أهمية الدعوة إلى الله وفضلها وما يجنيه الداعي إلى الله من عظيم أجر وكثير فضل، واستغفار الملائكة.
وكفى الداعي إلى الله شرفًا أنه وريث الأنبياء قال - صلى الله عليه وسلم -: \"من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له طريقًا إلى الجنة، وإنَّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع، وإنَّ العلماء ورثة الأنبياء وإنَّ الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر\". {صحيح الجامع ح6297}
وقال - صلى الله عليه وسلم -: \"فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم وإنَّ الله - عز وجل - وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير\". {صحيح الجامع ح4213}.
هذه الأحاديث وغيرها كثير تحثنا على طلب العلم ونشره بين الناس وتعليمه لهم وهي كافية لتكون تمهيدًا لمن أراد لنفسه التصدر في دعوة الناس وهدايتهم، حتى يهتم بدعوته ويطور من أسلوبها، ويتعلم كيف ينمي حصيلته العلمية وينظم لها الطريق الذي يصل به إلى الناس بصورة مفيدة، ومشوقة ونافعة.
ولأن الخطابة صورة من أبرز صور الدعوة إلى الله - تعالى - فقد نالت تلك المكانة السامية في الإسلام فبها \"تتهذب النفوس، وتنتبه العقول من غفلتها، وتستيقظ من رقدتها، وتستنير البصائر بنور الطاعة، بعد أن أظلمتها المعاصي\" {هداية المرشدين ص93}، وهي فوق ذلك كله \"سلاح من أسلحة الدعوة يُحِقٌّ الله به الحق، ويبطل الباطل، وعندما يكثر المبطلون في الأرض، ويظهر شرهم في البر والبحر، فإنَّ الخطيب واحد من الذين يتصدون لهذا الشر كسرًا لشوكته مع غيره من رفاق السلاح على طريق الحق\".
{الخطابة في موكب الدعوة د- عمارة ص55}.
\"لذلك فقد عنى الإسلام بالخطابة فشرع الخطب أيام الجمع والأعياد ليقوم الخطيب فيها بإرشاد يراعى فيه حال الأمة فيقرع أسماعها بالموعظة الحسنة ويستنهضها للأعمال التي تكفل عزها في الدنيا وسعادتها في الآخرة\". {المصدر السابق}.
\"إن الخطيب يرشد السامع إلى ما يحتاج إليه من أمور دينه ودنياه ويقيم له مراسيم لتقويم عيشه والاستعداد إلى ميعاده، وحسب الخطابة شرفًا أنها وظيفة قادة الأمم من الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين\". {فن الخطابة ص15}.
\"والخطابة وحدها هي السبيل لمخاطبة العقل والوجدان وتحريك المشاعر وتنبيه القلوب والأفئدة لتستيقظ بعد غفلة وتنتبه بعد غربة وتهتدي بعد ضلال\".
{الخطابة الإسلامية د- أبو العمايم}.
\"وأكدت التجربة أن الخطابة بالدرجة الأولى استعداد...ولكنه ينمو بالممارسة والتلقي عن نماذج حَيَّة تأخذ عنها مباشرة، ومن وراء الاستعداد رصيد من الثقافة يغترف منه الخطيب... وملاحقة للأحداث الجارية بما يناسبها من علاج على ضوء الشرع.
إن الخطابة ليست علمًا يُستَوعَبُ وتُحفَظُ قواعده لكنها ممارسة ومعاناة\".
{الخطابة في موكب الدعوة ص5، 6}.
المنبر ومكانته
المنبر الذي نعنيه ليس هو فقط مجرد القطعة الخشبية المكونة من ثلاث درجات، أو حتى تلك الكلمة التي يزعمها كل من اعتلى منصة فتكلم من فوقها.
ولكننا نقصد تلك المكانة المعنوية، والهيبة الدينية، المستمدة من بيت الله والدعوة إلى الله، حتى وإن لم تكن منبرًا على صورة منبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو خلفائه، بل لو وقف المتحدث (الخطيب) أمام المصلين بلا منبر فهو على منبر الحق، ويعتلي أفضل مكانة، وأحسن منزلة، بوقوفه هذا، فالعبرة ليست بالقطعة الخشبية، ولكن العبرة والمقصود هو الفائدة المرجوة من وقوفه وبمن يُخَوِّفُ ويُنذِرُ ويَعِظُ، فهو يبلغ عن الله، ويحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويُخوِّفُ بالنار، وينذر بالعذاب، ويُبشر بالجنة ورحمة رَبِّ العالمين.
هذا هو الذي نعنيه ونريد أن نبرز دوره، وخطورة إهماله، لذا حاول أعداء الدين إضعافه وتهميش دوره لما لديهم من علم مسبق أنه مصدر الإصلاح والخير، وموقظ الهمة، ومبعث العزة وهو أيضًا مصدر تعليم الناس وتنويرهم.
فالمنبر هو مكان رسول الإسلام - عليه الصلاة والسلام - ولابد من وقفة متأنية لكل من أراد أن يعتليه، يسأل نفسه لماذا تقف هذا الموقف؟ ومكان من هذا؟ وماذا تقول من فوقه؟
إن هذه الأسئلة مهمة في أن تُرَوِّضَ مَن يندفع للخطابة وليس لها بأهل.
إن المنبر هو تلك المكانة المرموقة التي غُرِسَت في نفوس المسلمين وعقولهم، وهو المنزلة الرهيبة التي يهابها الجميع.
فمهما وقف الخطيب أمام الطلبة في الجامعةº ومهما تحدث في الندوات واللقاءات أمام ألوف الناس فهذا شيء والمنبر شيء آخر، فالمنبر يبث فيمن يعتليه الرهبة وفي الجالسين أمامه المهابة.
ثم مكان من هذا؟! إنه موقف محمد المعصوم الذي علم - صلى الله عليه وسلم - من فوقه البشرية ووجههم ووعظهم وخوفهم ونصح لهم وأرشدهم. وموقف السلف من بعده - صلى الله عليه وسلم -.
أن هذا المكان حِكرٌ أو ينبغي أن يكون حِكرًا على الصالحين المصلحين، خاصًا بالدعاة إلى رب العالمين، لا نصيب فيه للأفاكين، أو المضللين، أو لبائعي دينهم بدنيا غيرهم، فالمنبر أطهر بقعة في الأرض وكيف لا وهو في أفضل وأطهر مكان ألا وهو المسجد واختص به الرسول - صلى الله عليه وسلم - دون سواه في حياته، فهل بعد هذا الوصف يجرؤ مفرط أن يعتلي المنبر وهو يعلم من نفسه أنه فارغ العلم، فاقد النصح لغيره، عديم النفع لهم؟!
ثم يسأل نفسه: ماذا أقول من فوقه؟
من أجل تلك المكانة وهذه المنزلة كان لزامًا على كل غيور على دينه أن يقوم بدوره لإعادة الهيبة للمنبر ولمن يعتليه.
والله من وراء القصد.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد