أحاديث قروية


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحديث الأول: حين يتحدث أهل القرى:

أزعم أن الكثير لا ينتظر من كلام أهل القرى أن يكون عذباً سلساً، بل يتصور الكثير أن لِكلام أهل القرى كما لأنفسهم من الشدة والقسوة والجلافة، ما يصد بعض \"المترفين\"عن سماع أحاديثهم إلا لمجرد الضحك!!

لكن هذا لا يصدني عن أن أرمز لما كتبته برمزهم، وأختمه بختم قروي يميزه...

والكثير من أهل القرى قد هربو منها، بل بعضهم اليوم يأنف، من نسبته إلى القرية!

لأن أبرز ما يميز القروي في نظره عقليته البسيطة السطحية، وعدم معرفته بكثير من التقنيات، وعدم قدرته على \"ليَّ\" لسانه ليكون متفيهقاً مثلهم!!

ودائماً ما تنطلق الألسنة معبرة عما تختزنه العقول من مفهوم الحضارة والتطور، تنطلق لتختزل كل ما تريد قوله بعبارة \"قروي\"، فيفهم المتحدث والسامع ما لهذه الكلمة من دلالات تعاقبت على فهمها الأجيال.....

فهموا أن القروي لا يعرف أكبر من محيط قريته، بل محيط بيته أحياناً، وهكذا كان!!

فهموا أن القروي يختصر الحياة في مزرعته إن كان له أو في ماشيته!!

ويكون أعظم حدث في الدنيا حين تموت بقرته الوحيدة!!

أو يمرض بعيره المحبب إلى نفسه!! يعيبون القروي بنومه المبكر، واستيقاظه قبل خيوط الفجر، يلمزونه بأنه لا يدري عما يجول في العالم ولا يعلم عن المفاعلات النووية، ولا كارثة تشير نوبل!! ويتهمونه بأنه لا يعرف الحضارة والتطور!!

وماذا فعلتم حين أحطتم بما هو أكبر؟! ماذا جنى بعضكم غير الهم والقلق والخوف من المستقبل..؟!! ما الذي قادكم له توسعكم في حياتكم؟! وهل استفدتم حين قلبتم ليلكم نهاراً ونهاركم ليلاً؟!

هل طورتم جهازاً؟ أو ابتكرتم آلة؟ أو ارتقيتم بفكر....؟!!

نعتم القروي بالسطحية والسذاجة والجهل، وهي في الحقيقة: صفاء وبساطة..

أما الجهل: فجهله البسيط لا يقارن بجهلكم المركب..!!!

إذاً هل أعتز بقرويتي؟! لم لا أعتز بأنني قروية.. والقرية ينطبع صفاء سمائها على قلوب أبنائها فيما مضى وقليل مما بقي لم لا أحبها وبساطة أهلها كبساطة بيوتهم، يعرفون من الدنيا أهم ما يحتاجون..! ويعالجون كل شيء ببساطة ودون تعقيد...! تنتهي مشكلاتهم أسرع مما تبدأ..!!

هل ألام بعد كل هذا أن انتسبت إلى عالم تطفو الفطرة النقية الصافية على كل فعل أو تصور لأبنائها؟ عالم لا يعرف الغش ولا الخداع...!!

من يسد الهوة...؟!

كيثراً ما يجد بعضنا أو أكثرنا هوة قد تتفاوت في العمق بين مانتعلمه وبين مانجده واقعاً ملموساً نصطدم به كل يوم..

ليس هذا فقط حين نلقي مجاهرتنا النقية على الآخرين بل هو كذلك حين ننظر بشيء من الإنصاف أو التعقل إلى ذاتنا..

ودائماً ما ترد أسئلة كثيرة على أذهان من يمكن تسميتهم بـ\"أحياء القلوب\"، تكشف عن مدى المعاناة التي يجدونها حين يعرضون ما يقع منهم على مايفترض أن يعملوه..

السؤال الملح هو أين يكمن الخلل؟! أهو في سوء التطبيق؟ أم في غياب القدرة العملية؟ أم في أسلوب العرض الذي قد يتسم بشئ من المثالية؟!!

أعتقد أن كل واحد من هذه الأسباب يمكن أن يكون داخلاً في هذه القضية..

لكن السؤال الأهم ما الذي يمكن أن نفعله لسد هذه الهوة؟!!

ماذا يمكن لكل فرد أن يعمل لردمها؟ إما لتنتهي معانات المجتمع، أو لتنتهي معاناته هو على الأقل..

من غير المقبول أن تقنع الطالب مثلاً بتحريم الكذب في الصف صباحاً ثم يمارسه بمجرد خروجه من المدرسة، أو حتى قبل ذلك.

ومن غير المعقول أن لا نرضى هذا السلوك إلى أن يتحسن حال المعلم الذي يمثل قدوة سيئة بممارسته عندما يُنهى عنه!

والمعقول المقبول أن يسعى الشخص لتطبيق ما تعلمه بغض النظر عن التزام من يفترض أنه قدوة، لأن القدوة ليست لقباً متعلقاً بالأشخاص.. وإنما هي لواء يدخل تحته كل من استحق ذلك.

والقدوة الحقيقية هو من يسد الهوة بين ما يتعلمه وما يطبقه أولاً، ثم يسعى لردمها عن الآخرين.

 قروية....!!

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply