بسم الله الرحمن الرحيم
إن الرجوع إلى تاريخ الدعوة والإطلاع على مراحلها وخطواتها شئ لابد منه حتى يعلم كل واحد منا وهو يسير في خط الدعوة لتبليغ آية يحفظها أو لتبليغ حديث يحفظه أنه لا يقوم بشيء محدث ولا بدعوة محدثة ولا يقول بدعاً من القول وإنما هو يتابع ويكمل خطاً قديماً عريقاً بدأه الأنبياء والمرسلون وإن أحدنا إذا سلك خطاً وهو يعلم أنه خط أصيل عريق له جذور ضاربة في أعماق التاريخ فإن هذا يورثه في نفسه قوة دافعة يشعر معها أنه يستند إلى قوة جبار السماوات والأرض لذلك لابد لنا من استعراض موجز سريع لتاريخ الدعوة التي نحمل لواءها ولا يمكننا أن نستعرض تفاصيل حياة كل نبي من الأنبياءº لأن هذه السلسة التي نحن في بدايتها كما ذكرت لكم تستمر سنة ونصف تقريباً فلو خضنا في تفاصيل حياة الأنبياء لاحتجنا إلى سنة ثانية أو أكثر وإن بعض التفاصيل من حياتهم ستمر معنا عندما سنتكلم عن صفات الدعاة وأساليب الدعوة إلى الله ولكن الذي نريده اليوم من هذا السرد الموجز السريع هو أن نعلم أنه ما من نبي أرسله الله - تعالى - إلا ودعا قومه للإسلام الذي ندعو نحن إليه ولنعلم أيضاً أن دعوتنا قديمة قدم التاريخ كله.
وإن أول نبي أرسله الله - عز وجل - ليحمل لواء الدعوة إلى الإسلام بعد انحراف البشرية عن الطريق المستقيم إنما هو سيدنا نوح على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام فقد جاء في الصحيح عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: (كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام) فبعد أن خلق الله سيدنا آدم مكث الناس على الإسلام والتوحيد تلك المدة الطويلة ليس للشرك بينهم مكان ولكن الشيطان لم يهدأ له بال ولم يفتر فدخل بطريقة خبيثة وماكرة استطاع من خلالها أن يدخل الشرك إلى قلوب الناس فقد ورد في صحيح البخاري أنه لم مات رجال صالحون من قوم نوح جاء الشيطان ووسوس للناس وزين لهم أن يجعلوا لهؤلاء الصالحين أنصاباً وتماثيل يجعلونها في مجالسهم ففعلوا ذلك ظناً منهم أن في هذا الفعل إكراماً للصالحين فلما مرت الأيام والأجيال جاء الشيطان وقال إن من كان قبلكم كانوا يعبدون هذه التماثيل فصدقوا ذلك ومن هنا أتت عبادة الأصنام. فأرسل الله - عز وجل - سيدنا نوح ليصحح مسار البشرية وليرفع لواء الدعوة وينقذ الناس من مصيدة الشيطان ليعيدهم إلى عبادة الله والاستسلام له فقام نوح - عليه الصلاة والسلام - بحمل لواء الدعوة خير قام.. واسمعوا إلى كلام الله - عز وجل - لتعلموا كيف سار نوح - عليه الصلاة والسلام – بدعوته: (قال رب إني دعوة قومي ليلاً ونهاراً فلم يزدهم دعائي إلا فراراً وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكباراً ثم إني دعوتهم جهاراً ثم إني أعلنت لهم وأسرت لهم إسراراً فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً مالكم لا ترجون الله وقاراً وقد خلقكم أطوارا).
فنوح - عليه الصلاة والسلام - لم يدخر جهداً ولا وقتاً ولم يترك أسلوباً إلا استخدمه فهو يدعوا إلى الله في الليل والنهار في السر والعلن ولكنه لم يرى منهم إلا الإعراض والتولي والإصرار على ألا يسمعوا منه كلامه ولا يصغوا لدعوته. فلما رأى عنادهم لخص لهم دعوته كلها من أولها إلى آخرها فقال لهم (فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين).
وبما أننا نتحدث عن سيدنا نوح - عليه الصلاة والسلام - فإنني أغتنم الفرصة لأذكر لكم مكر اليهود وخبثهم وكيف أنهم يحاربون دعوة الأنبياء ودعوة الرسل ويناصبوننا العداء ويخططون لنا منذ زمن بعيد... ويربون أجيالهم ويرضعونهم مع حليب الأمهات كراهية وبغض العرب والمسلمين ودعوتهم.
كلكم تعلمون أن اليهود حرفوا التوراة وكذبوا على الله وحرفوا الكلم عن مواضعه ومن جملة تحريفهم للتوراة ما ورد فيها أن سيدنا نوحاً - عليه الصلاة والسلام - غرس كرماً فصار عنباً فصنع منه خمراً فشرب حتى ثمل وسكر - والعياذ بالله فحاشاه أن يفعل ذلك ولكن اليهود هم أعداء الله وأعداء الدعاة والدعوة يقولون شرب حتى ثمل وسكر..
ثم ألقى الثياب عن نفسه حتى ظهرت عورته فدخل عليه ولده (حام) وهو أبو كنعان وهم يقولون أن كنعان هو أبو العرب ولعداوتهم للعرب وللنبي العربي اختلقوا هذا النص - يقولون فدخل عليه حام فشاهد عورة أبيه بادية فتركه وذهب وأخبر أخوته سام ويافث وقال لهم إن أباكم شرب حتى ثمل وظهرت عورته ويقولون بأن فضح والده أمام الناس ثم يزعمون أن سام ويافث ذهبا وقد وضعا الرداء على ظهرهما ورجعا القهقرى إلى الخلف حتى وصلا إلى نوح ولم ينظرا إليه وألقيا الرداء عليه حتى يسترا عورته...فدعا لهما بالبركة ودعا على ولده حام أبو كنعان باللعنة إلى يوم القيامة ودعا على أولاده ومنهم نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يكونوا خدماً وعبيداً لأولاد سام ويافث فهم يحرفون الكلم ويخططون بخبث ومكر ليزرعوا العداوة في قلوب أجيالهم هذه القصة أحببت أن أذكرها في سياق حديثنا عن سيدنا نوح لأثبت من خلالها عداوة اليهود وخبثهم ومكرهم.
ثم تتابع الأنبياء بعد نوح - عليه الصلاة والسلام - كلهم يبلغ دعوة الإسلام حتى جاء أبو الأنبياء جميعاً فما من نبي بعده إلا وهو من نسله ومن ولده إنه سيدنا إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - وإن الله - عز وجل - خاطب البشرية كلها بقوله: (ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين).
ومن يرغب عن ملة إبراهيم فما هي ملة إبراهيم التي كان يدعوا إليها والتي من رغب وابتعد عنها وتركها من الأولين والآخرين كان سفيهاً بنص كتاب الله - تعالى - ما هي ملة إبراهيم؟
(ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين).
إذاً رأينا أن نوحاً قال لقومه: (فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين).
وإبراهيم - عليه الصلاة والسلام -: (قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين).
ولقد حاول أعداء الله اليهود أن يغيروا في هذه الحقيقة ويجادلوا فادعوا في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - في المدينة المنورة أن إبراهيم كان يهودياً فواجههم القرآن الكريم بالحجة الناصعة والبيان الذي ما بعده بيان: (يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده هاأنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين إن أولى الناس بإبراهيم الذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين).
فدين إبراهيم ودين الأنبياء ودعوتهم إنما هي الإسلام ولا شئ سواه ولذلك لما قام إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - بأعظم عمل عمله في حياته وهو بناء الكعبة المشرفة كان دعاؤه لنفسه ولولده الذي ساعده ولأمته من بعده أن رفع يديه قائلاً:(ربنا اجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة ً مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم).
وقبل أن ينتقل إبراهيم إلى الرفيق الأعلى وصى أهله وأبناءه بأن يتمسكوا بدين الإسلام وألا يحيدوا عنه شعره واحدة (ووصى بها إبراهيم بنيه يعقوب يا بني إن الله أصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون).
وانتقل إبراهيم لربه وكان من بعده حفيده يعقوب والد بني إسرائيل جميعاً الذي سنتابع الحديث عنه وعمن بعد في الأسبوع القادم بإذن الله - تعالى - ونسأل الله أن يوفقنا للتمسك بالدعوة التي ارتضاها الله للناس أقول هذا القول وأستغفر الله..
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد