بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله محمّد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن والاه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين- أما بعد:
إن من المحزن حقاً ما نراه في واقع فئام من شبابنا في عدم مبالاتهم بالأوقات، وخاصة الأوقات الفاضلة، مع أنهم يدركون جيداً أن الحياة قصيرة وإن طالت، والفرحة ذاهبة وإن دامت، والصحة سيعقبها السقم، والشباب يلاحقه الهرم، ومن الأوقات الفاضلة التي فرط فيها بعض شبابنا، يوم الجمعة، الذي هدى الله - تعالى - أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - إليه، وأضل الأمم الماضية عنه، هذا اليوم الذي فيه خُلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، وفيه تقوم الساعة « وما من ملك مقرب، ولا سماء، ولا أرض، ولا رياح، ولا جبال، ولا بحر، إلا وهن يشفقن من يوم الجمعة » [رواه أحمد وحسنه الألباني]. وقد ذكر كعب الأحبار أنه: « ما طلعت الشمس من يوم الجمعة إلا فزع لمطلعها البر والبحر والحجارة، وما خلق الله من شيء إلا الثقلين » [رواه عبد الرازق في مصنفه 3/552]، ومع ذلك نرى التفريط والإضاعة في ساعاته، لذا لزاماً علينا أن ندرك بعض حقائق هذا اليوم حتى نعرف قدره، ونقدر أمره فمن ذلك:
أولاً: عظم هذا اليوم:
قد جاءت النصوص الشرعية في بيان عظم هذا اليوم، فعن أبي هريرة رضي الله عه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أُدخل الجنة، وفيه أُخرج منها » [رواه مسلم] وعن أوس - رضي الله عنه - قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة » الحديث [رواه أبو داود].
ثانياً: فضل الجمعة والتبكير إليها:
لأن من أدرك فضل هذا اليوم سيدفعه ذلك إلى الاهتمام به، والحرص على انتهاز هذه الفرصة العظيمة، واستغلالها بكل ما أوتي من فعل الخيرات وترك المنكرات، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: « الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارات لما بينهن » [رواه مسلم]. وعن سلمان الفارسي - رضي الله عنه - قال فال النبي - صلى الله عليه وسلم -: « لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ويدّهن من دهنه أو يمس من طيب بيته ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غُفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى » [رواه البخاري].
ثالثاً: عقوبة التخلف عن شهود الجمعة:
عن الحكم بن ميناء أن عبد الله بن عمر وأبا هريرة حدثاه أنهما سمعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول على منبره: « لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين » [رواه مسلم].
يقول الإمام الأوزاعي: كان عندنا ببيروت صياد، يخرج يوم الجمعة يصطاد، ولا يمنعه مكان الجمعة، فخرج يوماً، فخُسف به وببغلته، فلم يبق منها إلا أذناها وذنبها.
وهذا برنامج مقترح لقضاء الوقت في هذا اليوم العظيم:
أولاً: ألا يسهر ليلة الجمعة إلى ساعات متأخرة من الليل لأن السهر سيفوت عليه التبكير إلى صلاة الجمعة، قال ابن مسعود- رضي الله عنه-: جدب- أي عابه وذمه- إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -السمر بعد العشاء [رواه أحمد وصححه الألباني].
ثانياً: أن يمكث بعد صلاة الفجر للذكر والتلاوة.
ثالثاُ: يستريح قليلاً ثم يتناول طعامه، ويغتسل ويتطيب، ويستاك ويقص شاربه، ويلبس أنقى ثيابه.
عن سلمان الفارسي - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: « لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته ثم يخرج فلا يفرّق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى » [رواه البخاري] يقول محمّد ابن إبراهيم التميمي: من قلم أظفاره يوم الجمعة، وقص شاربه، واستن، فقد استكمل الجمعة. [عبد الرزاق في مصنفه] وكان ابن عمر- رضي الله عنهما - لا يروح إلى الجمعة إلا أدهن وتطيب إلا أن يكون حراماً. ويقول أبو سعيد الخدري: ثلاث هن على كل مسلم في يوم الجمعة: الغسل والسواك، ويمس طيباً إن وجد.
رابعاً: أن يبكر لحضور الجمعة ماشياً لا راكباً، لنال الأجر العظيم في تبكيره، لما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة- رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: « من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر »
الثقفي قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: « من غسَّل واغتسل يوم الجمعة وبكر وابتكر ومشى ولم يركب فدنا من الإمام واستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة أجر سنة صيامها وقيامها » [روه أحمد].
وهذا هدي الصحابة - رضي الله عنهم - يقول أنس بن مالك - رضي الله عنه - كنا نبكر بالجمعة ونقيل بعد الجمعة [رواه البخاري].
خامساً: يستغل الشاب فترة جلوسه في المسجد بما يناسب قلبه وحاله، إما بكثرة الصلاة وقد جاء في صحيح مسلم من حديث ربيعة بن كعب الأسلمي - رضي الله عنه - قال: « كنت أبيت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتيته بوضوئه وحاجته فقال لي: سل، فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، قال: أو غير ذلك، قلت: هو ذاك قال: فأعنّي على نفسك بكثرة السجود » وكلنا مطلبه أن يكون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجنة، وهذه الأمنية لا تتحقق بعد رحمة الله - تعالى - إلا بفعل الأسباب، ومن الأسباب كثرة الصلاة، يقول نافع: كان ابن عمر يصلي يوم الجمعة، فإذا تحين خروج الإمام قعد قبل خروجه [عبد الرزاق 3/210]، ومن ذلك أيضاً: قراءة سورة الكهف فقد وردت نصوص في فضل قراءتها، منها ما رواه الدارمي في سننه عن أبي سعيد الخدري قال:\"من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أضاء له من النور فيما بينه وبين البيت العتيق\"[إسناده له حكم الرفع كما قال الألباني]، ثم يحاول أن يحفظ شيئاً من القرآن الكريم ليملأ قلبه، وصدره منه، فخير ما ملئت به القلوب كتاب الله - تعالى -، روى الترمذي من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب » [قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح].
سادساً: إذا دخل الإمام لصلاة الجمعة ينصت للإمام ويستمع إليه، وكي يستفيد من الخطبة ويستوعبها، يفترض أنه سيسأل عن الموضوع بعد الخطبة أو يطلب منه أن يتحدث عن موضوع الخطيب، فإنه بهذه الطريقة سيركز ذهنه وتفكيره مع المتكلم أكثر، وجرب تجد صدق ما أقول.
سابعاً: بعد الجمعة تؤدي سنتها إن كان في المسجد أربعاً، لما روى الترمذي من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « من كان منكم مصلياً بعد الجمعة فليصل أربعاً » وإن كنت في البيت فصل ركعتين، لما ثبت في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم -كان يصلي ركعتين في بيته، ثم بعد ذلك تتناول طعامك وتستريح، لما روى البخاري من حديث سهل بن سعد قال: « ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة ».
ثامناً: بعد العصر يمكن أن تستغله بزيارة قريب، أو عيادة مريض، أو مذاكرة علم ونحو ذلك.
تاسعاً: قبيل المغرب ينبغي الذهاب إلى المسجد للدعاء واستغلال ساعة الاستجابة، لما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -ذكر يوم الجمعة فقال: « فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله - تعالى - شيئاً إلا أعطاه إياه وأشار بيده يقللها ».
واختلف أهل العلم في تعيين هذه الساعة على أقوال كثيرة، ولكن لعل أرجحها أنها آخر ساعة من العصر، فحري بالشاب المسلم الذي يعلم فقره وحاجته إلى ربه، أن ينتهز هذه الفرصة بالدعاء بنفسه بالهداية والثبات على هذا الدين والدعاء لإخوانه المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
عاشراً: بعد صلاة المغرب يذكر ورد المساء ثم يؤدي نافلة المغرب.
الحادي عشر: بعد المغرب إما أن يبقى مع الأهل للتحدث معهم، وإفادتهم بما ينفع، أو يراجع دروسه اليومية.
ويتذكر الشاب أن ما يفعله من مراجعة الدروس أنه طلب للعلم، وطلب العلم عبادة عظيمة، يؤجر عليها العبد، روى أبو داود عن كثير بن قيس قال كنت جاساً مع أبي الدرداء في مسجد دمشق فجاءه رجل فقال: يا أبا الدرداء إني جئتك من مدينة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لحديث بلغني أنك تحدثه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ما جئت لحاجة قال: فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: « من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً من طرق الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاً لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض، والحيتان في جوف الماء وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر ».
الثاني عشر: بعد صلاة العشاء وتناول الطعام إن أحببت أن تقرأ من كتب العلم المناسبة لك فهذا حسن كما قال الشاعر:
وخير جليس المرء كتبٌ تفيده *** علوماً وآدابا كعقل مؤيَّدِ
ولا تسأمنّ العلم واسهر لنيله *** بلا ضجر تحمد سُرى السير
وإن أبيت ذلك فأوتر قبل أن تنام لتختم يومك بما يرضي العلام، ولا تنسى أذكار النوم وآدابه، والله يحفظك ويرعاك وصلى الله وسلم على نبينا محمّد وعلى آله وصحبه وسلم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد