بسم الله الرحمن الرحيم
الباب السادس: غض الطرف عن هنات وزلات الأخيار:
روي أن الواعظ ابن السماك قال له صديق: «الميعاد بيني وبينك غداً نتعاتب»، كأنها كانت هفوة من ابن السماك أو زلة تعكر لها قلب صديقه. فقال له ابن السماك - رحمه الله تعالى -: «بل بيني وبينك غداً نتغافر».
من اليوم تعارفنا ونطوي ما جرى منا
فلا كان ولا صار ولا قلتم ولا قلنا
وإن كان ولا بد من العتب فبالحسنى
تعالوا بنا نطوي الحديث الذي جرى ولا سمع الواشي بذاك ولا درى
تعالوا بنا حتى نعود إلى الرضا وحتى كأن العهد لم يتغيرا
لقد طال شرح القال والقيل بيننا وما طال ذاك الرح إلا ليقصرا
من اليوم تاريخ المحبة بيننا عفا الله عن ذاك العتاب الذي جرى
تعالوا نخل العتب عنا ونصطلح وعودوا بنا للوصل والعود أحمد
ولا تخدشوا بالعتب وجه محبة له بهجة أنوارها تتوقد
قد قضينا لبانة من عتب وجميل تعاتب الأكفاء
ومع العتب والعتاب فإني حاضر الصفح واسع الإعفاء
فعذرك مبسوط لدينا مقدم وودك مقبول بأهل ومرحباً
ولست بتقليب اللسان مصارما خليلي إذا ما القلب لم يتقلب
حث النبي – صلى الله عليه و سلم - على الصدقة، فأخرج عثمان – رضي الله عنه - تلك الصدقة العظيمة قال: «ما ضر عثمان ما عمل بعدها»(1).
قال سعيد بن المسيب: «ليس من شريف ولا عالم ولا ذي فضل إلا وفيه عيب، ولكن من الناس من لا ينبغي أن تذكر عيوبه، فمن كان فضله أكثر من نقصه وهب نقصه لفضله».
قال أبو معبد عبد الله بن عكيم الجهني: «إني لأرى ذكر مساوئ الرجل عوناً على دمه»(2).
أتاني مقال من أخ فاغتفرته وإن كان فيما دونه وجه معتب
وذكّرت نفسي عند امتعاضها محاسن تعفوا الذنب عن كل معتب
إن الكرام إذا صحبتهم ستروا القبيح واظهروا الحسنا
وتنافر القلوب لا تتعدى الأسباب التالية: فلتة لسان، أو هفوة لم تغتفر، أو ظن متوهم.
قال ابن القيم - رحمه الله -: من قواعد الشرع والحكمة أيضاً أن من كثرت حسناته وعظمت، وكان له في الإسلام تأثير ظاهر، فإنه يحتمل منه ما لا يحتمل لغيره، وعفي عنه ما لا يعفى عن غيره، فإن المعصية خبث، والماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث، بخلاف الماء القليل، فإنه لا يحتمل أدنى خبث.
ومن هذا قول النبي – صلى الله عليه و سلم - لعمر: «وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم»، وهذا هو المانع له – صلى الله عليه و سلم - من قبل من جَسَّ عليه وعلى المسلمين وارتكب مثل ذلك الذنب العظيم، فأخبر e أنه شهد بدراً، فدل على أن مقتضى عقوبته قائم، لكن منع مِن ترتٌّبِ أثره عليه ما له من المشهد العظيم، فوقعت تلك السقطة العظيمة مغتفرة في جنب ما له من الحسنات.
ولما حض النبي – صلى الله عليه و سلم - على الصدقة فأخرج عثمان – رضي الله عنه - تلك الصدقة العظيمة قال: «ما ضر عثمان ما عمل بعدها»، وقال لطلحة لما تطأطأ للنبي - صلى الله عليه وسلم - حتى صعد على ظهره إلى الصخرة: «أوجب طلحة»(3).
وما الناس إلا من مسيء ومحسن وكم من مسيء قد تلافى فأحسنا
من ذا الذي ما ساء قط ومن له الحسنى فقط
من ذا الذي ترضا سجاياه كلها كفى المرء نبلا أن تعد معايبه
----------------------------------------------------------
(1) مفتاح دار السعادة لابن القيم 1/176.
(2) رواه البخاري في تاريخه الكبير جـ1/ق1/32.
(3) مفتاح دار السعادة 1/176.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد