بسم الله الرحمن الرحيم
دعنا - أخي الداعية - في البداية نتفق على قاعدة مهمة تقول: \" كل تصرف يقوم به الداعية يمكن أن تتم ترجمته إلى كلمات \". و سوف نستخدم هذه القاعدة كثيراً في بحوثنا اللاحقة إن شاء الله - تعالى -.
أما تفسير هذه القاعدة فيتلخص بمثال بسيط، وليكن عن نفس موضوع البحث، فأنت أخي عندما تبتسم في وجه المدعوº فإن هذا تصرف، و سوف يقوم المدعو بترجمته إلى الكلمات التالية: \" أنا أحبك.. أنا أحترمك.. أنا مهتم بأمرك و أتمنى لك الخير و يسرني رؤيتك \"، فتخيل - أخي - كم من الكلمات الجميلة تلك التي قلتها بحركة صغيرة من شفتيك، و تخيل مسافة الطريق التي قطعتها إلى قلب المدعو من غير كثير نقاش أو طول إقناع و مماحكة، فالابتسامة تغني الذين يتقبلون دون أن تفقر الذين يعطون.
نعم.. إنها حركة بسيطة، و لكنها تعني للمدعو الشيء الكثير، فهي بذرة صغيرة ترميها في نفسية المدعو تنمو و تكبر، و تؤتي أكلها بإذن الله.
و هاهو خير البشر يرشدك- أيها الداعية - و يحثك على البسمة: فيقول: (تبسمك في وجه أخيك صدقة)، وهاهو - صلى الله عليه و سلم - يصف حسن الخلق فيقول: (بسط الوجه و بذل المعروف و كف الأذى) و يقول: (كل معروف صدقة، و إن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق).
و اعلم أيها الداعية - سدد الله خطاك - أن العبوس و الغلظة ليست من الدين في شيء، خاصة في مقام الدعوة إلى الله، و لا يهمك بعض من جعلوا من العبوس أصلا من أصول الدين، فابتسامته كهلال رمضان لا يوفق الكثير في رؤيتها، و يسمي هذا التزمت التزاما، أو وقارا، وأنا أرى أن هذا الذي يفعل هذا الفعل لن يكون أكثر وقاراً من رسول الله - صلى الله عليه و سلم - الذي قال فيه أبو الدرداء - رضي الله عنه -: \" ما رأيت أو ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه و سلم - يحدث حديثا إلا تبسم \"، و في حديث آخر عن عبد الله بن الحارث بن جزء قال: \"ما رأيت أحدا أكثر تبسما من رسول الله صلى الله عليه و سلم\".
وأنا في هذا المقام لا أريد أن أتوسع، فأتكلم عن رحابة الصدر و اللين في الدعوة، و التي سيكون لها بحثها الخاص - إن شاء الله - و أريد أن أبقى في إطار الابتسامة، و لا بد و نحن نبحث فيها أن نؤكد على أمر مهم وهو: أن تكون هذه الابتسامة التي نهديها أحباءنا صادقة نابعة من القلب، و إلا فإنها سهم طائش، لن يصيب بل إنها قد تؤدي إلى نتائج سلبية في نفسية المدعو الذي لن يترجم الابتسامة الصفراء الكاذبة - و هو يعرفها - إلا بكلمات سوداء، و مشاعر حزينة، و هذا من أكبر العوائق في طريقك إلى قلبه.
و هاهو ديل كارنيجي - أحد علماء النفس المشهورين - يقول في كتابه كيف تكسب الأصدقاء و تؤثر في الآخرين: \"إن ما يقال أن سر النجاح يكمن في العمل الجاد و الكفاح فلا أؤمن به، متى تجرد من الإنسانية اللطيفة المتمثلة في البسمة اللطيفة\".
و هاهم أهل الصين يوجهون لدعاة الإسلام نصيحة جميلة، و الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذها.. إذ يقول المثل الصيني: \"الرجل بوجه غير باسم لا ينبغي أن يفتح دكاناً \".
و نحن نقول: \" الداعية بوجه غير باسم لا ينبغي أن يكلم إنساناً \".
فكن أخي كالرجل الهرم الذي قال فيه الشاعر زهير:
تراه إذا ما جئته متهللا **** كأنك تعطيه الذي أنت سائله
و إياك أن تكون من الذين:
وجوههم من سواد الكبر عابسة **** كأنما أوردوا غصبا إلى النار
ليسوا كقوم إذا لقيتهم عرضا **** مثل النجوم التي يسري بها الساري
و تذكر دوما أن:
الابتسامة تحدث في ومضة و يبقى ذكرها دهراً، و هي المفتاح الذي يفتح أقسى القلوب، و هي العصا السحرية التي تكبت الغضب، و تسري عن القلب.
فهيا - أخي - نبتسم في وجوه الناس.. نبشرهم و لا ننفرهم.. نغير الصورة التي طبعها البعض في أذهان الناس عن الملتزمين المتزمتين، فنبين لهم أننا ملتزمين مبتسمين، نحب الخير للناس، و نتمنى لهم الهداية و السعادة، و نشعرهم أننا نهتم بهم، و همنا همهم و فرحنا فرحهم.
أما المصافحة و السلام باليد فهي أمر آخر جميل، تستطيع من خلاله أن تنقل سلكاً كهربائياً إلى أخيك، يشحنه محبة ووداً، و هاهو سيد الخلق محمد - صلى الله عليه و سلم - كما يخبرنا عنه أنس بن مالك رضي الله عنه قال: \" كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا استقبله الرجل فصافحه، لا ينزع يده من يده حتى يكون الرجل ينزع، ولا يصرف وجهه عن وجهه حتى يكون الرجل هو الذي يصرفه \" و لهذا دلالة عظيمة، و أثر كبير في نفس الإنسان الذي تصافحه، فهو دليل اهتمام و محبة، و لن يطلب الآخرون منك أكثر من ذلك.
و ختاما أخي - يا داعية الإسلام - ما رأيك أن تجرب هذا المفتاح فتبتسم في وجه كل من تلقاه من أهلك، أو أصدقائك، أو إخوانك، أو زملائك، أو طلابك، أو موظفيك و ترى ردة فعلهم، لعل الله يكتب لك أجر المعروف، بأن تلقى أخاك بوجه طلق، أو يكتب لك ما هو خير من حمر النعم، بأن يشرح الله صدر أحدهم على يديك أو على شفتيك.
و كما بدأنا بالابتسام فإنا نختم بالابتسام.. و السلام
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد