ما واجبنا لو أغلقت المساجد؟ هل تموت الدعوة؟


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأصلي وأسلم على أشرف الأولين والآخرين، المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

فقد تظاهر أعداء الدين في هذه الآونة على بيوت الله هدماً وإغلاقاً، وتوقيفاً وتعطيلاً، وهم وإن تباينت أهدافهم الظاهرة إلا أن مراميهم الباطنة هي بغض الله والرسول - صلى الله عليه وسلم -، وبغض الدين الذي لو مُكن له في الأرض لزالت سيادتهم، ودالت دولتهم.

ولما كانت المساجد هي محور عملية الدعوة، ومجتمع الدعاة والمدعوين، كان في تنحية دوره في المجتمع أثر يشبه تنحية أحكام الشريعة، وصار لزاماً على أهل الحل والعقد (الذين هم أهل العلم والشوكة، والرأي والمشورة في البلاد) أن يتخذوا موقفاً من هذا الاعتداء الصارخ على حرمات الله - تبارك وتعالى -.

وإذا كان تعظيم الحرمات من تقوى القلوب كما قال - تعالى-: ((ذلك ومن يعظم حرمات الله فإنها من تقوى القلوب))º فإن رعاية حرمات الله من أن تنتهك والحفاظ عليها من أن تنال بسوء من أعظم التقوى الذي أمرنا به.

وغير جائز أن يعتقد المسلم أن دوره قد تعطل بهدم المساجد، ومنع الناس من أن يذكروا فيها اسم الله - تعالى-، أو أن يقيموا فيها شعائر الله، سواء كان ذلك المسلم داعية إلى الله - تعالى- أو مجرد مصل فيها، مؤد لما افترضه الله - تعالى - عليه في رحابها.

ولما كان ذلك كذلكº وجب على كل مسلم (وبخاصة شباب الصحوة) أن يقفوا على دورهم في مواجهة هذا الطغيان، وأن يعملوا جاهدين على خدمة دينهم، والقيام بما أمرهم الله به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في حدود ما يستطيعون، وما تطيقه جوارحهم.

وفي هذه العجالة سأسطر نصيحة قديمة، عرضتها على أهل العلم والدعاة كحل جذري لعمليات التأميم المتتالية التي تتعرض لها مساجد أهل الصحوة الإسلامية، بحيث يكون ضم المسجد إلى حظيرة المساجد الأليفة غير مانع للدعاة من أن يعملوا لدينهم وفق المنهج القويم، غير هيابين من سلطة غاشم، أو سطوة ظالم.

وهاأنذا أعرض هذا الحل في صورة أفكار مرتبة، ونقاط مركزة، منبهاً على ضرورة أن يكون العمل جملة وتفصيلاً خاضعاً لرأي المشورة الجماعية، مستظلاً بإرشادات أهل العلم في كل منطقة بحسبها، محذراً من أن يرتجل الشباب أي عمل دون أن يكون لهم موجه ذو بصيرة وعلم وخبرة وتجربة.

أولاً: قد تقرر في أحكام الشريعة الغراء أن العبد لا يكلف إلا ما يستطيع، وأن ما كان داخلاً في استطاعة العبد عرفاً فهو داخل في إمكانية تكليف الله إياه شرعاً، وعليه فإن الشؤون الدعوية غير مستثناة من هذا الأصل الأصيل، ويجب استحضار هذا المعنى في كل ما نأتيه ونذره، حتى لا نتكلف أموراً هي خارج استطاعتنا، وبالتالي نقع في محاذير شرعية نحن في غنى عنها.

ولكن هذا لا يعفينا من أن نتقي الله - تعالى- في تقدير الاستطاعة، وألا نركن إلى شهوات النفس، وإرادات الهوى، فإن الغالب في تقديرات الهوى الحياد عن الحق، والركون إلى راحة النفس، وعدم تجشم عناء أداء الخدمة للرب - تبارك وتعالى -.

 

ثانياً: متى ما أمكن إقامة أي عمل دعوي في المسجد بدون أضرار لزم التشبث بموقع المسجد باعتباره المكان الطبيعي للعمل الدعوي، ولا نخرج عن هذا الأصل إلا بعد أن نستنفد كل السبل في الحفاظ على مواقعنا في المساجد.

 

ثالثاً: متى ما حيل بيننا وبين العمل لدين الله من خلال المسجد، فإننا يجب ألا نتوقف عن العمل والدعوة بكل السبل المتاحة، فنستعيض عن المسجد بكل الساحات الممكنة التي يسمح بها قانون الدولة التي نكون فيها، فلو أمكن استئجار قاعات المحاضرات، أو إقامة سرادقات أو نحو ذلك لزم أن نسعى في توفير ما يمكن توفيره لاستمرار أنشطة الدعوة، ويجب أن تدرك قوات الأمن أن قضية المسجد بالنسبة لنا ليست قضية حياة أو موت، بل إن الدعوة ستمضي بمسجد أو بغير مسجد، وبنا أو بغيرنا، ويجب أن يفهم القائمون على الأمن بأننا نسير وفقاً للقانون ولا نخالفه، وبالتالي يجب إحراج تلك الجهات بأن نشعرها أن كل شيء يمنعوننا منه فإن المخالف للقانون في الحقيقة هم لا نحن.

 

رابعاً: أهم نقطة جوهرية في البدائل المقترحة أن يكون هناك إجماع من شباب الصحوة على ضرورة الالتفاف حول قادة الدعوة ومشايخها في كل أرجاء القطر، ويجب أن يتواصى الأخوة فيما بينهم على ضرورة أن تكون الكلمة الأولى والأخيرة لمشايخ الدعوة، وأن يصدر الأخوة في كل أمورهم عن رأي أهل العلم والخبرة، وألا يستأثروا بأي تصرف أو حركة أو قرار دون الرجوع إليهم، ويجب أن تعلم قوات الأمن هذه الحقيقة بأن يرددها كل شباب الصحوة على مسامعهم إذا قدر وتعرضوا لتحقيق أمني، بأن يصرحوا بأنهم لا يسمعون ولا يطيعون إلا فلاناً وفلاناً وفلاناً، فإن في هذا تقوية لمركز مشايخ الدعوة، وإجباراً لقوى الظلم أن تعيد حساباتها تجاه مشايخنا ودعاتنا، والملاحظ أن أية حركة تصفية لدعوة من الدعوات تتلوها حالة انكماش لشباب الدعوة، مرده إلى أن مشايخ الدعوة لم يتوقعوا ولم يربوا الشباب على مواجهة مثل هذه المواقف، وهكذا تتوالى الاعتقالات، وتتوالى التأميمات، ولا يتحرك ساكن، فما فائدة التربية، وما فائدة تلك الآلاف المؤلفة من شباب الصحوة إذا لم يكن لهم دور في الحفاظ على مكاسب الصحوة، والحفاظ على المواقع التي احتلوها في المجتمع.

 

خامساً: يجب أن يكون البديل عن المسجد سهلاً وسريعاً، كما أن بداهة وذكاء وسرعة تصرف شباب الصحوة في هذا الموقف يجب أن يكون متناسباً مع دقة الموقف، إننا بصدد استبدال مواقع أخرى مكان المسجد الذي تم تأميمه، فكل الدروس ستستمر، وكل المحاضرات ستمضي، بل والخطب ممن الممكن أن يتداولها الناس بنفس الكثافة والانتشار، البدائل معروفة وواضحة.

الدروس تكون في أماكن أخرى، في الحدائق، في الساحات، في أي مكان مسموح فيه بالتجمهر واللقاء، في البيوت، في القصور، في قاعات المحاضرات المستأجرة، تسجل المحاضرات والخطب وتوزع، أو تطبع في هيئة كتيبات صغيرة وتوزع أو تباع، يجب أن يكون هناك بذل وتمويل ذاتي، يباع الكتيب ببضعة قروش في سبيل تمويل طبع خطبة أو درس آخر.

توجيهات قادة الصحوة يجب أن تكون متداولة، التوجيهات العامة ممكن أن توزع على هيئة شرائط صوتية، إرشادات، نصائح واضحة صريحة يلقيها شيوخنا في الشرائط ثم توزع وتباع، أما التوجيهات الخاصة فتكون شفاهة عبر قنوات خاصة، وعلى هيئة متقنة من السرية.

 

سادساً: لا بد أن يكون العمل سلساً، نحن لا نرتكب جرماً، ويجب أن يقتنع كل الأخوة - شباب الصحوة كلهم - يجب أن يقتنعوا أنهم غير مخالفين للقانون، إنهم يمارسون حقهم الدستوري والقانوني دون أن يكون لفعلهم أي أثر على أمن البلاد، بل هم في الحقيقة رعاة الأمن، والمحافظين على الجبهة الداخلية، فلو تعرض أحد منا لملاحقة أمنية فلا يجزع، ليقف شامخاً، ويجب أن يتوافر الأخوة على معونته، معونة أهله لو اعتقل (وهذا بعيد)، وتوفير المحامين لو وجدت قضية (وهذا أيضاً بعيد جداً) وعن خبرة وتجربة فإن الدعوة ما دامت سلمية فإنه ليس من مصلحة الأمن أن يصعد الأمر إلى المحاكم لأنه سيظهر بمظهر غير مرغوب فيه أمام المجتمع، وهذه نقطة يجب أن نركز عليها، أن نفهم المجتمع أننا لا نخالف القانون (سحقاً لهذا القانون)، وأن الذين يريدون أن يمنعونا من العمل في الحقيقة هم يحاربون الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، يجب أن يكون للمجتمع دور في الضغط على تصرفات الأمن، حتى متى ونحن نحيد مجتمعنا عن قضايانا، نحن المجتمع والمجتمع نحن، وإن لم تتحمل الأمة معنا هم الإسلام فمن الذي سيحمل الهم؟؟

أقول: يجب أن تكون لدينا سلاسة في التعامل مع الأحداث، بمجرد إغلاق مسجد تكون المحاضرة المقبلة قد تقرر عقدها في مسجد آخر مسموح به، وإن منع المحاضر أوجدنا له بيتاً كبيراً يحاضر فيه، وتسجل المحاضرة ثم توزع وتباع، بل تنشر عبر الإنترنت، وستكون محاضرات من هذا اللون أكثر انتشاراً، فالممنوع مرغوب، ويكتب على الشرائط، وعلى عناوين الإنترنت: المحاضرة الممنوعة الأولى... وهلم جراً.

 

سابعاً: تكثيف المجموعات التربوية بإشراف المشايخ والدعاة، ولا يجوز أن نخاف من تكوين هذه المجموعات حتى لو توعدتنا قوى الأمن الغاشمة، فالقانون لا يمنعها، ولن يستطيعوا اعتقال أحد من شباب الصحوة لمجرد أنهم يلتقون في البيوت ليتذاكروا الدين، وما دامت اجتماعاتنا بالفعل لا تطرح الحل العسكري في منهج التغيير فإننا يجب أن نكون في قمة الشجاعة في تنفيذ خطواتنا التربوية وغزو مواقع المجتمع، إننا لا نفعل أكثر مما يفعله التلفزيون، نحن نعلم الناس الدين، نعلمهم الصلاة والعقيدة الصحيحة، والتعاطف مع قضايا المسلمين في أرجاء الأرض، نعلم الناس كيف يحصنون أنفسهم وأولادهم ضد الزنا المنتشر، والمخدرات الشائعة، والسرقة، والرشوة التي أفسدت الدولة، نحن نصلح ولا نفسد، بخلاف رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون.

حتى هذه الكلام الذي أطرحه عليكم أيها الأخوة والأخوات يجب ألا نخاف من تداوله، انشروه في كل مكان، أطبعوه ووزعوه في كل مكان، لكل شاب، يجب أن نعرف من الآن فصاعداً أدوارنا، لن ننتظر حتى تأتي الخلافة لتتوزع الأدوار، فنحن الذين نمهد للخلافة، ونحن الذين على أكتافنا ستقوم الدولة الإسلامية، وبدون صبر وتضحيات فبطن الأرض خير من ظاهرها.

 

ثامناً: يجب أن يكون لمشايخنا ودعاتنا معاونون من طلبة العلم، يساعدونهم في إعداد البرامج العلمية، والبرامج التربوية، ومتابعة الأنشطة بعد توقيف المساجد، يجب أن يكون التواصل بين المشايخ وهؤلاء المساعدين مستمراً بأية طريقة، لأن هؤلاء المساعدين هم همزة الوصل بين الدعاة وبين شباب الصحوة، ويجب أن نزيد من فعالة وسائل الاتصالات مثل: الإنترنت، والنقال، وغير ذلك، بل ولا نغفل الوسائل التقليدية مثل: الخطابات البريدية، والهاتف العادي ونحوه، لا تخافوا، لا تقولون مراقبون، خافوا رقابة الله أكثر يا شباب الصحوة، لو مكثنا نرمق ظلنا ما تحركنا.

 

تاسعاً: اجتهدوا في العبادة والدعاء، ليرى الناس نور الإيمان في وجوهكم، لترتوي الأرض من بركات أقدامكم التي تطأ ثراها، ليترطب هواء الأرض بنسيم زفراتكم التي تعطرت بلسان وفم ذاكر لاهج بثناء الله ودعائه، كونوا شامة بين الناس بتقواكم.

 

عاشراً: لا تهملوا أي إنسان في هذا العمل، استغلوا كل شخصية حتى لو ظننتم أنها لن تفيد ابحثوا لها عن فائدة، يجب أن يكون للأخوات دور كبير في هذا الجهاد الصامت السلمي، وكذلك الأطفال، وكذلك المعوقين، وكذلك كل نفس منفوسة آمنت بعظمة هذا الدين وبأهليته أن يقود البشرية إلى الأمان، وينهض بها من وهدتها، ويخرجها من ورطتها.

تلك عشرة كاملة، وأسأل الله - تعالى - أن ينفع بهذه الأفكار، وأن يكتب لها من ينشرها، ويحفز المشايخ والدعاة على التفاعل معها، فإنه لا حل في الأفق القريب بدون عمل، ولا عمل بدون عزيمة، ولا عزيمة بدون خطة، ولا خطة بدون بداية، ولا بداية بدون بسم الله الرحمن الرحيم، بها بدأنا وبها نختم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.  

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.   

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply