يا هول مأساة لها عيني بكت *** جزعاً يذيب جوانحي وفؤادي
(قبح المعيدي) مائلاً أبصرته *** والفاجعات شواخصاً وبوادي
فالمهلكات وجوهها قد عددت *** مثنى، ثلاث، والهليك أحادي
جوع وداء في جسيم ناحل *** وجحيم قفر محرق وأعادي
يا للمهالك والبراءة قد بدت *** كشواء صيد في يد الصياد
ما للنجاة تقطعت أسبابها؟ *** الموت يبدو آكد الآكاد
لكأنّي أسمع صرخة مخنوقة *** لطفولة هي تستغيث، تنادي:
لا ذنب لي يا من أردتم مهلكي *** لم تحرقون مراتعي وبلادي؟
لا شيء لي فيها سوى جوع برى *** عودي، وأردى في الحياة مرادي
لا شيء غير الموت يحدوني وما *** غير التراب يمدني بوساد
انظر إلى كوخي بقفر موحش *** ما باله متناثر الأعواد؟
تخبرك حاله عن مآسي أهله *** إذ بات نهب مطامع وأعادي
مدت له الأطماع كفاً آثماً *** وتخطفته مخالب وأيادي
فجنت جناه وورثت فيه الأسى *** والجوع يعصر فلذة الأكباد
دارت بـ (دارفور) الدهيماء التي *** دهمت ربا (صومالنا) و (تشاد)
طحنت رحاها مطعمي بل أعظمي *** تكفيك رؤية منظري بمفادي
طفلٌ، حُرِمتُ طفولتي في مهدها *** ولبست ثوب كهولتي بولادي
ورضعت خوفاً قاتلاً لكنني *** لم أَدّر وجه مناصر ومعادي
كم من عيون نحو كوخي حدّقت *** ولكم أكفٌّ قد عبثن بزادي
حلّت بكوخي، أحللت فيه الأسى *** كالداء يطحن أعظمي وعمادي
ما كان غروا فعلهم، لكنني *** مستغرب، من بالسلام ينادي
كم من شعار زائف قد هزني *** باسم الطفولة كم سمعت منادي
ما بالها تلك الشعارات اختفت؟ *** أم أن عيناً كحلت برماد؟
هل أنكرت فينا الطفولة برأها؟ *** أم أنها قد أنكرت لسوادي؟
إن كان لوني داعياً في مهلكي *** فلماذا يُهلك (درة) أو (شادي)؟
وبأي حق دمرت أوطاننا؟ *** لا شيء، لكن رغبة بقيادي
ما بال (يافا) و (الرصافة) دثّرت *** فيها الأمومة في ثياب حداد؟
(حق الحياة) فالكلاب حظت به *** وحياتنا محفوفة بكساد
بـ (الأمن) أو (دعوى السلام) كليهما *** (الشرق) أضحى منتدى الإفساد
فيه يُرى الإرهاب (طفلاً) حاملاً *** (حجراً) بوجه مدافع وعتاد
حكم الفراعن أن تباد طفولتي *** فلقد رأوها مشعلاً لجهاد
ما كان جرمي غير جدّي (مؤذّن) *** للمصطفى طه البشير الهادي
و(أمية) ما زال قلبه موغراً *** بعداوتي مملوء بالأحقاد
وصى بها (صفر الوجوه) أبناءه *** فتواترت منهم إلى الأحفاد
إني بقومي، يا لعُظم مصيبتي *** ما بالهم في غفلة ورقاد؟
يا للعروبة للعروبة إذ غدت *** أضحيّة بصبيحة الأعياد
والموت يُمضي في بنيها حكمه *** مُتصنّع الأسباب والأبعاد
إني أراه جاثماً في داخلي *** داء يفتّ مفاصل الأوتاد
وأراه خلفي من عيون رواصد *** لبقايا شلو مُهلَكٍ, ومباد
فكأنه في وجه (باول) إذ أتى *** (دارفور) يخفي مطمعاً بوداد
طبع العُقاب إذا الفريسة أحجمت *** عنها الهوام يكون بالمرصاد
أعداؤنا لعدائنا قد (غرقدوا) *** وتسوّروا بمسلّح ومشاد
هم يرسمون خريطة لطريقهم *** وطريقنا مفعومة بقتاد
يبدون وجهاً بالسلام موشحاً *** يغرون فيه أعين القواد
هم قلة جاسوا خلال ديارنا *** وجموعنا بغثائها المزياد
إني وإن أمست يباباً بلدتي *** وتحولت أفياؤها لرماد
سأظل أجثو ساجداً في طهرها *** رغم العناء وكثرة الرصاد
ليصير موتي فوق أرضي عزة *** لطفولتي، وليعظم استشهادي
إني إذا ما مت تنبت أعظمي *** جيلاً بقدر صلابتي وعنادي
جيل له نور المصاحف مرشد *** إني عقدت من هداه قلادي
مهما يكن عجزي فحبي موطني *** فخر، وموتي في حماه مرادي
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد