حقيقة السلفية


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي أكمل لنا الدين، وأتم علينا النعمة، ورضي لنا الإسلام ديناً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الذي ما ترك خيراً إلا دل أمته عليه، ولا شراً إلا حذرها منه، حتى جعلها على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك. أما بعد:

فإن مصطلح (السلفية) بات محل مزايدات في سوق الآلة الإعلامية، تتجاذبه فهوم شتى، ودلالات غير صحيحة أحياناً، وغير دقيقة حيناً. فمن ناظرٍ, إلى السلفية بوصفها تمثل الجمود والتحجر، إلى معتقدٍ, أنها حاضنٌ للأفكار الغالية، وثالثٍ, يظنها مذهباً من المذاهب الإسلامية الصغيرة، كالإباضية، والزيدية، وأمثالهما! وفيما يلي توضيح موجز لحقيقة السلفية، أو السلفية الحقيقية.

 

تعريف السلفية:

لغةً: قال الجوهري: سلف يسلُف سلفاً، أي مضى. والقوم السلاف المتقدمون. والجمع أسلاف، وسلاف...والسالف والسليف المتقدم. والتسليف التقديم) الصحاح: 1/603

وقال الرازي: (والسلفية نسبة إلى السلف) مختار الصحاح: 309

وقال ابن جرير في تفسير قوله - تعالى -: (فجعلناهم سلفاً ومثلاً للآخرين): (مقدمة يتقدمون إلى النار كفار قومك يا محمد من قريش، وكفار قومك لهم بالأثر) جامع البيان: 25/85

اصطلاحاً: السلف: هم أهل القرون الثلاثة الفاضلةº من الصحابة، والتابعين، وتابعيهم بإحسان. قَالَ النَّبِيٌّ - صلى الله عليه وسلم - خَيرُكُم قَرنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُم ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُم قَالَ عِمرَانُ لَا أَدرِي أَذَكَرَ النَّبِيٌّ - صلى الله عليه وسلم - بَعدُ قَرنَينِ أَو ثَلَاثَةً) رواه البخاري: 9/132

والسلفية: الطريقة التي كان عليها السلف الصالح في مختلف أبواب الدينº من اعتقاد، وقول، وعمل، وسلوك.

تسميات مرادفة:

1) أهل السنة والجماعة: قال ابن رجب: (السنة: هي الطريق المسلوك. فيشمل ذلك التمسك بما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وخلفاؤه الراشدون، من الاعتقادات، والأعمال والأقوال. وهذه هي السنة الكاملة. ولهذا كان السلف قديماً لا يطلقون السنة إلا على ما يشمل ذلك كله) جامع العلوم والحكم

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (هم المتمسكون بكتاب الله، وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما اتفق عليه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان)الفتاوى: 3/375

وهو بذلك ينبه على ملحظ مهم، وهو أن تفهم نصوص الكتاب والسنة على وفق فهم السلف الصالح، لا على فهوم أهل البدع المحدثة، والأهواء الضالة، وإن أحالوا إلى الكتاب والسنة، وانتحلوا طريقة السلف.

2) أهل الحديث/ أهل الأثر: نسبةً إلى عنايتهم بالعلم، وحفظهم لميراث النبوة، روايةً، ودراية.

3) الفرقة الناجية: نسبةً لقَولَ النبي - صلى الله عليه وسلم - إِنَّ بَنِي إِسرَائِيلَ افتَرَقَت عَلَى إِحدَى وَسَبعِينَ فِرقَةً وَإِنَّ أُمَّتِي سَتَفتَرِقُ عَلَى ثِنتَينِ وَسَبعِينَ فِرقَةً كُلٌّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً وَهِيَ الجَمَاعَةُ) رواه ابن ماجه: 11/494

4) الطائفة المنصورة: لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِن أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الحَقِّ لَا يَضُرٌّهُم مَن خَذَلَهُم حَتَّى يَأتِيَ أَمرُ اللَّهِ وَهُم كَذَلِكَ) متفق عليه. البخاري: 1/373، مسلم: 10/36

قال البخاري: وهم أهل العلم. وقال ابن المديني: هم أهل الحديث. وقال أحمد: (إن لم تكن هذه الطائفة المنصورة أصحاب الحديث، فلا أدري من هم!). وقال الشيخ عبد القادر الجيلاني: (أما الفرقة الناجية، فهي أهل السنة والجماعة. وأهل السنة لا اسم لهم إلا اسم واحد، وهو أصحاب الحديث).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وطريقتهم هي دين الإسلام الذي بعث الله به محمدا - صلى الله عليه وسلم -. لكن لمَّا أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة، وفي حديث أنه قال: هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي، صار المتمسكون بالإسلام المحض الخالص عن الشوب هم أهل السنة والجماعة) العقيدة الواسطية.

 

معالم السلفية:

1) التوحيد الخالص لله - عز وجل -، في ربوبيته، وألوهيته، وأسمائه، وصفاته، النقي من شوائب الشرك الأكبر والأصغر والخفي.

2) الاتباع التام للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وتصديقه فيم أخبر، وطاعته فيما أمر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وألا يعبد الله إلا بما شرع، ونبذ البدعة بجميع صورها الأصلية، والإضافية.

3) العلم النافع المستمد من مشكاة النبوة، والاشتغال به روايةً، ودرايةً، وتنزيلاً على الحوادث والمستجدات.

4) العمل الصالح، بجميع صورهº القاصرة، والمتعدية، والإحسان إلى الخلق، بجميع صور النفع.

5) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وصيانة المجتمع، وتعليم الجاهل، وتنبيه الغافل، والدعوة إلى الله.

6) حسن الخلق، واللطف في معاشرة الخلق.

7) لزوم الجماعة، وطاعة ولاة الأمر بالمعروف، والنصح لهم، وتحريم الخروج عليهم، والحرص على الإلفة والاجتماع، والبعد عن الفرقة والنزاع.

وعليه، فإن السلفية هي الامتداد الطبيعي لمنهج النبوة، والعمود الفقري لجسم الأمة، والنسخة الصحيحة المنقحة، النقية من البدع والمحدثات للإسلام. وهي المعيار المنضبط، والميزان الدقيق، الذي تعرض عليه جميع المستجدات، وتوزن به جميع الأمور. والسلفيون هم (السواد الأعظم) و (جماعة المسلمين) الذين تأوي إليهم عامة المسلمين، ويصدرون عن رأيهم وفتياهم المستنير بالكتاب والسنة.

وليست السلفية:

1) فرقة مفترقةً، بل هي الأصل، وما سواها فرقاء.

2) صورةً مجتزأة، مبتسرة، خداج، تستفرد بجانب من جوانب السلفية الشاملة.

3) مرحلةً زمنيةً محدودة، وحقبة تاريخيةً منقرضةً، بل هي طائفةٌ منصورة باقية إلى قيام الساعة.

4) بقعةً جغرافية محصورة، بل ميدانها الأرض كل الأرض.

5) فئةً عرقية، أو سمة وراثية لطائفة من الناس، بل إرث مشاع بين عموم المسلمين، ليس بعضهم بأولى بها من بعض، إلا بالصدق والتقوى.

 فالمسلمون جميعاً، مدعوون إلى الرجوع إلى الأصلينº الكتاب والسنة، والرد إليهما عند التنازع، وصياغة الحياة على هداهما، بالمنظور الشامل الواسع. والمدركون لهذه الحقيقة الناصعة مدعوون أيضاً إلى استيعاب جموع المسلمين، وإرشادهم، وعدم إقصائهم بدعوى انتماءاتِ وراثية، أو جغرافية. فأهل السنة أولى بكل مسلم، ولا يحل لهم أن يسلموه لأهل البدع، ويخرجوه من دائرتهم.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply