بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فمن المخالفات العقدية ترويج الكفر والبدع والفسق والسماح بذلك من خلال عرض كتب الكفرة والمبتدعة ومقالاتهم وأطروحاتهم، ففي الوقت الذي يرتضع صغارنا لبان العقيدة من مناهجهم الدراسية ولله الحمد، يروَّج لتلك الكتب والأفكار عن طريق معارض الكتب ودور النشر.
وتختلف بواعث القائمين على تلك المعارض في ذلك، فمن شخص يبطن السوء والمكر بالأمة، إلى شخص ساذج لا يعرف عواقب الأمور ومآلات القرارات الرعناء، مروراً بمن همته جمع المال بصرف النظر عن مصير أمته.
إن السماح للدخيل الضال من الأفكار والرجال لمن أعظم الفتن التي تموج بالأمة موج البحر، لا لأن العقيدة الإسلامية غير قادرة على مقارعة الحجة بالحجة والفكرة بالفكرة ولكن لأن الصوارف عن قبول الحق والإيمان به غالبة أحياناً، في وقت باتت السبل غير متاحة للمصلحين مثل أي وقت مضى، ناهيك عن قلة المصلحين المخلصين إلى جانب الزخم الإغوائي من مقروء ومسموع ومرئي.
وقد تواترت الدلائل القاطعة على وجوب كف شر الكتب المفسدة للدين، والمقالات المشككة في عقيدة المسلمين، بما لايدع مجالاً أمام النوايا الحسنة إلا القبول والعمل على رقع ما انخرق، ولف ما انتشر، وطي الخطر والضرر، فإليك أيها القارئ المبارك طرفاً من ذلك: -
1) عن جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى مع عمر صحيفة فيها شيء من التوراة وقال: {أفي شك أنت يابن الخطاب؟ ألم آت بها بيضاء نقية؟ لو كان أخي موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي} [أخرجه أحمد والدارمي وابن أبي عاصم في \"السنة\"] وحسنه الألباني في الإرواء [رقم الحديث 1589]
2) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كان ناس من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يكتبون من التوراة فذكروا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: {إن أحمق الحمق وأضل الضلالة قوم رغبوا عما جاء به نبيهم إليهم إلى نبي غير نبيهم وإلى أمة غير أمتهم} ثم أنزل الله {أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون} [العنكبوت/51] رواه الإسماعيلي في معجمه وابن مردويه
3) روى الدارمي في مقدمة سننه عن مرة الهمداني أن أبا قرة الكندي أتى ابن مسعود - رضي الله عنه - بكتاب فقال إني قرأت هذا بالشام فأعجبني فإذا هو كتاب من كتب أهل الكتاب فقال عبد الله: {إنما هلك من كان قبلكم باتباعهم الكتب وتركهم كتاب الله} فدعا بطست وماء فوضعه فيه وأماثه بيده حتى رأيت سواد المداد.
وما زال أهل العلم والإيمان من أهل السنة والجماعة يحذرون من قراءة كتب المبتدعة وتعريبها، وتشنيعهم على من فتح هذا الباب على الأمة معلوم
وقد عشنا ولله الحمد سنوات مديدة ونحن لا نرى هذا الخطر ولا نظن أن يجرؤ المجترؤون على تقيؤه، ولم نر الأمة تخلفت ولا الوعي انخرم بل على العكس من ذلك، فقد تخرج جيل، يعتز بعقيدته ويفخر بمنهاجه ودينه، ويفقه واقعه.
إن أملنا بالله عظيم أن يرفع عن الأمة هذا البلاء وأن يسخر من المسؤولين من يقوم بواجبه فيقطع دابره، فمن الواجب الأخذ على أيدي السفهاء.
عن خالد بن عرفطة قال: \" كنت جالسا عند عمر - رضي الله عنه - عنه إذ أتي برجل من عبد القيس سكنه بالسوس فقال له عمر: أنت فلان بن فلان العبدي؟ قال: نعم قال: وأنت النازل بالسوس؟ قال: نعم. فضربه بعصاة معه فقال: ما لي يا أمير المؤمنين؟ فقال له عمر: اجلس. فجلس فقرأ عليه (بسم الله الرحمن الرحيم آلر * تلك آيات الكتاب المبين * إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون * نحن نقص عليك أحسن القصص...) الآية فقرأها عليه ثلاثا وضربه ثلاثا فقال الرجل: ما لي يا أمير المؤمنين؟ فقال: أنت الذي نسخت كتاب دانيال؟ ! فقال: مرني بأمرك اتبعه قال: انطلق فامحه بالحميم والصوف الأبيض ثم لا تقرأه ولا تقرئه أحدا من الناس فلئن بلغني عنك انك قرأته أو أقرأته أحدا من الناس لأنهكنك عقوبة ثم قال له: اجلس فجلس بين يديه فقال: انطلقت أنا فانتسخت كتابا من أهل الكتاب ثم جئت به في أديم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {ما هذا في يدك يا عمر؟} قال: قلت: يا رسول الله كتاب نسخته لنزداد به علما الى علمنا فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى احمرت وجنتاه ثم نودي بالصلاة جامعة فقالت الأنصار: اغضب نبيكم هلم السلاح السلاح فجاؤا حتى أحدقوا بمنبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال - صلى الله عليه وسلم -: {يا أيها الناس إني أوتيت جوامع الكلم وخواتيمه واختصر لي اختصارا ولقد أتيتكم بها بيضاء نقية ولا تتهوكوا ولا يغرنكم المتهوكون}.قال عمر: فقمت فقلت: رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبك رسولا ثم نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه الضياء في \" الأحاديث المختارة \" (1 / 24 - 25).
إن الله - عز وجل - قد يبتلي بعض عباده بتزيين العمل كما قال - تعالى -: {أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً} فلا يشعر بخطئه وشناعة ما يفعله، بل يراه مزيناً ومبرراً ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ولكن يبقى السؤال معلقاً: متى يؤخذ على أيدي هؤلاء؟
اللهم احفظ أمتنا من كيد الكائدين ومكر الماكرين وأعذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن
ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد