بسم الله الرحمن الرحيم
الشباب حائر في أشياء كثيرة جدًا، وهذه حقيقة. والحقيقة الثانية هي أن قدرًا من هذه الحقيقة يُعدّ شيئًا طبيعيًا، فنحن البشر مهما بلغنا من العلم تظل معارفنا ومدركاتنا محدودة، كما أن مقدرتنا على الجمع بين الحقائق المتقاطعة ووزن المعطيات المتباينة أيضًا محدودة، وينتج من كل هذا نوع من الخوف من القرارات التي تتعلق بالمستقبل، ومع الخوف يكون التردّد وتكون الحيرة.
ما أسباب حيرة الشباب في تقويم الماضي وتقويم الأوضاع الحاضرة؟ وكيف يمكن التخفيف من حدة هذه الحيرة؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه.
1- كل تصوراتنا، وكل الأحكام التي نصدرها في أي مسألة من المسائل، وحول أي قضية من القضايا، تعتمد على التعريفات والمصطلحات التي نستخدمها أثناء عمليات التفكير. وعلى سبيل المثال، فإننا حين نقول: إننا في حال هزيمة وضعف، أو في شرٍ, غالب يشوبه بعض الخير، فإنّ علينا أن نتساءل: ما الذي نقصده بالهزيمة والضعف بالنسبة إلى أمة الإسلام؟ هل نقصد أننا لا نسيطر على العالم فلذلك نحن ضعفاء؟ أو نقصد أنّ لنا أرضًا مغتصبة في فلسطين لا نستطيع تحريرها، فلهذا نشعر بالضعف؟ أو نقصد أن صوتنا في المحافل الدولية خافت؟ أم نقصد أن سلوك معظم المسلمين لا يتطابق مع تعاليم الإسلام، ومن هنا تأتي غلبة الشر؟ أم ماذا نريد؟
واضح أن هذه التساؤلات نابعة من تصورنا لأضدادها، أي أن الذي يطرح هذه التساؤلات يتصور أن غلبة الخير علينا، وأن حكمنا لأنفسنا بالنصر والغلبة، إنما يكونان إذا تطابقت سلوكات معظم المسلمين مع تعاليم الإسلام على نحو كامل، وإذا تحكّمنا في القرارات العالمية، وبسطنا نفوذنا على أراضينا وثرواتنا، والحقيقة أن كل تصوّر من هذه التصورات يرتبط بعدد كبير من التعريفات والمصطلحات التي تحتاج إلى تحرير وإلى مراجعة وتدقيق. نحو مثلاً حين نقول: إننا في عصر من أزهى عصور الإسلام نقارنه مع عصور سلفت، ساد فيها الجهل والتقليد، وانتشر فيها الفقر، كما انتشرت الخرافة والعقائد الفاسدة، ومع كل هذا ينتشر الانحراف السلوكي والخروج على تعاليم الإسلام بالجملة والمفرق. أما اليوم فالأمر قد تحسّن في كثير من هذه الأشياء. أما مسألة الغلبة والسيطرة، فالعالم اليوم ليس عبارة عن قلعة كبرى، والمنتصر هو الذي يستولي على مفاتيحها، الأمر ليس كذلك، اليابان وألمانيا مقيدتان في مسائل إنتاج السلاح بسبب هزيمتهما العسكرية في الحرب العالمية الثانية، وهما لا تشعران بالذلة والتبعيةº لأنهما تسيطران في مجالات أخرى، مثل: الاقتصاد والتقنية..الدول الغربية كافة مرتبكة ارتباكاً عظيماً في الشأن الاجتماعي، حيث المعاناة الشديدة من التفكك الأسري، ومن انتشار الجريمة الفردية والمنظمة، وهي تعاني أكثر وأكثر من فقدان الأهداف الكبرى والغايات النهائية للحياة.والهند مثلاً- يبلغ عدد سكانها قريباً من خمس سكان العالم، وليس لها نفوذ دولي، لكن لها نفوذ اقتصادي متصاعد.العالم الإسلامي من جهته يتمتع بمواقع إستراتيجية كثيرة، ويتحكم بالطاقة، ولديه مشكلات اجتماعية أقل مما لدى غيره، والأهم من كل ذلك أنه يملك مرجعية للتقنين والتشريع وتوجيه القيم، كما يملك معايير واضحة للخير والشر والحق والباطل، كما يملك رؤية واضحة لما ينبغي أن تكون عليه علاقة الإنسان بالله - سبحانه - وعلاقة الإنسان بأخيه الإنسان، وإذا كان لدينا جرح نازف في فلسطين العزيزة، فهناك عشرات الملايين من الأميال المربعة التي تحت سيطرة المسلمين... إذاً علينا أن ندرك أن مسألة التعريف هي مسألة في غاية الأهمية، وعلى الشباب قبل أن يندفعوا في إطلاق الأحكام الحضارية الكبرى أن يتأملوا وأن يسمعوا من أهل العلم والخبرة والفهم الصحيح. كل أمم الأرض لديها ميزان، ولديها مشكلات، وينبغي أن يكون اتجاه تفكيرنا ليس نحو اليأس والإحباط، ولكن نحو التعلم من الآخرين من أجل تكثير الخير الذي لدينا.
2- انقسام الموجهين، وغلوّ بعضهم في الانحياز إلى رؤية اجتهادية محدودة من أهم الأسباب التي توقع الشباب في الحيرة والاضطراب، ومن المؤسف هنا أن أقول: إن كثيرين ممن يتولون توجيه الشباب وتوعيتهم، ينظرون إلى رؤاهم وتوجهاتهم الخاصة على أنها قطعية وصائبة على نحو حاسم، أي لا ينظرون إليها على أنها نابعة من اجتهاد وخبرة خاصة، فإذا كان الموجّه سوداويّ المزاج متشائماً أو مأزوماً، فإنه يسلك كل سبيل حتى يلقي في روع الشباب بأن الأمة في أسوأ حال، وليس من حيلة سوى انتظار المهدي! وإذا كان ينتمي إلى جماعة معينة فإنه يزهّق الشباب في العمل الفردي، ويجعل العمل الجماعي هو سفينة نوح لأمة مشرفة على الغرق! وإذا كان الموجّه متشبعاً بمنهج إصلاحي معين، كالإصلاح عن طريق التربية الروحية أو نشر العلم الشرعي، أو العمل في الميدان السياسي.. فإنه يغمط باقي المناهج حقها، ويحمل الشباب على الإيمان بوجود منهج واحد للإصلاح هو منهجه! وكثير من الشباب -مع الأسف- لا يملك المعيار الذي يفرق من خلاله بين ما هو حقيقة متفق عليها وبين ما هو رؤية شخصية، وخاصة أن كثيراً منهم لا يملك قوة الفكر وقوة الروح التي يتمكن بها من النظر الثقافي والتربوي والمنهجي الذي نشأ فيه، مع أنه يرى في صندوقه الكثير من الأشياء التي لا تعجبه، لكنه يخاف من الخروج من الصندوق أو البحث عن بديل أو المطالبة بالإصلاحº لأن الذين أشرفوا على تربيته جعلوا منه مقلداً وتابعاً من الطراز الرفيع.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد