بسم الله الرحمن الرحيم
المعلم ( 22 ) : الحذر من التوسّع في شأن الرؤيا:
شباب الإسلام: ومن المعالم في الفتن الحذر من الإيغال في شأن الرؤى المنامية وجعلها حديث مجالس فتبنى عليها آمال ويخشى بل قد يقطع بها على حدوث آلام.
شباب الإسلام:إن مما يلحظ في زمن الفتن والنوازل الإكثار من الحديث عن الرؤى المنامية، وانتشار خبرها ومسارعة الألسنة في بثها، وسرعة تلقف الآذان لها حتى أصبح الحديث عنها أكثر من الحديث عن النصوص الشرعية، قرآنية كانت أو نبوية، بل قد يسارع بعض الغيورين إلى الجزم بوقوع ما عبرت به الرؤيا جزماً قطعياً دون تردد أو شك، وهذا المنهج ذو عوج وبيان ذلك من أمور:
أولها: أن الرؤيا داخلة في دائرة الظن إلا بقرائن.
ثانيها: إذا تنزل بصدق الرؤيا فكيف يسلّم ويجزم بصحة تأويلها، وأن هذا التأويل لا محيد عنه ولا مناص عنه.
شباب الإسلام: كم سمعنا عن رؤى عبرت، وجزم بتعبيرها وأحياناً بتاريخ معين، وتعلقت قلوب الكثيرين بذلك، وبعد التبين ظهر أن ذلك التعبير والتأويل ضرب من التخرص والتسرع.
شباب الإسلام: وليس العجب في ذلك المتأول المتخرص المتسرع بالجزم، إنما العجب في سرعة خبر النقلة عنه وإشاعة تأويله وكأنه آية، بل آية محكمة لا تقبل النسخ، لكن هذا العجب يزول إذا علمنا أن أسباب ذلك المتسرع في التأويل أو ذلك المتسرِّع في نقل الخبر يعود إلى محاكاة العواطف الجياشة مع ضعف البضاعة العلمية.
شباب الإسلام: إن من المعلوم بنصوص الشريعة أن ما يراه النائم فيه ما يكون رؤيا صادقة، وفيه ما يكون حديث نفس أو أضغاث أحلام، ثم ما يراه من الرؤى الصادقة قد تكون دليلاً على خير فيتفاءل، وقد تكون دليلاً على نذير شر فيحاذر، لكن المحذور هنا أن يجزم بوقوع تلك الرؤيا وتحديد زمانها، فذلك من الخلل بمكان، ويزيد ذلك الخلل إذا بُني على تلك الرؤيا أحكام شرعية.
شباب الإسلام: لقد أوضح أهل العلم وبينوا ما يتعلق بالرؤى لعموم البلوى بها، وكان مما خصوه بالتنبيه والتحذير، بناء الأحكام عليها، فمن ذلك ما قاله الشاطبي - رحمه الله تعالى -: (وعلى الجملة فلا يستدل بالرؤيا في الأحكام إلا ضعيف المنة، نعم يأتي المرئي تأنيساً وبشارة ونذارة خاصة بحيث لا يقطعون بمقتضاها حكماً ولا يبنون عليها أصلاً، وهو الاعتدال في أخذها حسبما فهم من الشرع فيها والله أعلم)(1).
المعلم (23): الحذر من رواية الأحاديث المكذوبة:
شباب الإسلام: ومن المعالم في الفتن والنوازل، الحذر مما وقع فيه بعض الناس من تداول الأحاديث المكذوبة وبخاصة في أوقات الفتن، فغرائز كثير من الناس تدفعهم إلى التشوق لتلك الأحاديث، ويزداد تشوقهم إليها وتعلقهم بها إذا تضمنت تلك الأحاديث ما يقارب النازلة ويشابهها لفظاً أو مكاناً أو زماناً مما يجعل لتلك الأحاديث رواجاً وتأثيراً في أوساط الناس.
ألا فاحذروا شباب الإسلام من الاستشهاد بأحاديث لا تعلمون صحتها وبخاصة في أوقات الفتن والنوازل، فإن نفوس كثير من الناس تتوق إلى كل ما له علاقة بنازلتهم فما أن تتلقف أسماعهم خبراً حتى يتسابقوا في نشره وإشاعته مشافهة ومهاتفة ومكاتبة، ناهيكم عن بناء الأحكام والنتائج عليه.
شباب الإسلام:لقد أكثر علماء الإسلام بعامة وعلماء الحديث بخاصة من بيان خطورة سياق الأحاديث ونسبتها إلى النبي {دون علم بثبوتها، إمامهم في ذلك قوله {: \"إن كذباً علي ليس ككذب على أحد، فمن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار\" أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه. (2) ثم ساق مسلم - رحمه الله تعالى -ما أوصى به إياسُ بن معاوية سفيانَ عندما قال له إياس: \"احفظ عليّ ما أقول لك: إياك والشناعة في الحديث فإنه قلما حملها أحد إلا ذل في نفسه وكُذِّب في حديثه\".
قال الإمام النووي - رحمه الله تعالى -: \"ومعنى كلامه أنه حذره أن يحدث بالأحاديث المنكرة التي يشَنّعُ على صاحبها ويُنكَر ويُقبَح حال صاحبها فيكذّب أو يستراب في رواياته فتسقط منزلته ويذل في نفسه\" انتهى كلامه - رحمه الله - تعالى(3).
وكلام العلماء المحدِّثين في هذا الباب كثير جداً.
المعلم (24): الحذر من العُجب:
شباب الإسلام: ومن المعالم في الفتن والنوازل الحذر من العُجب، معاشر شباب الإسلام: وللعُجب في أوقات الفتن صور كثيرة.
فمن صور العجب: الاعتداد بالرأي واتهام المخالفين.
ومن صور العُجب: عدم سماع النصح من المخالف له في بعض رأيه فضلاً عن المخالف له في رأيه كله، ناهيكم عن نوع جداله مع من خالفه.
ومن صور العُجب: عدم التراجع عن الخطأ عند بيان أخطائه وفساد تصوراته وتوقعاته، فيصعب عليه التراجع بل تأخذه العزة بالإثم فيلتمس الأعذار لنفسه ويبحث عن المآخذ على رأي مخالفه.
ومن صور العجب أيضاً: الفرح بمن يؤيد قوله وموالاته، والكدر بمن يعارض قوله ومعاداته.
شباب الإسلام: ويجمع هذه الصورة وغيرها قوله {: \"الكِبرُ بطر الحق وغمط الناس\"(4).
المعلم (25): الحذر من الغفلة عن الأعمال الصالحة في أوقات الفتن:
شباب الإسلام: ومن المعالم في الفتن والنوازل، الغفلة والإهمال للكثير من الأعمال الصالحة على حساب كثرة الكلام أو فضوله، ففي مواطن الفتن والنوازل تُشغل كثير من النفوس بتتبع الأخبار، بل وبالتولع والرغبة الجامحة في متابعة أقوالها وصورها، ومن ثمَّ تكون حديث مجالسه وتكون هُجَّيراه صباحاً ومساءً: سمعت ورأيت وأتوقع ولو كان كذا لكان أولى، ولو قدم هذا لكان أحرى، ولو أخر هذا لكان أجدر، فيبقى هكذا طيلة أيام النازلة مما يجعله يغفل عن كثير من الطاعات المستحبة بل قد يصل أحياناً إلى التفريط أو التأخير عن بعض الواجبات الشرعية كنوم عن فريضة بسبب طول السهر، وتأخر عن فريضة بسبب طول الجدل، وتأخر عن دوام وظيفي والإخلال به، ناهيكم عن تضييع بيته وأولاده، وكل ذلك بسبب كثرة سهر في قيل وقال، أو متابعة قنوات أو الإغراق في تصفح جرائد ومجلات، ولا تسأل عن بعض أولئك الذين وصل بهم الحال - زيادة على ما سبق - إلى التعلق بتلك القنوات تعلقاً تاماً، حتى ملكت عليه نفسه ووقته، حتى بلغ بهم الأمر إلى حد الإدمان والانقطاع الكامل في متابعة تلك القنوات، والتنقل بين مواقعها فأصبح أسيراً لها لا يستطيع الانفكاك الكامل عنها ولا التخلص منها، فالحذر الحذر معاشر المسلمين، الحذر الحذر شباب الإسلام من ذلك كله فإن كان لابد فليكن الأمر بقدر وحذر مع مراعاة المصالح الشرعية.
المعلم (26): الحذر من الإيغال في التفاؤل:
شباب الإسلام: ومن معالم الفتن والنوازل الحذر من الإيغال في التفاؤل والجزم بالوعود والنتائج، وتأكيد ذلك للناس تأكيداً قطعياً لاشك فيه ولا ريب فيه، ومثال ذلك في فتنة الحرب على العراق قول بعضهم: بأن هذه الحرب هي نهاية تلك الدولتين الكافرتين المتحالفتين على العراق، وأنهما لن تقوم لهما قائمة بعد الحرب، وستنتهي هيمنتهما وبطشهما.
شباب الإسلام: كل غيور يتمنى النصر للإسلام، والخسران لأعداء الإسلام، لكن التفاؤل الزائد والجزم القاطع بالنتائج فيه رجم بالغيب، وقد يكون فيه نوع من التألي على الله، وفيه أيضاً إدخال للتقاعس واليأس في نفوس أولئك الناس الذين بنوا على كلامهم آمالاً وأخذوا كلامكم بالتصديق الجازم، واعلموا شباب الإسلام أن هذا المنهج دليل على ضعف في العلم وضعف في البصيرة، ألا فليتق الله ذلك المتسرع في قوله وجزمه، وليعلم أن هذا المنهج فيه خلل عقدي، إذ كيف يؤمل الناسَ ويرجم بالغيب ويقطع بنهاية ذلك العدو الكافر بمجرد عاطفة واندفاع لم يُزَمَّ بزمام النص الشرعي، وكان الأولى به وبأمثاله أن يذكِّر الناس بالأخذ بجانب التوكل والثقة بالله وملازمة الدعاء والضراعة سواء هزم العدو أم فاز، كما عليه أن يذكّر الناس بترك المعاصي وفعل الأسباب التي تنهض بهم وبأمتهم في مواجهة عدوهم، وأن يحذر هو بنفسه ويحذرهم من استعجال النتائج فذلك ليس له ولا لأحد من الناس وإن ما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ (40) {الرعد: 40}.
المعلم (27): مراعاة حال المسلمين في أثناء الضعف والقوة:
شباب الإسلام: ومن المعالم في الفتن مراعاة حال المسلمين في حال الضعف والقوة، وهذه المسألة من القواعد المقررة شرعاً، فمراعاة شأن الزمان والمكان والحال مما تتغير بحسبه الأحكام التكليفية بحسب تحقق المصالح ودرء المفاسد، في حال الحرب تختلف عنها في الأمن، والمضطر ينطق بكلمة الكفر بلسانه دون قلبه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان، والطلاق لا يقع من المكره المضطر كما يقع من غير المضطر.
شباب الإسلام: إن معرفة القواعد الشرعية هي أساس إقامة شرع الله فتلك القواعد الكلية هي التي يُرجَعُ إليها وتبنى عليها الأحكام الشرعية الأصلية والفرعية، ولذا أكثر العلماء من الكلام عنها وتنزيل الأحكام على ضوئها.
شباب الإسلام: وعوداً على بدءº إن معرفة حال المسلمين من ضعف أو قوة أو أمن أو خوف، والنظر في القواعد الشرعية وتنزيلها بحسب ما قرره أهل العلم من الأهمية بمكان، فمن لم يعرف هذا الأمر عموماً وهذه القاعدة المرتبطة بحال المسلمين خصوصاً، وأخذ النصوص على ظاهرها دون النظر في مناط الأحكام وتحقيقها ودون النظر في مقاصد الشريعة وأهدافها فهو ممن يسوِّي بين المختلفات، ويفرِّق بين المتماثلات، وهذا من أجهل الجهل، وكم جر الجهل بتلك القاعدة من الفساد والإفساد على المسلمين أفراداً وجماعات.
قال الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى -: (وقد ركز الله في فطر الناس وعقولهم التسوية بين المتماثلين وإنكار التفريق بين المختلفين، وإنكار الجمع بينهما)(5).
وقال - رحمه الله تعالى - مبيناً مراعاة أحوال الناس وأزمنتهم وعدم إطلاق الأحكام بمجرد حفظها أو نقلها، قال - رحمه الله - تعالى-: (ومن أفتى الناس بمجرد المنقول في الكتب على اختلاف عرفهم وعوائدهم وأزمنتهم وأحوالهم وقرائن أحوالهم فقد ضل وأضل، وكانت جنايته على الدين أعظم من جناية من طبب الناس كلهم على اختلاف بلادهم وعوائدهم وأزمنتهم وطبائعهم بما في كتاب من كتب الطب على أبدانهم، بل هذا الطبيب الجاهل وهذا المفتي الجاهل أضر ما على أديان الناس وأبدانهم والله المستعان) انتهى كلامه - رحمه الله -(6).
وهو يدل على عمق في مقاصد الشريعة وأصولها وفروعها، ف- رحمه الله تعالى -وأجزل مثوبته. وما أحسن ما قاله الإمام الذهبي في هذا البابº قال - رحمه الله -: (ليس العلم بكثرة الرواية، ولكنه نور يقذفه الله في القلب).
ومن أنسب الأمثلة لمراعاة حال ضعف الأمة وقوتها: ما يتعلق بأمر الجهاد، وهل يشرع القيام به في كل وقت دون النظر في حال المسلمين؟
هذه المسألة كثر كلام أهل العلم فيها من حيث القواعد الشرعية كقاعدة (الحكم على الشيء فرع عن تصوره)، وكذلك مراعاة حال الناس والنظر في أحوالهم وقرائن أحوالهم. وأما كلامهم فيما يتعلق بذات الجهاد، فإليك بعض النقول عن بعض الأئمة المتقدمين والمتأخرين:
قال الإمام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: (وكان مأموراً بالكف عن قتالهم لعجزه وعجز المسلمين عن ذلك، ثم لما هاجر إلى المدينة وصار له بها أعوان أَذِن له في الجهاد، ثم لمّا قووا كتب عليهم القتال ولم يكتب عليهم قتال من سالمهمº لأنهم لم يكونوا يطيقون قتال جميع الكفار، فلما فتح الله مكة وانقطع قتال قريش ملوك العرب، ووفدت إليه وفود العرب بالإسلام أمره الله - تعالى -بقتال الكفار كلهم إلا من كان له عهد مؤقت، وأمره بنبذ العهود المطلقة، فكان الذي رفعه ونسخه ترك القتال).
وقال أيضاً: (فكان ذلك عاقبة الصبر والتقوى اللذين أمر الله بهما في أول الأمر، وكان إذ ذاك لا يؤخذ من أحد من اليهود الذين بالمدينة ولا غيرهم جزية، وصارت تلك الآيات في حق كل مؤمن مستضعف لا يمكنه نصر الله ورسوله بيده ولا بلسانه، فينتصر بما يقدر عليه من القلب ونحوه، وصارت آية الصغار على المجاهدين في حق كل مؤمن قوي يقدر على نصر الله ورسوله بيده أو لسانه، وبهذه الآية ونحوها كان المسلمون يعملون آخر عُمُر رسول الله {وعلى عهد خلفائه الراشدين، وكذلك هو إلى قيام الساعة، لا تزال طائفة من هذه الأمة قائمين على الحق، ينصرون الله ورسوله النصر التام، فمن كان من المؤمنين بأرض هو فيها مستضعف أو في وقت هو فيه مستضعف فليعمل بآية الصبر والصفح عمن يؤذي الله ورسوله من الذين أوتوا الكتاب والمشركين، وأما أهل القوة فإنما يعملون بآية قتال أئمة الكفر الذين يطعنون في الدين، وبآية قتال الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون).
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله تعالى -: (هذه الآيات تتضمن الأمر بالقتال في سبيل الله، وهذا كان بعد الهجرة إلى المدينة، لما قوي المسلمون للقتال أمرهم الله به، بعدما كانوا مأمورين بكف أيديهم).
وقال - رحمه الله تعالى -: (ومنها: أنه لو فرض عليهم القتال - مع قلة عددهم وعُدّتهم وكثرة أعدائهم - لأدى ذلك إلى اضمحلال الإسلام، فروعي جانب المصلحة العظمى على ما دونها، ولغير ذلك من الحِكَم.
وكان بعض المؤمنين يودون أن لو فرض عليهم القتال في تلك الحال غير اللائق فيها ذلك، وإنما اللائق فيها القيام بما أُمروا به في ذلك الوقت من التوحيد والصلاة والزكاة ونحو ذلك، كما قال - تعالى -: ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا {النساء: 66}، فلما هاجروا إلى المدينة وقوي الإسلام، كتب عليهم القتال في وقته المناسب لذلك).
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله تعالى -: (لابد فيه من شرط، وهو: أن يكون عند المسلمين قدرة وقوة يستطيعون بها القتال، فإن لم يكن لديهم قدرة فإن إقحام أنفسهم في القتال إلقاء بأنفسهم إلى التهلكة، ولهذا لم يوجب الله - سبحانه وتعالى - على المسلمين القتال وهم في مكةº لأنهم عاجزون ضعفاء، فلما هاجروا إلى المدينة، وكوّنوا الدولة الإسلامية، وصار لهم شوكة أُمروا بالقتال، وعلى هذا فلابد من هذا الشرط، وإلا سقط عنهم كسائر الواجباتº لأن جميع الواجبات يشترط فيها القدرة، لقوله - تعالى -: ( فاتقوا الله ما استطعتم ) {التغابن: 16}، وقوله - تعالى -:( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها286 ) {البقرة: 286}.
وطرح الشيخ سؤالاً وأجاب عليه، وإليكم السؤال مع جوابه: هل يجب القتال أو يجوز مع عدم الاستعداد له؟
فالجواب: لا يجب ولا يجوز ونحن غير مستعدين له، والله لم يفرض على نبيه وهو في مكة أن يقاتل المشركينº وأن الله أذن لنبيه في صلح الحديبية أن يعاهد المشركين ذلك العهد الذي إذا تلاه الإنسان ظن أن فيه خذلاناً للمسلمين.
كثير منكم يعرف كيف كان صلح الحديبية حتى قال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: \"بلى\"، قال: فلِمَ نعطي الدنية في ديننا ؟، فظن أن هذا خذلان، ولكن الرسول {ما فيه شك أنه أفقه من عمر، وأن الله - تعالى- أذن له في ذلك وقال: \"إني رسول الله ولست عاصيه وهو ناصري... \"، وإن كان ظاهر الصلح خذلاناً للمسلمين، وهذا يدلنا يا إخواني على مسألة مهمة وهي قوة ثقة المؤمن بربه، المهم أنه يجب على المسلمين الجهاد حتى تكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين كله لله، لكن الآن ليس بأيدي المسلمين ما يستطيعون به جهاد الكفار حتى ولو جهاد مدافعة وجهاد المهاجمة ما في شك الآن غير ممكن حتى يأتي الله بأمة واعية تستعد إيمانياً ونفسياً ثم عسكرياً، أما نحن على هذا الوضع فلا يمكن أن نجاهد).
وبعد هذا البيان الشافي الكافي من أهل العلم الراسخين فماذا يقال فيمن جهل تلك القواعد الشرعية وجهل تطبيق النوازل عليها بل أخذ النصوص بظاهرها دون مراعاة لمقاصد الشريعة، ألا يكون هذا وأمثاله من القائلين على الله بلا علم هذا من حيث الضرر القاصر عليه، أما من حيث الضرر المتعدي فإنه يتحمل تبعات من أضلّه بغير علم ناهيكم عما يحصل مِن الفساد والإفساد في الأنفس والممتلكات، وما يجرّ ذلك من البلاء على أفراد المسلمين ومجتمعاتهم.
المعلم (28): ليس كل من تحمس لقول يكون موافقاً للحق:
شباب الإسلام: ومن المعالم في الفتن أن تعلموا شباب الإسلام أن الوصول إلى الحق إنما يكون بعد توفيق الله - تعالى -بالصدق والإخلاص في طلبه، وبالرجوع إلى الراسخين في العلم مع البحث عنه من خلال الأدلة وكلام أهل العلم عليها.
وإذا كان ذلك كذلك: فاعلموا شباب الإسلام أن الحق ليس مرهوناً بالتحمس لقول والانتصار له دون فهم وتأمّلº فليس كل من تحمس لأمر وأجلب عليه بخيله ورجله يكون على حق في دعواه، وبخاصة إذا لم يكن معروفاً بالعلم ومجالسة أهله.
-----------------------------------
الهوامش:
1- الاعتصام: (1-357).
2- رواه مسلم (10/1).
3- شرح صحيح مسلم (76/1).
4- رواه مسلم (91).
5- \"إعلام الموقعين:1-131\".
6- \"إعلام الموقعين: 3-78\".
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد