الاختلاف في العمل الإسلامي الأسباب والآثار ( 2ـ 2 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

ثالثاً: ومن أسباب الاختلاف اتباع الشهوات أو الشبهات:

فالأهواء والشهوات تدفع إلى ظلم الغير في سبيل تحصيل الشهوة، فيقع الخلاف، وينشأ الافتراقº «فما يتنازع الناس إلا حين تتعدد جهات القيادة والتوجيهº وإلا حين يكون الهوى المطاع هو الذي يوجه الآراء والأفكار، فإذا استسلم الناس لله ورسوله انتفى السبب الأول الرئيس للنزاع بينهم - مهما اختلفت وجهات النظر في المسألة المعروضة - فليس الذي يثير النزاع هو اختلاف وجهات النظر، إنما هو الهوى الذي يجعل كل صاحب وجهة يصر عليها مهما تبين له وجه الحق فيها! وإنما هو وضع «الذات» في كفة، والحق في كفةº وترجيح الذات على الحق ابتداءً!..ومن ثم جاء هذا التعليم بطاعة الله ورسوله عند المعركة..إنه من عمليات «الضبط» التي لا بد منها في المعركة.. {يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيتُم فِئَةً فَاثبُتُوا وَاذكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُم تُفلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفشَلُوا وَتَذهَبَ رِيحُكُم وَاصبِرُوا إنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 45 - 46].

 

وأما الشبهات والتأولات الفاسدة فتبعد الناس عن الحق إلى أقوال وآراء متباينة، ومن أظهر ذلك الافتراق الذي وقع في الأمة بانحراف ثنتين وسبعين فرقة عن الجادة.

 

كما أن اتباع الشهوات والشبهات سبب لعدد من الآفات الكفيلة بتمزيق الصف وتفريق الأمة، ولعل من أهما ما يلي:

 

(أولاً): البغي:

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - (1) وهو صاحب تجربة واسعة مع المخالفين: «وأنت إذا تأملت ما يقع من الاختلاف بين هذه الأمة علمائها وعبادها وأمرائها ورؤسائها وجدت أكثره من هذا الضرب الذي هو البغي بتأويل أو بغير تأويل، كما بغت الجهمية على المُستَنَّة في محنة الصفات والقرآن محنة أحمد وغيره، وكما بغت الرافضة على المستنة مرات متعددة، وكما بغت الناصبة على عليٍّ, وأهل بيته، وكما قد تبغي المشبِّهة على المنزِّهة، وكما قد يبغي بعض المستنة إما على بعضهم، وإما على نوع من المبتدعة بزيادة على ما أمر الله به وهو الإسراف المذكور في قولهم: {رَبَّنَا اغفِر لَنَا ذُنُوبَنَا وَإسرَافَنَا فِي أَمرِنَا} [آل عمران: 147]».

 

(ثانياً): الغرور بالنفس:

فالغرور بالنفس يولد الإعجاب بالرأي، والكبر على الخلق، فيصر الإنسان على رأيه، ولو كان خطأ، ويستخف بأقوال الآخرين، ولو كانـت صـوابـاًº فالصـواب ما قاله هو، والخطـأ ما قاله غيره، ولو ارعوى قليلاً، واتهم نفسه، وعلم أنها أمارة بالسوء لدفع كثيراً من الخلاف والشقاق، ولكان له أسوة بنبينا - صلى الله عليه وسلم - الذي قال الله - تعالى - له: {فَبِمَا رَحمَةٍ, مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُم وَلَو كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلبِ لانفَضٌّوا مِن حَولِكَ} [آل عمران: 159]، وإذا كانت صفة التواضع ولين الجانب من أوائل صفات المؤمنين فإنها في حق من انتصب للعلم والدعوة والفتوى والتعليم أوجب وأكثر ضرورة وإلحاحاً(2).

 

(ثالثاً): سوء الظن بالآخرين:

فهو ينظر لجميع الناس بالمنظار الأسودº فأفهامهم سقيمة، ومقاصدهم سيئة، وأعمالهم خاطئة، ومواقفهم مريبة، كلما سمع من إنسان خيراً كذّبه أو أوَّله، وكلما ذُكر أحد بفضل طعنه وجرحه، اشتغل بالحكم على النيات والمقاصد، فضلاً عن الأعمال والظواهر، والمصادرة للآخَر قبل معرفة رأيه، أو سماع حجته(3)، ثم هو لا يتوقف عند

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply