بين الإفراط والتفريط


 

بسم الله الرحمن الرحيم

الأصل في الإنسان أن يكون ملتزماً بدين الله وشرعه قال تعالى: ((وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ))، والعبادة المذكورة في الآية مجملة تحتاج إلى بيان، وقد حصل البيان بالسنة النبوية بفعله - عليه الصلاة والسلام - وقوله.

والمتأمل في سيرته - عليه الصلاة والسلام - وهديه يجد النموذج الذي يقتدى به، والمثل الذي يحتذى به، فهديه - عليه الصلاة والسلام - يمثل الوسطية الحقة التي تتميز بها هذه الأمة قال تعالى: ((كنتم خير أمة أخرجت للناس..))، ((وكذلك جعلناكم أمة وسطاً..))، فهي خير لأنها وسط في كل أمر من أمور الدنيا والآخرة.

والنبي - صلى الله عليه وسلم - رأس هذه الأمة وهو إمامها، ولما كان على ما ذكرنا أمر الله - تعالى- باتباعه والاهتداء بهديه، قال - تعالى-: ((لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)) أي كونوا على ما كان عليه من الوسطية، وقد اقتفى الصحابة والتابعون هدي نبيهم - عليه الصلاة والسلام - فكانوا قادة الأمم وسادتهم.

والملاحظ أيها القارئ الكريم: أن الناس في هذا الموضوع طرفان ووسط، الطرف الأول المتشددون، والطرف الثاني الميسرون، والطرف الوسط بين التشديد والتيسير.

فالطرف الأول: المتشددون، وهم الغالون في التدين، وقد ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - هؤلاء فقال: (تحقرون صلاتكم عند صلاتهم، وصيامكم عند صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية) هؤلاء هم الخوارج الذين تنطعوا في الدين، وبالغوا في أمور لم يأت الشرع بالمبالغة فيها.

ومن هؤلاء من يبالغ في التزهد، وفي تطبيق السنة، وقد حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذلك فقال: (إياك والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم) وعند مسلم (هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون).

ولما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن عمرو بن العاص فيه شبه من الغلو نهاه عن ذلك، وعلمه وأرشده على المنهج الصحيح، فقد كان يسرد الصوم، ويقوم كل الليل، ولا يأتي أهله - وهذا من الغلو -، ولهذا كان التوجيه الصحيح من النبي - صلى الله عليه وسلم -.

ومن أمثلة التشدد ما ذكرناه في حديث عبد الله بن عمر وهكذا منع ما أحل الله للنفس وهو من التشدد.

وغالباً ما يحدث التشدد عند من لا حكمة عنده كصغار السن، والمتعالمين، ومن لم يتعلم على أيدي العلماء العاملين، والدعاة المخلصين، أو ذلك الرجل الذي أعماه هواه فتعصب لمذهبه أو حزبه وجماعته، وربما تكون القضية ردة فعل عن حادثة أو واقعة حدثت لذلك الإنسان، فالتزم بالإسلام وآدابه، ورأى أنه كان مقصراً فأقسم على نفسه ألا يفرط في شيء من أحكام الدين وآدابه صغيره وكبيره، فيحدث التشدد، ولعل البعض يتشدد لشيخه فيكون قد أصيب بمرضين مرض التشدد، ومرض التقليد الأعمى.

ونحن إذ نتحدث عن التشدد لا نريد أن ندندن كما يدندن العلمانيون والحاقدون على أصحاب المبادئ العليا، وشباب الصحوة، ويصفونهم بأنهم متشددون، متزمتون، أصوليون، ويصمونهم بشتى الأوصاف المذمومة، وينفرون الناس منهم بحجة أن هؤلاء لا يعرفون الدين على حقيقته، وفي حقيقة الأمر: إن كل من تمسك بدينه، والتزم بشريعة ربه عند هؤلاء العلمانيين هو متشدد ومتزمت، فإذا تحجبت المرأة قالوا: هي رجعية، ومتشددة، وإذا لم يصافح الرجل المرأة ولم يختلط بالنساء قالوا: متزمت، وإن أبغض اليهود والنصارى قالوا: أصولي يعيش كأنه في عصر الظلام وهكذا..

ونحن نتحدث عن مصدر موجود نحتاج نحن الدعاة إلى علاجه، بل يحتاجه كل مرب، وكل أب في بيته ومع أسرته، فأعظم علاج يمكن أن يخفف من هذا المرض أمور:

-         إعطاءهم جرعة عن يسر هذا الدين وسماحته، وأنه يحذر من الغلو في الدين، ولن يشاد هذا الدين أحداً إلا غلبه.

-         إبعادهم عن قرنائهم المتشددين، وتهيئة بيئة أخرى منضبطة ومعتدلة في فهم الإسلام.

-     تصحيح المفاهيم الخاطئة عندهم في قضية الالتزام بالدين ما حقيقته؟ تعريفهم ماذا يعني اليسر في الدين؟ بيان ضوابط التكفير، والتفسيق، والتبديع... الخ.

-     تذكيرهم بسيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - العطرة، وكيف كان أخذه لهذا الدين، كيف رد على أولئك النفر الذين سألوا عن عبادة النبي - صلى الله عليه وسلم - فتقالوها - أي قالو إنها قليلة - واعتقدوا ذلك، فقال عليه الصلاة والسلام: (أما أنا أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني)، وفي رواية (وآكل اللحم).

ومن عواقب الغلو: أن يشدد الله على المغالي كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا تشدد فيشدد الله عليه)، وقد ندم عبد الله بن عمرو آخر حياته أنه لم يأخذ بوصية النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتيسير، وربما أصابت الوسوسة المشدد على نفسه، وهكذا ينفر الناس منه لحديث (وما نزع الرفق في شيء إلا زانه).

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply