بسم الله الرحمن الرحيم
كم هم أولئك العلماء الذين خلّد التاريخ ذكرهم؟ وكم هم أولئك الذين لهجت الألسن بذكرهم؟ وكم هم أولئك الذين كان آخر العهد بهم حين أدخلوا في الرّمس؟!
إنّ العالم يبرق علمه، ويعلو قدره، ويُثنى عليه حيَّا وميتًا حين يشعر الناس بأنه حولهم، يعيش معهم، همّهم همه، ومآسيهم مآسيه، إذا أصاب المسلمين لأواءٌ أو ضعف أو حاجة أو مشكلة أقضّ ذلك مضجعه، وأسال ذلك عينه، فينبري واقفًا في الصفوف الأماميّة، تلوذ به الجموع، وتتغنّى بذكره الألسنة.
ولا يبين معدن العالم الصادق إلا في الأزَمَات، حين تُقبل الفتن كقطع الليل المظلم، فيستشرف العالم خطورتَها وضراوتها، ولا يعيها الجاهل إلا بعد أن تُدبر وتنقضيº ولذا يكون مبادرًا للتحذير منها، و حجز الناس عنها.
انظر إلى سيرة أحمد بن حنبل، وأحمد بن تيمية، وغيرهم من الأئمة الأعلام، - رحمهم الله -، هل كان علمهم فقط هو ما جعل لهم القبول والتخليد للذكرى، أم هو شيء أبعد من ذلك وأخفى؟
إنّ القاسم بين هؤلاء هو أنّهم كانوا يمتزجون بالواقع، ويعرفون إشكالياته على سبيل التفصيلº فيلوذ بهم الجاهل والعالم والمحتاج والمفتونº ليكونوا سندًا للناس كلهم أمام ما يعترضهم من مشاق الحياة وغلواء الفتن.
إنّ ما يمرّ بنا من أحداث لتقرر بشكل واضح وتؤكد هذا المعنى، فإنها أحداث نوعيّة خطيرة، أبانت عن كثير من التوجّهات، وكشفت الكثير من المستور، وأبانت المعادن، ومحّصت الصادقين، وكشفت عُوار المقتاتين على حساب \"الوطنية\"، وبيّنت من هو الحَدِبُ على مصلحة الأمة، ومن يتسلل لِواذًا داخلها ليصيبها بالخبال والزوال!
لقد كان للشيخ العالم الموفّق سفر بن عبد الرحمن الحوالي أيادٍ, بيضاء في الأحداث التي نعيشها، فمن اليوم الذي بدأت الأحداث تطل برأسها في البلد كان الشيخ مبادرًا إلى التصدي لها من خلال تقديم الرؤى الناضجة للمنهج الذي لا بد أن يتعامل فيه مع الحدث، والاتصال بفئات الشباب المختلفة، محذرًا، ومناصحًا، وواعظًا، ومرشدًا... ولم تكن هذه الأحداث هي أول غيث من الشيخº بل عاش حياته موجّهًا للشباب، ومحذرًا لهم من الغلوّ والنزق في الأفعال والأقوالº بل كان يبذل جهده في المجالسة مع الشباب إذا شعر فيهم نزعات غلوّ وتطرّف في التفكير، وما تراثه السابق من مؤلفاته وشروحاته لكتب العلم إلا تأصيلاً للمسائل العلمية وفق ضوابطها المنهجية، وهذا الأمر هو الذي يضبط مناهج الشباب، حين يربط العالم في تعليمه للناس بين القواعد الكليّة والأدلة التفصيليّةº فيتخرج من تحت يديه أصحاب العقول المتدبرة التي تدرك معاني ومقاصد الشريعة، آخذة بعين الاعتبار أصول الشريعة وفروعها، ومحكم المعرفة بضوابط السياسة الشرعية.
السؤال الكبير في هذه الأحداث:
كيف يقدم الشيخ سفر كل هذه الجهود الجبارة في نزع فتيل الأزمة، والنصح للشباب، ومحاولة الخروج من المشكلة بأقل الخسائر والتكاليف، بينما نرى الألسنة تتناوش الشيخ بشكل يدعو للأسف والحزن؟!
فقد رأينا في كتابات بعض الصحفيين، والمثقفين، وروّاد منتديات الإنترنت كتاباتٍ, قد أجهد أصحابُها أنفسهم بأن يزجوا بالشيخ في مسببات الأحداث، ويحاولوا ربط الشيخ تنظيميًّا بهذه الفئة من الشباب! هل وصلت بنا الحال إلى هذه الدرجة من الأحقاد وضغائن النفوس حتى تنقلب موازيننا ومقاييسناº فيصبح الصديق عدوًّا، والناصح خائنًا؟
لقد ساهم الشيخ المفضال سفر الحوالي شئنا أم أبينا بجهود جبارة مشكورة في الوقوف أمام هذه الأحداث الدامية. والمسلم الحق هو الذي ينسب الفضل لأهله ولا يجحده، ولا أدّعي هنا أن الشيخ هو المنفرد بالأمرº ولكن جهوده قد بانت لكل ذي عينين، مع ما يواجهه من تحريض أحيانًا بالتصريح وأحيانًا بالتلميح، وهو لا يزال سائرًا في درب \"الإصلاح\" غير آبهٍ, بما يقوله بعض الأفّاكين من ناهشي لحوم الصٌّلحاء والأخيار في الأمة، وهو بهذا كأنما يسفّهم المَلّ، ويحرق لهم الأعصاب، متمثلاً في مسيرته المباركة بقول الشاعر:
وإن الذي بيني وبين بني أبي *** وبين بني خالي لمختلف جدا
إذا نهشوا لحمي وفرت لحومهم *** وإن يهدموا مجدي بنيت لهم مجدا
ولا أحمل الحقد القديم عليهم *** وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا
مَن صاحب الشيخ أو خالطه يرى فيه تطبيقاً لهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن تبعه بإحسانº فلم يكن بينه وبين المسلمين حواجب وحواجز، حتى قالت عائشة -رضي الله عنها-: \"كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي جالسًا بعد أن حطمه الناس\"، فكان - عليه الصلاة والسلام - يمشي في حاجة المحتاج، ويفتي الجاهل، ويعين المحتاج، ويقري الضيف، ويسهر مع صحابته لنقاش قضايا الأمة... فلم يكن - عليه الصلاة والسلام - يعيش في برج عاجيّ، أو منزويًا في مكان لا يرى ولا يُرى، بل حتى الأَمَة كانت تأخذ بيده فتطوف به شوارع المدينة حتى يقضي لها حاجتها.. - عليه الصلاة والسلام -!
إن الشيخ سفر الحوالي مثال صالح في الواقع للعالِم الإيجابي والمبادر، والذي يساهم في حل مشكلات الأمة من خلال الحضور الفاعل، الذي يُتبِع النظرية التطبيق، ويترجم المثل ليشكل حضورًا فاعلاً ومساهمًا في حل المعضلات، وخاصة تلك التي تتعرض لضرورات الناس وقضاياهم الكبرى.. وحريّ بكل عالِم أو طالب عِلم أن يتأمل طريقة الشيخ في الأحداث حتى يكون الجميع لَبِناتِ بناءٍ, في واقع الناس، نترجمُ معاني الإسلام المجردةº لتكون شواهد حيّة من خلال هذه المبادرات.
وبعد هذا.. هل يكف أهل الألسنة الحِداد أذاهم عن هذا الشيخ الجليل؟ وهل يتقي الله أولئك الذين يريدون توسيع إطار الاتهام ليشمل البرآء والصالحين من أهل الإسلام؟ وهل يدرك هؤلاء العابثون أن المشكلة لا تحلّ إلا إذا حُصرت بأضيق الحدودº حتى لا تختلط الأوراق، وتُفقد في جوّ التناوُش مكامنُ الداء، ووسائلُ الدواء؟!
أرجو ذلك، وما ذلك على الله بعزيز!
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد