بسم الله الرحمن الرحيم
ينتمي الإنسان في أصل خلقته إلى عشيرة، وتلك العشيرة تنتمي إلى قبيلة، والقبيلة جزء لا يتجزأ من الوطن، والوطن ضمن دائرة كبيرة لمجموعة من الأوطان تشكل قومية.. هذه الانتماءات كلها لا تبدو متناقضة، بل إنها كحلق مترابطة تدخل الصغيرة منها في التي تليها، ولا يبدو لدى الكثير أنهم يعانون من انفصام وازدواجية فيما بين هذه التداخلات، والشريعة وكما جاء فيها لا تمنع الإنسان مهما كان جنسه أو لونه من الانتماء، وإنما تجعلها وسيلة للتقارب والتعارف قال تعالى: \"يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا... \"الآية.
فالشعور الفطري في الانتماء إلى الوطن أو اللغة أحد مراحل تكوين الهوية للإنسان، والإسلام يقر ذلك ولا ينكره.
وإنه لخليق بالإنسان المسلم ألا يقف عند هذه الهوية أو تلك، ولا يجعلها غاية وهدفاً عليها يعادي، ومن أجلها يوالي كلا فالناس من حوله ينتمون إلى هوية متماثلة، وهنا سيبدو المسلم وكأنه يعيش بلا شخصية مستقلة تميزه إذا توقف في مكان توقف عنده الآخرون، فعليه إذن أن يتجاوز تلك الهويات الطبيعية بحكم الخلقة والنشأة إلى هوية اختيارية تجلب له السعادة في الدارين، وتميزه عن غيره، وترقيه في سلم الكمالات، لنرجع إلى الآية السابقة لتخبرنا عنها تماماً، وكما التزمنا بمعنى أول الآية فعلينا أن نلتزم بالمعنى في آخرها قال تعالى: \"... إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير\".
فيخطئ البعض عندما يعارض هذه الهوية ذات الطابع المتميز، والتي تشمل تحتها كل بني الإنسان، والتي تصلح البشرية وتوصلها إلى بر الأمانº أقول يخطئون عندما يعارضونها، ويقفون في منتصف الطريق عند هوياتهم التي لا سبيل لهم في اختيارها.
ويخطئون من جانب آخر في أن الناس سينتقلون عنها إلى هويتهم الدينية التي يختارونها، فلماذا لا أجعل وطني هو وطن الإسلام بأي لغة ينطق أهله:
ولست أرى سوى الإسلام لي وطناً الشام فيه ووادي النيل سيان
وحيثما ذكر اسم الله في بلـــــــــــــد عددت أرجاءه من لـب أوطاني
فلنرقَ بأنفسنا، ولنرجع إلى نصوص شريعتنا والتي تختار لنا مكاناً أرحب من هذا المكان الضيق والمليء بالمنغصات، والنعم فيه زائلة، والكد فيه لا ينتهي، ذلك المكان الرحب في جنات عدن، وطن الصالحين، وهو موطننا الأصلي إذا كان الإنسان ولا بد أن يفخر بوطن:
فحي على جنات عدن فإنها منازلنا الأولى وفيها المخيم
ولكننا سبي العدو فهــل ترى نعــــــود إلى أوطاننا ونسلم
وإني أوجه نداء المشفق لكل سامعـ ولكل من افتخر يوماً بوطنه، أو ظن أن قوميته مهما كانت أصالتها لها شأن وهي بعيدة عن الإسلامº أوجه النداء بالتوقف عند قوله تعالى: \"قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحبَّ إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين\".
لننتمِ إلى كل الهويات الثمان المذكورة في الآية، لنحبها، ولكن أتمنى أن لا نجعلها صنماً يعبد، ولا نقدمها أبداً على حب الله ورسوله، إنما نجعلها في مرتبتها الطبيعية، وإلا سيقع ما لا يحمد عقباه من فرقة واختلاف وتقاطع، غير ما يكون من عقوبة الآخرة.
علينا أن ننبذ المفاهيم البالية، ونرجع إلى أصالة الإسلام الناصع لنرى الحقيقة كما هي، وعند ذلك سيغير الله حالنا إلى أحسن حال، وصية مشفق محب فهل تلقى آذاناً مصغية أو قلوباً واعية؟! أتمنى.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد