بين الشباب والشيوخ (الحلقة الأولى)

بسم الله الرحمن الرحيم

 سأكون صريحاً واضحاً عندما أقول: إن كثيراً من التجاوزات السلوكية التي يسقط فيها بعض شباب الصحوة المتحمس لدينه ودعوته، وبعضاً من تلك الحواجز النفسية التي تحول بين الشباب المسلم ومجتمعه (الصغير كما الكبير) إنما هي من صنع بعض المخلصين فينا، قبل أن تكون من تآمر أعدائنا.. فأمتنا تعاني أزمة في القدوة وعجزاً في القيادة، والحقيقة التي يجب أن نعترف بها هي أن الحركة الإسلامية التي مرت بظروف قاسية دامية ومؤلمةº جعلت بعض الشيوخ من قادتها – مبالغة منهم في الحكمة وضناً منهم بدماء الشباب ومستقبلهم - عاجزين عن مجاراة الواقع واقتحام حصون العدو ووضع الاستراتيجيات الواضحة لدعوة الشباب وتوفير الأوعية الشرعية لحركته.

إن علينا أن نعترف أيضاً أن هناك ذهنية مؤذية موجودة بيننا - عن حسن نية وصدق قصد في أكثر الأحيان - تلك هي ذهنية الاحتكار: احتكار الحق والتفكيرº وبالتالي احتكار القرار والدعوة، تلك الذهنية الإقصائية التي قد تكون جنَّبت الحركة الإسلامية الكثير من المزالق، لكنها حرمتها الكثير من الطاقاتº وفوتت عليها الكثير من الفرص، وجعلتها متأخرة عن كثير من المواقع.. تلك الذهنية التي انحرفت ببعض الشباب وأودت بآخرين إلى مهاوي التساقط بعد أن لم يجدوا عند الحركات الراشدة ما يلبي طموحهم من برامج وعمل وأخذ بآليات تفيد من تقنيات العصر وتواكب وسائله وابتكاراته.

ذهنية الاحتكار والإقصاء هذه ينبغي أن نزيلها من تفكيرنا ونمحوها من قواميسنا ونبعدها عن حركتنا، لأننا نتعلم من هدي قرآننا وسيرة نبينا - عليه الصلاة والسلام - أن مسؤولية البلاغ وأمانة الدعوة وقدسية الرسالة، بل والتخطيط للعمل اليومي واتخاذ المواقف من المستجدات واستشراف المستقبل ووضع الاستراتيجيات، هي مسؤولية مشتركة بين الدعاة على تعددهم وأجيالهم على امتدادها، وليست أبداً حكراً على جيل بعينه، وينبغي أن لا تختص بها طبقة دون أخرى من رجالات الدعوة، ولا يحقّ لأحد - كائناً من كان - أن يدَّعي لنفسه حق التصرف في مقدرات الأمةº وتوجهات حركة الدعوة فيهاº وحمل جمهور المسلمين على مواقف لا تلبي في كثير من الأحيان متطلبات المرحلة وتطلعات الشبابº إن لم أقل إنها مواقف متخاذلة من خلال واقع الهزيمة الذي تعيشه الأمة ويعيشه الشيوخ فيها قبل الشباب.