مشروع لا يعرف الفشل ! ( 2-2 )


بسم الله الرحمن الرحيم

 

لعلي أذكر بعض الأوقات التي يوصي بها أغلب الحفاظ:

1) وقت السحر، إذ هو وقت السكينة والخشوع.

2) بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس، قال - تعالى -: ((وَقُرآنَ الفَجرِ إِنَّ قُرآنَ الفَجرِ كَانَ مَشهُوداً)) (الإسراء: 78).

3) القراءة من المحفوظ وفق ترتيب معين في الصلوات المفروضة والنافلة، وهذا نافع جدًا جدًا.

4) قبل النوم، وفي صلاة التهجد. قال - تعالى -: ((وَمِنَ اللَّيلِ فَتَهَجَّد بِهِ نَافِلَةً)) (الإسراء: 79) وفي هذه الآية إشارة إلى فائدة مراجعة القرآن في صلاة التهجدº لأن النفس تكون صافية والقلب في تفرغ كامل عن الشواغل: ((كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيلِ مَا يَهجَعُونَ)) (الذاريات: 17).

وقال - تعالى -: ((إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيلِ هِيَ أَشَدٌّ وَطئاً وَأَقوَمُ قِيلاً)) (المزمل: 6).

وهذا مجرب بل هو أدعى لثبيت الحفظ.

خامسًا: قراءة كتب المتشابهات:

فهي خير معين لحافظ القرآن خاصة إذا تقدم في الحفظ، فالله - تعالى -يقول: ((هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيكَ الكِتَابَ مِنهُ آيَاتٌ مٌّحكَمَاتٌ هُنَّ أُمٌّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ)) (آل عمران: 7).

وقد ألفت العديد من الكتب في هذا الباب ولعلي أشير إلى كتاب الإمام السخاوي هداية المرتاب في متشابه الكتاب. \"

 

طرق الحفظ

هناك طرق عديدة للحفظ لعلي أذكر منها ما جربته شخصيًا ووجدت فيه الفائدة - بإذن الله-:

الطريقة الأولى:

استقبلي القبلة، واجلسي بخشوع وسكينة ووقار، استعيذي بالله من الشيطان الرجيم، وقولي \"بسم الله الرحمن الرحيم توكلت على الله \" وقومي بالآتي:

\"عملية التسخين\" إن صح التعبير، وذلك بأن تبدئي بقراءة صفحات من آي الذكر الحكيم التي سبق لك حفظها قبل أن تبدئي بعملية الحفظ، سواء كان ذلك نظرًا أو غيبًا وترنمي في قراءتها مسمعةً نفسك دونما إسراع أو إبطاء.

وهذه العملية هي العمدة في تهيئة النفس. وبعد حوالي (10-15) دقيقة من التسخين والاستعداد النفسي، فإنكِ ستحسين برغبة شديدة في الحفظ داخلك، عندها بإمكانك أن تبدئي بحفظ الصفحة الجديدة التي تريدين حفظها.

الطريقة الثانية:

الحفظ عن طريق التدوين:

وهي طريقة استعملها المسلمون قديمًا في الكتاتيب، ولا يزال البعض يفضلهاº فالحافظ في هذه الطريقة يستخدم أكثر من حاسة، ومن المعلوم أن استخدام أكثر من حاسة أدعى إلى تثبيت المحفوظ وضبطه. احفظي المقطع ثم دونيه، افتحي المصحف، وتأكدي من صحة ما كتبتي. ثم إذا جاء مقطع الغد، دوني مقطع الأمس ثم مقطع اليوم ثم افتحي المصحف وراجعي ما كتبتي. وهكذا.

 

الطريقة الثالثة:

الحفظ عن طريق الإنصات وتشغيل العقل الباطن:

1) اختاري شريطًا للسورة التي تريدين حفظها، بصوت أحد القراء المتقنين الذين ترتاحين لقراءتهم.

2) اسمعيه من آلة تسجيل، ورأسكِ على الوسادة قبل النوم، والأنوار مطفأة، والهدوء كامل.

3) حاولي أن يكون الصوت منخفضًا قدر الإمكان، و أصغي إليه منصتةً بكليتك إلى صوت القرآن، ثم نامي.

4) استيقظي فجرًا، وحذار من النوم بعد الصلاة، وحاولي أن تقرئي من المصحف السورة التي استمعت إليها قبل النوم، ستجدين أنك تحفظينها بسرعة عجيبة، جربي والتجربة خير برهان.

وهناك طرق كثيرة ومتنوعة قد لا يتسع المجال لذكرها، وقد أقيمت مؤخرًا عددًا من الدورات التدريبية في طرق حفظ القرآن. وهناك العديد من المواقع الإلكترونية والكتب التي تحدثت في نفس الموضوع. ويمكنك التنويع بين أكثر من طريقةº فلعل ذلك يساعدك في ضبط كل مقطع على حده، ثم سهولة ربط المقاطع مع بعضها.

 

وختامًا:

والآن بعد أن شرعت- حفظك الله - في حفظ القرآن الكريم، هناك تنبيهات مهمة لك:

أولا: عليكِ بالإخلاص: فهذا القرآن إما لكِ أو عليكِ، إما أن يقال لكِ: ((اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند أخر آية تقرؤها)).

أو أن تكوني أول من تسعر به النار، قبل الكفار والمشركين- والعياذ بالله- كما أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

ثانيًا: اعقدي العزم وتوكلي على الله، واعلمي أن القرآن ميسر لمن يسره الله له، ألم تقرئي قوله - تعالى -: ((وَلَقَد يَسَّرنَا القُرآنَ لِلذِّكرِ فَهَل مِن مٌّدَّكِرٍ,)) (القمر: 17)؟ أي سهلناه للحفظ وأعنا عليه من أراد حفظه بنية صادقة وعزم أكيد، فهل من طالب لحفظ القرآن فيعان عليه؟!

ثالثًا: عليك بالدعاء، قال - تعالى -: ((وَقَالَ رَبٌّكُمُ ادعُونِي أَستَجِب لَكُم)) (البقرة: 60).

اطلبي العون من الله، وتحري أوقات الإجابة، وأيقني بها، فالله يقول في الحديث القدسي: ((أنا عند حسن ظن عبدي بي)).

فإذا صح عزمك وخلصتِ نيتكِ في حفظ كتاب الله - تعالى -، وكنتِ من الذين شرح الله صدورهم واصطفاهم ليكونوا من أهل القرآن، وترددتِ في مكان الحفظ أو الوسيلة التي تحفظين بها، فما عليك إلا أن تصلي ركعتين وتستخيري الله - سبحانه - فيمن يعلمك القرآن، وفي الزمان والمكان الذين تحفظين فيهما.

رابعًا: الصبر واليقين مع الاستعانة بالله - عز وجل -، ((وَإِن تَصبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِن عَزمِ الأُمُورِ)) (آل عمران: 186).

وعليك بأن توقني بأن الله - سبحانه وتعالى - سيمدك بعون من عنده. وإذا تحقق الصبر واليقين كان ذلك إيذانًا بتحقيق الإمامة في أمور الدين، يقول الله - تعالى -: ((وَجَعَلنَا مِنهُم أَئِمَّةً يَهدُونَ بِأَمرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)) (السجدة: 24).

احفظي القرآن فإن نسيتي ماحفظتيه فعودي إليه وتعاهديه بالحفظ مرة تلو أخرى دون كلل أو ملل. المهم ألا تشعري بالفشل، فمشروعنا حقًا لا يعرف الفشل!

وتذكري وفقني الله وإياك:

قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار)) رواه الإمام مسلم.

هذا ما استطعت جمعه في هذا الباب، فما كان صوابًا فمن الله، وما كان خطأً فمن نفسي والشيطان. وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.

اللَّهُمَّ بَدِيعَ السَّمَوَاتِ وَالأَرضِ، يا ذَا الجَلالِ وَالإِكرَامِ وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامُ، نَسأَلُكَ يَا اللَّهُ يَا رَحمَنُ يا رحيم بِجَلالِكَ وَنُورِ وَجهِكَ أن تمن على من أردن حفظ كتابك حفظه، أن تيسره لهن وأن َترزُقهن تلاوتهُ عَلَى النَّحوِ الَّذِي يُرضِيكَ عَنهن، اللَّهُمَّ بَدِيعَ السَّمَوَاتِ وَالأَرضِ يا ذَا الجَلالِ وَالإِكرَامِ وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامُ، نَسأَلُكَ يَا اللَّهُ يَا رَحمَنُ يا رحيم بِجَلالِكَ وَنُورِ وَجهِكَ أَن تُنَوِّرَ بِكِتَابِكَ أبصارهن وَأَن تُطلِقَ بِهِ ألسنتهن وَأَن تغسل بِهِ قلوبهن وَأَن تَشرَحَ بِهِ صدورهن وَأَن تفرّج به همومهن وسائر المسلمين والمسلمات.

وصلى الله على نبينا محمد.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply