بسم الله الرحمن الرحيم
إن المتأمل لكتاب الله والمتدبر لآياته سيلاحظ أن هذا الكتاب الذي أنزل بالعربية، والتي أعجزت فصحاء العرب، بل تحداهم القرآن أن يأتوا بمثله أو بآيات مثله، ومع ذلك سيلاحظ أن المسلم الذي نشأ في العربية وتعلمها، يستطيع أن يدرك كثيراً من معاني الآيات ولو لم يتلق تعليماً كبيراً وهذا يعني أن القرآن أراد تعميم العلم لكل المؤمنين به كما قال ابن عباس - رضي الله عنه - وهو ترجمان القرآن: \"التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله\".
فالقرآن ليس لطبقة خاصة، طبقة النخبة، بل إن جماهير المسلمين يجب أن يملكوا حداً أدنى من العلم، وهذا ما يوفره القرآن سماعاً وقراءة وتدبراً، والذين يقولون: لا قبل لنا بفهم القرآن أو الحديث، فإن كلامهم هذا لا نصيب له من الصحةº لأن الله - سبحانه وتعالى - وصف كتابه بالبيان والوضوح \"تِلكَ آيَاتُ الكِتَابِ المُبِينِ\" (الشعراء: 2)، ) \"وَلَقَد يَسَّرنَا القُرآنَ لِلذِّكرِ فَهَل مِن مُدَّكِرٍ,\" (القمر: 17)، وإنما بُعث الأنبياء لهداية الناس وتعليمهم.
إن تعميم التعليم نلاحظه في جيل الصحابة رضوان الله عليهم، فقد كان منهم العلماء ومنهم من يسأل ويتعلم، ومنهم الأعرابي الذي يسمع قليلاً من القرآن أو السنة فيدرك مرامي الإسلام، فالعلم منتشر بين الجميع، والدليل هو عندما اعترضت امرأة مسلمة على كلام عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في خطبته وقد تكلم عن تقليل المهور أو تحديدها، وقد لاحظت شيئاً شبيهاً بهذا، وأعني تعميم العلم، ما كان في قرى نجد ومدنها قبل عقود من السنين، حيث كان الشيخ إمام المسجد (المطوع) يقرأ يومياً بعد العصر أو بعد المغرب شيئاً من تفسير ابن كثير، فهذا أعطى ثقافة عامة مشتركة لكل المصلين، كما أن رسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - المختصرة والمكثفة كانت تعلم الناس أهم واجباتهم نحو دينهم وعلى رأسها التوحيد، فكنت لا تسمع من أعرابي في عمق الصحراء أي كلمة تدل على الجهل بالتوحيد.
يروى عن الإمام مالك - رحمه الله - أنه قال: \"إن العلم إذا منع عن العامة لم تنتفع به الخاصة\"، وقد فسر ابن الحاج هذا القول بأن:
1 ثواب العلم يكثر بانتشاره.
2 أن يحرم الخاصة فوائدهº لأن استئثارهم بالعلم يورثهم الكِبر والخيلاء، فيحرمون الفهم فيه.
إن أول عمل صالح يجب أن يقوم به العلماء والدعاة هو الأخذ بيد أفراد الأمة ورفع مستواهم الفكري والخُلقي، ومن يقول إن الشعب لا يستطيع أن يفكر، أو لا يجب عليه أن يفكر، فهذا حرمان للأغلبية من أعز ما يجب أن يملكونه وهو العلم، بل إن ما يسمى بـ(العوام) نراهم يتميزون بإدراك لطيف لحقائق الأمور، والجماهير بطبعها تميز بالفطرة بين ما ينفعها وما يضرها، وقد مَنّ الله على المسلمين بصلاة الجمعة وخطبة الجمعة، والتي هي من أعظم المنابر لتعليم المسلمين ونشر الثقافة الإسلامية، وتحرير الفكر من الأوهام والخرافات، وإذا أردنا إنهاض شعب وكنا جادين في ذلك فيجب أن نخاطب الأمة بكل شؤونها وبكامل الصراحة.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد