عاشوراء ... تاريخا وفضلا ... وبدعا


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده... وبعد:

أولاً لمحة تاريخية عن عاشوراء:

أ- اعلم رحمني الله وإياك أن عاشوراء بالمد على المشهور ولم يسمع (فاعولاء) إلا هذا.

ب- وأما بالنسبة لتعيينها فالأكثر أن عاشوراء: هي اليوم العاشر من المحرم، وهو مقتضى الاشتقاق والتسمية وإليه ذهب جماهير العلماء من السلف والخلف، وهو ظاهر الأحاديث ومقتضى اللفظ.

ج- وأما عن نوع عظمتها التاريخية عند بعض الأمم:

وهذا يوم كانت قريش تعظمه في الجاهلية، ويكسون فيه الكعبة ويصومونه، وأهل الكتاب من اليهود والنصارى كانوا يعظمونه ويتخذونه عيدًا ويُلبسون فيه نساءهم حُليهم وشارتهم (شيء يتجملون به وهو عرض الشيء وإظهاره، ويقال لها الشارة وهي الهيئة).

فيوم عاشوراء: هو اليوم الذي أنجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه، فكان اليهود يصومونه شكرًا لله على هذه النعمة العظيمة، أن الله أنجى جنده، وهزم جند الشيطان، أنجى موسى وقومه، وأهلك فرعون وقومه، فهذه نعمة عظيمة، ولهذا لما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسألهم عن ذلك، فقالوا: هذا يوم نجَّا الله موسى وقومه، وأهلك فرعون وقومه، فنصومه شكرًا لله، فقال - عليه الصلاة والسلام -: \"نحن أولى بموسى منكم\". لماذا؟ لأن النبي والذين معه أولى الناس بالأنبياء السابقين. إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين [آل عمران: 68].

فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحق بموسى من اليهودº لأن اليهود كفروا به، وكفروا بعيسى، وكفروا بمحمد، فصامه وأمر الناس بصيامه، إلا أنه أمر أن يخالفوا اليهود الذين لا يصومون إلا اليوم العاشر.

وفي يوم عاشوراء: يحدث من فظائع الروافض ومن تبعهم من جهال الوعاظ نعي الحسين رضي الله عنه في خطب المحرم على رؤوس الملأ، وذكرى شهادته في كربلاء، وسرد ما نزل بالمسلمين من مصائب بما يستدر دمع السامعين، ويثير عواطفهم ليحزنوا ويلعنوا يزيدًا ويسبٌّوه، وهذا أمر لا يعود بأدنى فائدة عليهم في دينهم ودنياهم.

والروايات المرفوعة في ذكر كربلاء وشهادة الحسين رضي الله عنه، مثل كون السماء أمطرت، وكون الحمرة ظهرت في السماء يوم قتل الحسين، وغيرها من التٌّرهات غالبهها مكذوبة وموضوعة ولا يصح فيها كثير شيء، ولا يجوز ذكرها إلا بذكر وضعها وكذبها.

وأما قتل الحسين رضي الله عنه، فإنه قتل مظلومًا شهيدًا، وهو مصيبة أُصيب بها المسلمون، ولكنه في حقه شهادةٌ له، ورفعُ درجةٍ,، وعلو منزلةٍ,º لأنه هو وأخاه الحسن - رضي الله عنهما - سبقت لهما من السعادة التي لا تنال إلا بنوع من البلاء لم يكن لها من السوابق ما لأهل بيتهما، وليس ما وقع من ذلك بأعظم من قتل الأنبياء، وكذلك قتل علي رضي الله عنه، أعظم ذنبًا ومصيبة، فالواجب عند المصائب الصبر والاسترجاع.

ثانيًا: فضل صوم يومي عاشوراء وتاسعواء وبيان أن صوم عاشوراء كان فريضة فنُسِخت الفرضية وبقي الأمر على الاستحباب.

ففي الصحيحين من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - صام يوم عاشوراء وأمر بصيامه.

 

فقه الحديث:

صوم عاشوراء كان فريضة قبل رمضان، كما في حديث عائشة المتفق على صحتهº قالت: كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أمر بصيام يوم عاشوراء، فلما فرض رمضان كان من شاء صام ومن شاء أفطر.

ويتأكد ذلك بأمر رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بالنداء العام كما في حديث محمد بن صيفي الأنصاري الذي أخرجه النسائي وابن ماجه وأحمد وابن خزيمة وغيرهم بإسناد صحيح قال: خرج علينا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في يوم عاشوراء، فقال: \"أصمتم يومكم هذا؟ \" قال بعضهم: نعم، وقال بعضهم: لا. قال: \"فأتموا بقية يومكم هذا\". وأمرهم أن يؤذنوا أهل العروض- قرى المدينة- أن يتموا بقية يومهم هذا.

ويشهد لذلك حديث سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - المتفق على صحته قال: أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلاً من أسلم أن أذَّن في الناس أن من أكل فليصم بقية يومه، ومن لم يكن أكل فليصم فإن اليوم عاشوراء.

ثم نسخ وجوبه لما جاء رمضان، كما أخرج مسلم عن ابن مسعود: \"لما فرض رمضان ترك عاشوراء\". وأخرج عن عائشة - رضي الله عنها -: \"فلما نزل رمضان فكان رمضان هو الفريضة، وترك عاشوراء\".

المنسوخ وجوب يوم عاشوراء، وأما استحبابه، فبقي كما في حديث عائشة المتقدم: \"فلما نزل رمضان كان من شاء صام ومن شاء أفطر\". بل الإجماع على استحبابه كما نقله الحافظ في \"الفتح\" (4-246) عن ابن عبد البر فتعين أنه باق، فدل أن المتروك وجوبه، والله أعلم.

 

استحباب صوم يومي التاسع والعاشر من المحرم ومخالفة اليهود والنصارى:

ويدل على ذلك الحديث الآتي:

عن أبي قتادة - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سُئِل عن صيام يوم عاشوراء فقال: \"يُكفر السنة الماضية\".

 

فقه الحديث:

استحباب صيام يوم عاشوراء وأنه يكفر ذنوب السنة الماضية، وفي صحيح مسلم من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: \"لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع\".

 

غريب الحديث:

قابل: عام مقبل.

فقه الحديث:

استحباب صيام يومي التاسع والعاشر من المحرم مخالفة لليهود والنصارى، كما أخرج مسلم عن ابن عباس قال: حين صام رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يوم عاشوراء وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله، إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى؟ فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: فإن كان العام المقبل إن شاء الله صمنا يوم التاسع، قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -.

 

تنبيه:

ذهب بعض أهل العلم أن المخالفة تقع بصيام يوم قبله أو بعده، واستدلوا بما روي عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: \"صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود، صوموا قبله يومًا أو يومًا بعده\".

قلت: هذا قول ضعيفº لأنه اعتمد على هذا الحديث الضعيف الذي في إسناده ابن أبي ليلى وهو سيئ الحفظ.

 

ثالثًا: بدع تقع من بعض الناس يوم عاشوراء:

قال العلامة علي محفوظ أحد علماء الأزهر الشريف في كتابه \"الإبداع في مضار الابتداع\" (138- 40) ما ملخصه: يقع في هذا اليوم كثير من البدع منها ما لا أصل له، ومنها ما يبنى على أحاديث موضوعة أو ضعيفة، كاتساع الأطعمة الخاصة بهذا اليوم- ولقد أحدث الشيطان بسبب قتل الحسين رضي الله عنه، بدعتين.

الأولى: الحزن والنوح واللطم والعطش وما يقضى إليه ذلك من سبّ السلف ولعنهم، وتقرأ أخبارًا مهيجة كثير منها كذب، وكان قصدُ من سنّ ذلك فتح باب الفتنة والتفريق بين الأمة، فإن هذا ليس مستحبًا ولا جائزًا باتفاق المسلمين.

الثانية: بدعة السرور والفرح- وكان بالكوفة قوم من الشيعة ينتصرون للحسين رضي الله عنه، وقوم من الناحية يبغضون عليا وأولاده، فأحدث هؤلاء السرور ورووا أنه من وسَّع على أهله يوم عاشوراء وسَّع الله عليه سائر سنته، وقد سُئل الإمام أحمد عن هذا الحديث فقال: لا أصل له، وليس له أصل ثابت إلا ما رواه عيينة عن ابن المنتشر وهو كوفي سمعه ورواه عن من لا يعرف وروا أنه من اكتحل يوم عاشوراء للم يرمد ذلك العام، ومن اغتسل يوم عاشوراء لم يمرض ذلك العام، فصار قوم يستحبون في هذا اليوم الاكتحال والاغتسال والتوسعة على العيال وهذه بدعة أصلها من خصوم الحسين، كما أن بدعة الحزن من أحبابه، والكل باطل وبدعة وضلالة، ولم يستحب أحد من الأئمة الأربعة وغيرهم لا هذا ولا هذا لعدم الدليل الشرعي، بل المستحب يوم عاشوراء الصيام عند جمهور العلماء مع صوم يوم قبله.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply