فضل صوم عاشوراء


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

ما هو فضل صوم عاشوراء، ولماذا الشيعة يضربون أنفسهم فيه، ولماذا يلعنون الصحابة - رضي الله عنهم -؟!  

 

الجواب:

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد: 

ننقل فيما يلي كلاما وافيا لشيخ الإسلام ابن تيمية فيه الجواب على السؤال: 

قال - رحمه الله -: \" فلما قتل الحسين بن علي - رضي الله عنهما - يوم عاشوراء قتلته الطائفة الظالمة الباغية وأكرم الله الحسين بالشهادة كما أكرم بها من أكرم من أهل بيته.

 

أكرم بها حمزة وجعفرا وأباه عليا وغيرهم وكانت شهادته مما رفع الله بها منزلته وأعلى درجته فإنه هو وأخوه الحسن سيدا شباب أهل الجنة والمنازل العالية لا تنال إلا بالبلاء كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سئل: أي الناس أشد بلاء فقال: {الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل. يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه وإن كان في دينه رقة خفف عنه ولا يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة} رواه الترمذي وغيره.

 

فكان الحسن والحسين قد سبق لهما من الله - تعالى - ما سبق من المنزلة العالية ولم يكن قد حصل لهما من البلاء ما حصل لسلفهما الطيب فإنهما ولدا في عز الإسلام وتربيا في عز وكرامة والمسلمون يعظمونهما ويكرمونهما.

 

ومات النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يستكملا سن التمييز فكانت نعمة الله عليهما أن ابتلاهما بما يلحقهما بأهل بيتهما كما ابتلى من كان أفضل منهما فإن علي بن أبي طالب أفضل منهما وقد قتل شهيدا.

 

وكان مقتل الحسين مما ثارت به الفتن بين الناس كما كان مقتل عثمان - رضي الله عنه - من أعظم الأسباب التي أوجبت الفتن بين الناس وبسببه تفرقت الأمة إلى اليوم ولهذا جاء في الحديث: {ثلاث من نجا منهن فقد نجا:موتي وقتل خليفة مضطهد والدجال}.

 

فكان موت النبي - صلى الله عليه وسلم - من أعظم الأسباب التي افتتن بها خلق كثير من الناس وارتدوا عن الإسلام فأقام الله - تعالى - الصديق - رضي الله عنه - حتى ثبت الله به الإيمان وأعاد به الأمر إلى ما كان فأدخل أهل الردة في الباب الذي منه خرجوا وأقر أهل الإيمان على الدين الذي ولجوا فيه وجعل الله فيه من القوة والجهاد والشدة على أعداء الله واللين لأولياء الله ما استحق به وبغيره أن يكون خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

 

ثم استخلف عمر فقهر الكفار من المجوس وأهل الكتاب وأعز الإسلام ومصر الأمصار وفرض العطاء ووضع الديوان ونشر العدل وأقام السنة وظهر الإسلام في أيامه ظهورا بان به تصديق قوله - تعالى -: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا} وقوله - تعالى -: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا}.

 

وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: {إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله} فكان عمر - رضي الله عنه - هو الذي أنفق كنوزهما.

 

فعلم أنه أنفقها في سبيل الله وأنه كان خليفة راشدا مهديا.

 

ثم جعل الأمر شورى في ستة فاتفق المهاجرون والأنصار على تقديم عثمان بن عفان من غير رغبة بذلها لهم ولا رهبة أخافهم بها وبايعوه بأجمعهم طائعين غير كارهين وجرى في آخر أيامه أسباب ظهر بالشر فيها على أهل العلم أهل الجهل والعدوان وما زالوا يسعون في الفتن حتى قتل الخليفة مظلوما شهيدا بغير سبب يبيح قتله وهو صابر محتسب لم يقاتل مسلما.

 

فلما قتل - رضي الله عنه - تفرقت القلوب وعظمت الكروب وظهرت الأشرار وذل الأخيار وسعى في الفتنة من كان عاجزا عنها وعجز عن الخير والصلاح من كان يحب إقامته.

 

فبايعوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وهو أحق الناس بالخلافة حينئذ وأفضل من بقي لكن كانت القلوب متفرقة ونار الفتنة متوقدة فلم تتفق الكلمة ولم تنتظم الجماعة ولم يتمكن الخليفة وخيار الأمة من كل ما يريدونه من الخير ودخل في الفرقة والفتنة أقوام.

 

وكان ما كان إلى أن ظهرت الحرورية المارقة مع كثرة صلاتهم وصيامهم وقراءتهم فقاتلوا أمير المؤمنين عليا ومن معهº فقتلهم بأمر الله ورسوله طاعة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لما وصفهم بقوله: {يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية أينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة}.

 

وقوله: {تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق} أخرجاه في الصحيحين، فكانت هذه الحرورية هي المارقة وكان بين المؤمنين فرقة والقتال بين المؤمنين لا يخرجهم من الإيمان كما قال - تعالى -: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} {إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم} فبين - سبحانه وتعالى - أنهم مع الاقتتال وبغي بعضهم على بعض مؤمنون إخوة وأمر بالإصلاح بينهم. فإن بغت إحداهما بعد ذلك قوتلت الباغية ولم يأمر بالاقتتال ابتداء.

 

وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الطائفة المارقة يقتلها أدنى الطائفتين إلى الحق فكان علي بن أبي طالب ومن معه هم الذين قاتلوهم. فدل كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - على أنهم أدنى إلى الحق من معاوية ومن معه مع إيمان الطائفتين.

 

ثم إن عبد الرحمن بن ملجم من هؤلاء المارقين قتل أمير المؤمنين عليا فصار إلى كرامة الله ورضوانه شهيدا وبايع الصحابة للحسن ابنه فظهرت فضيلته التي أخبر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح حيث قال: {إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين} فنزل عن الولاية وأصلح الله به بين الطائفتين وكان هذا مما مدحه به النبي - صلى الله عليه وسلم - وأثنى عليه.

 

ودل ذلك على أن الإصلاح بينهما مما يحبه الله ورسوله ويحمده الله ورسوله. ثم إنه مات وصار إلى كرامة الله ورضوانه.

 

وقامت طوائف كاتبوا الحسين ووعدوه بالنصر والمعاونة إذا قام بالأمر ولم يكونوا من أهل ذلك بل لما أرسل إليهم ابن عمه أخلفوا وعده. ونقضوا عهده وأعانوا عليه من وعدوه أن يدفعوه عنه ويقاتلوه معه.

 

وكان أهل الرأي والمحبة للحسين كابن عباس وابن عمر وغيرهما أشاروا عليه بأن لا يذهب إليهم ولا يقبل منهم ورأوا أن خروجه إليهم ليس بمصلحة ولا يترتب عليه ما يسر وكان الأمر كما قالوا وكان أمر الله قدرا مقدورا.

 

فلما خرج الحسين - رضي الله عنه - ورأى أن الأمور قد تغيرت طلب منهم أن يدعوه يرجع أو يلحق ببعض الثغور أو يلحق بابن عمه يزيد فمنعوه هذا وهذا. حتى يستأسر وقاتلوه فقاتلهم فقتلوه، وطائفة ممن معه مظلوما شهيدا شهادة أكرمه الله بها وألحقه بأهل بيته الطيبين الطاهرين.

 

وأهان بها من ظلمه واعتدى عليه وأوجب ذلك شرا بين الناس.

 

فصارت طائفة جاهلة ظالمة: إما ملحدة منافقة وإما ضالة غاوية تظهر موالاته وموالاة أهل بيته تتخذ يوم عاشوراء يوم مأتم وحزن ونياحة وتظهر فيه شعار الجاهلية من لطم الخدود وشق الجيوب والتعزي بعزاء الجاهلية.

 

والذي أمر الله به ورسوله في المصيبة - إذا كانت جديدة - إنما هو الصبر والاحتساب والاسترجاع، كما قال - تعالى -: {وبشر الصابرين} {الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون} {أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون}.

 

وفي الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: {ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية} وقال: {أنا بريء من الصالقة والحالقة والشاقة} وقال: {النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب}.

 

وفي المسند عن فاطمة بنت الحسين عن أبيها الحسين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: {ما من رجل يصاب بمصيبة فيذكر مصيبته وإن قدمت فيحدث لها استرجاعا إلا أعطاه الله من الأجر مثل أجره يوم أصيب بها}.

 

وهذا من كرامة الله للمؤمنين فإن مصيبة الحسين وغيره إذا ذكرت بعد طول العهد فينبغي للمؤمن أن يسترجع فيها كما أمر الله ورسوله ليعطى من الأجر مثل أجر المصاب يوم أصيب بها.

 

وإذا كان الله - تعالى - قد أمر بالصبر والاحتساب عند حدثان العهد بالمصيبة فكيف مع طول الزمان فكان ما زينه الشيطان لأهل الضلال والغي من اتخاذ يوم عاشوراء مأتما وما يصنعون فيه من الندب والنياحة وإنشاد قصائد الحزن ورواية الأخبار التي فيها كذب كثير والصدق فيها ليس فيه إلا تجديد الحزن والتعصب وإثارة الشحناء والحرب وإلقاء الفتن بين أهل الإسلامº والتوسل بذلك إلى سب السابقين الأولين وكثرة الكذب والفتن في الدنيا ولم يعرف طوائف الإسلام أكثر كذبا وفتنا ومعاونة للكفار على أهل الإسلام من هذه الطائفة الضالة الغاوية فإنهم شر من الخوارج المارقين.

 

وأولئك قال فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: {يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان}، وهؤلاء يعاونون اليهود والنصارى والمشركين على أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمته المؤمنين كما أعانوا المشركين من الترك والتتار على ما فعلوه ببغداد وغيرها بأهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ولد العباس وغيرهم من أهل البيت والمؤمنين من القتل والسبي وخراب الديار.

 

وشر هؤلاء وضررهم على أهل الإسلام لا يحصيه الرجل الفصيح في الكلام، ثم قال: وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: {إنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور. فإن كل بدعة ضلالة}.

 

ولم يسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا خلفاؤه الراشدون في يوم عاشوراء شيئا من هذه الأمور لا شعائر الحزن والترح ولا شعائر السرور والفرح ولكنه - صلى الله عليه وسلم - لما قدم المدينة وجد اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: {ما هذا؟ فقالوا هذا يوم نجى الله فيه موسى من الغرق فنحن نصومه فقال: نحن أحق بموسى منكم. فصامه وأمر بصيامه} وكانت قريش أيضا تعظمه في الجاهلية. واليوم الذي أمر الناس بصيامه كان يوما واحدا فإنه قدم المدينة في شهر ربيع الأول فلما كان في العام القابل صام يوم عاشوراء وأمر بصيامه ثم فرض شهر رمضان ذلك العام فنسخ صوم عاشوراء.

 

وقد تنازع العلماء: هل كان صوم ذلك اليوم واجبا؟ أو مستحبا؟ على قولين مشهورين أصحهما أنه كان واجبا ثم إنه بعد ذلك كان يصومه من يصومه استحبابا ولم يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - العامة بصيامه بل كان يقول: {هذا يوم عاشوراء وأنا صائم فيه فمن شاء صام}. وقال: {صوم يوم عاشوراء يكفر سنة وصوم يوم عرفة يكفر سنتين}. ولما كان آخر عمره - صلى الله عليه وسلم - وبلغه أن اليهود يتخذونه عيدا قال: {لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع} ليخالف اليهود ولا يشابههم في اتخاذه عيدا

 

ثم قال: 

والصحيح أنه يستحب لمن صامه أن يصوم معه التاسعº لأن هذا آخر أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - لقوله: {لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع مع العاشر} كما جاء ذلك مفسرا في بعض طرق الحديث فهذا الذي سنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply