بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
أما مغزاه الاجتماعي فهو ما يضيفه على القلوب من أنس، وعلى النفوس من بهجة وعلى الأجسام من راحة، وما يدعو إليه من تجديد أواصر الحب بين الأصدقاء، والتراحم بين الأقرباء.
في العيد تتقارب القلوب على الود، وتجتمع على الألفة، ويتناسى الناس أضغانهم، يجتمعون بعد افتراق، ويتصافون بعد كدر.
وفي العيد من المغزى الاجتماعي تذكير أبناء المجتمع بحق الضعفاء والعاجزين عليهم حتى تشتمل الفرحة بالعيد كل بيت، وتعم النعمة كل أسرة، وإلى هذا المغزى الاجتماعي العظيم يرمز تشريع صدقة الفطر في عيد الفطر، ونحر الأضاحي في عيد الأضحى، إن في تقديم صدقة الفطر ليلته إطلاقاً للأيدي الخيرّة، فلا تشرق شمس العيد إلا والبسمة تعلو شفاه الناس جميعاً.
أما المعنى الإنساني في العيد، فهو أن يشرك أعداداً لا حصر لها من أبناء الشرق والغرب بالفرح والسرور في وقت واحد، فإذا بالأمة تلتقي على الشعور المشترك بالغبطة، وإذا بأبناء الأمة الواحدة على اختلاف ديارهم يشتركون في السراء كما يشترون في الضراء، ففي العيد تقوية لهذه الروابط الفكرية والروحية التي يعقدها الدين ين أبناء مختلف اللغات والأقوام.
تلك هي بعض المعاني الاجتماعية والإنسانية في العيد، ومن ثم كانت الأعياد مظهراً واضحاً لهذه المعاني في كل مجتمع.
ومن أراد معرفة أخلاق الأمة فليراقبها في أعيادها إذ تنطلق فيها السجايا على فطرتها، وتبرز العواطف والميول على حقيقتها، والمجتمع السعيد هو الذي تسمو أخلاقه في العيد إلى أرفع ذروتها، ويمتد شعوره إلى أبعد مدى.
يوم كانت أمتنا تتذوق طعم السعادة في مجتمعاتنا، كان الأخ يفكر في ليلة العيد بجاره قبل أن يفكر بنفسه، ويقدم حاجة أولاد صديقه على حاجة أولاده.
حدّث الواقدي قال: كان لي صديقان أحدهما هاشمي، وكنا كنفس واحدة، فنالتني ضائقة شديدة، وحضر العيد فقالت امرأتي: أما نحن في أنفسنا فنصبر على البأس والشدة، وأما صبياننا هؤلاء فقد قطعوا قلبي رحمة لهم- لما عليهم من الثياب الرثة، فانظر كيف تعمل لكسوتهم؟.
قال الواقدي: فكتبت إلى صديقي الهاشمي أسأله التوسعة عليّ، فوجه إليّ كيساً مختوماً في ألف درهم، فما استقر في يدي حتى كتب إليّ الصديق الآخر يشكو مثل ما شكوت إلى صديقي الهاشمي، فوجهت إليه الكيس بختمه، ثم أخبرت امرأتي بما فعلته فاستحسنته ولم تعنفني عليه، فبينما أنا كذلك إذا وافاني صديقي الهاشمي ومعه الكيس كهيئته، فقال لي: اصدقني عما فعلت بالكيس الذي وجهته إليك، فعرّفته الخبر فقال لي: إنك حين طلبت مني المال لم أكن أملك إلا ما بعثت به إليك، ثم أرسلت إلى الصديق الثالث أسأله المواساة فوجه إليّ الكيس الذي بعثت به إليه.
قال الواقدي: فتواسينا الألف درهم فيما بيننا: كل واحد ثلاثمائة، ثم أخرجنا للمرأة مائة درهم، ونمى الخبر إلى المأمون، فدعاني وسألني فشرحت له الخبر، فالأمر لنا بسبعة آلاف، لكل واحد منا ألف دينار، وللمرأة ألف دينار هذا هو التعبير الصادق عند سمو الأخلاق الاجتماعية في كل أمة.
أريد أن نقتصد في ضحكنا فتبدو على وجوهنا مسحة من الحزن الكريم الوقور ينم على مبلغ عنايتنا بقضايانا واهتمامنا بما يجري في وطننا من أحداث ونكبات.
ما العيد إلا أن نعود لديننا *** حتى يعود قدسنا المفقــود
ما العيد إلا أن نكون أمة *** فيها محمد لا سواه عمــيد
ما العيد إلا أن نعد نفوسنا *** للحرب حيث بها هناك نجود
ما العيد إلا أن تكون قلوبنـا *** نحو العدو كأنها جلمـــودُ
كونوا أشداءً على أعدائكـم *** والله إن عدوكم لعنــــيدُ
فالمسلمون مكلفون بواجـب *** لم يلههم عنه هوى وجمـود
والمسلمون كبيرهم وصغيرهم *** بين الخلائق عالم محمــود
وصلى الله على نبينا محمد والحمدلله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد