اغتيال بوتو من صنع كرة الثلج الحمراء؟!


بسم الله الرحمن الرحيم

 

عاشت زعيمة حزب الشعب الباكستاني بنظير بوتو حياة سياسية مليئة بالأحداث الساخنة التي كانت تأخذ بها من أوج السلطة إلى تهديدات بالانتقال إلى عالم الإجرامي السفلي، ثم تذهب بها إلى الأحداث إلى المنفى في ظل سياسي بعيدا عن حياة باكستان الصاخبة ثم تجرها أقدامها إلى باكستان ثانية راغبة في إعادة التاريخ وارتقاء السلطة لكن تربصت بها رصاصات من فوه سياسية أخرجتها من التاريخ وأنزلتها إلى مثواها الأخير، لتترك من ورائها لغزا كبيرا تضع به ورقة دموية جديدة في ملف العائلة المكلومة من قبل بالأب والأخوين.

بوتو لاشك شكلت في حياتها السياسية رقما صعبا في المعادلة الباكستانية، واغتيالها في هذا التوقيت المفصلي في تاريخ البلاد سيفتح احتمالات كثيرة يمكن أن تنجر إليها باكستان، بقدر تلك الاحتمالات والتخمينات التي تدور حول الجهة صانعة فكرة الاغتيال وتلك اليد المنفذة والأهداف المتوخاه من هذا الاغتيال السياسي الذي لم يكن مفاجئا على كل حال ولكنه شكل مع ذلك صدمة كبرى لكثير من الأطراف الداخلية والخارجية.

فمنذ عودتها من منفاها في دبي في 19 أكتوبر الماضي وفتحت بوتو النار على خصومها وحلفائها على السواء، ودخلت حلبة الثيران بثوب أحمر قادها إلى حتف أنفها وفتح الباب واسعا أمام قائمة لا تنتهي من المشتبه بهم.

وقبل الخوض في الجهات التي يمكن أن تقف وراء اغتيال بوتو يهمنا أن نؤكد على مجموعة ثوابت ننطلق منها:

1ـ ما يمكن التوصل إليه في التحليل السياسي هو شئ مغاير عن التحقيقات الأمنية، فما يقود إليه ذلك التحليل هو تغليب فرضية قيام جهة ما بالعملية على جهة أخرى، بينما التحليل الأمني يسعى للوصول إلى الفاعل المباشر المنفذ للعملية.

2ـ الجهة المنفذة لعملية الاغتيال لابد وأنها تسعى من وراء الاغتيال لتحقيق أهداف محددة أو يكون لديها تخوفات مستقبلية مما يمكن أن تقدم عليه بوتو، وهنا لا تستبعد فرضية التعاون بين جهات متعددة يشكل التخلص من بوتو هدفا مشتركا لها.

3ـ بوتو كانت تشكل بوضعها الجديد رقما هاما في باكستان، ومن ثم فان اغتيالها قد يكون من ورائه هدفا أكبر من التخلص من شخصها وإنما يستهدف باكستان واستقرارها، على نحو ما هو مشاهد في لبنان من اغتيالات سياسية استهدفت في مقدمتها رقما كبيرا كرفيق الحريري وضع البلاد على قمة المنحدر.

4ـ عملية اغتيال بوتو ذات البعد السياسي منسقة ومنظمة بطريقة لا يستطيع القيام بها سوى محترفين لديهم إمكانيات الوصول إليها ومراقبة حركتها واختراق جهازها الأمني، وهو ما ينفى فرضية العمل الفردي والمبادرة لشخصية.

وانطلاقا من هذه الأرضية يمكن القول بأننا أمام افتراضيين أساسيين:

الفرضية الأولى: أن تكون الجهة القائمة بعملية الاغتيال تستهدف بوتو بشخصها

وفي ظل هذه الفرضية يمكننا القول بأن بوتو صنعت لنفسها طوقا من العداء داخل المجتمع الباكستاني، والتصريحات التي أدلت بها لا يستبعد أن تكون ارتدت إليها في صورة رصاصات أودت بحياتها.

ويمكن أن تستقصى من هؤلاء الأعداء الأتي:

1ـ الجماعات الإسلامية والمدارس الدينية

فقد هاجمت بوتو المدارس الدينية ووصفتها بأنها تخرج من تفرخ المتطرفين وتعلمهم صناعة القتل والعمليات الانتحارية والتفجيرات، وتحول الأطفال إلى قتلة باسم الدين والجهاد، وتوعدت بمواجهة حاسمة مع الجماعات الدينية المسلحة وانتقدت قبضة مشرف اللينة في مواجهة الإرهاب خاصة على الحدود مع أفغانستان وتوعدت بأخرى حديدية في مواجهة المسلحين الإسلاميين

 

 

 

يضاف إلى ذلك أن حزب الشعب الذي تتزعمه بوتو هو حزب علماني محسوب على الأفكار الغربية، وبوتو نفسها تحمل هدفا ورسالة أمريكية بضرورة المواجهة الحاسمة ضد المسلحين الإسلاميين، وعليه فإنها تمثل صيدا ثمينا لتنظيم القاعدة الذي يدخل في مواجهة مفتوحة مع الولايات المتحدة وأنصارها.

فلا يستبعد إذن في ظل هذه الملابسات والمستقبل المسكون بالتخوفات من وجود بوتو في السلطة من قبل بعض التيارات الدينية أن تكون قد أقدمت على التخلص منها، وان كانت هذه الفرضية يرد عليها أن العداء الرئيس بالنسبة لهذه التيارات هو مع الرئيس مشرف وليس مع بوتو التي لم تتعدى بعد حدود الأقوال بينما مشرف هو من قام بمذبحة المسجد الأحمر واتخذ خطوات جدية في اتجاه عرقلة عمل المدارس الدينية ومواجهة التيارات الدينية والقاعدة على وجه الخصوص.

 

2ـ المؤسسة العسكرية والاستخبارات

لم تسلم المؤسسة العسكرية رغم كونها الذراع الأقوى في باكستان من لدغات بوتو، الفكرية والعملية، فقد وهنت في حديث لها مع صحيفة "الاندبندنت" البريطانية من مدرسة التفكير السياسي التي تميل إلى مواجهة الإرهاب بنظام يدعمه الجيش، وتكوين شبه ديكتاتورية محكومة مستقرة، ووصفت ذلك بأنه "خطأ استراتيجي في الحسابات" قد تكون له انعكاسات مدمرة على المعركة ضد الإرهاب الذي يمثل أكبر خطر على أمن باكستان الداخلي.

وذهبت في تصريحاتها إلى حد اتهام الجيش الباكستاني بأنه يضم عناصر إرهابية، وأنها ستعيد الجيش إلى ثكناته، إذا عادت لرئاسة الحكومة، وستخضعه للسلطة المدنية وللدستور، رغم فشلها في ذلك سابقا.

ومن هنا يأتي السؤال هل استبق الجيش قرارات بوتو وحسم الصراع مبكرا قبل أن تنمو أظفارها، ويدخل الطرفان في صراع ليس الجيش في حاجة إليه على كل حال، أم أن تلك القيادات العسكرية والأجنحة ذات الميول الدينية في الاستخبارات العسكرية هي فقط من يقف وراء الاغتيال تخلصا من بوتو التي هاجمت المدارس الدينية وتوعدت بمواجهة حديدية مع المسلحين الإسلاميين باعتبارهم الأب الروحي والمظلة التي تحفظ هذه التيارات من خطر المواجهة والاستئصال؟!

 

3ـ نظام الرئيس مشرف

الرئيس مشرف أرغم على عودة بوتو، ولم يقبل بتلك العودة إلا بعد تعرضه لضغط شديد من الخارج، واضطر كذلك تحت ضغوط الداخل إلى التنحي عن قيادة الجيش المخلب القوي في البلاد، فماذا يبقي لمشرف الرئيس المدني إذا ما فازت بوتو بالانتخابات القادمة واعتلت الوزارة مجددا.

فالخوف قد يكون اعترى الجنرال من انقلاب الغرب عليه بعد استتباب الأمر لقائد الجيش الجديد المعروف بولائه للغرب عسكريا ولـ بوتو الأشد ولائا وحرصا على الرضي الغربي مدنيا.

فهل قرأ مشرف مخططا غربيا يرمي في النهاية إلى التخلص من التركة الثقيلة فاستبقه بتلك العملية لتعود الكرة في ملعبه مجددا؟!

ولكن في مقابلة هذه الفرضية هل يمكن لمشرف أن يقدم على هذه الخطوة ويتحدى الغرب بصورة سافرة، بل ويضع البلاد ومستقبله على حافة البركان مع علمه بأنه ربما يكون الشخص الأول الذي سيدفع ثمن تلك المغامرة سواء من الداخل المحتقن أومن الخارج الذي قارب على فقد الأمل فيه؟!

 

الفرضية الثاني: أن تكون الجهة القائمة بعملية الاغتيال تستهدف باكستان

يعتبر اغتيال بوتو ضربة للاستقرار في باكستان، حيث زادت مخاوف انفجار الوضع في البلاد، ومن رحم هذه المخاوف تأتي فرضية قيام قوى غربية بتنظيم العملية لزعزعة الاستقرار في باكستان والتمهيد لفرض الوصاية عليها ونزع سلاحها النووي.

فعلى ما يبدو أن القوى الغربية وعلى وجه التحديد الولايات المتحدة لديها رغبة في باكستان غير مستقرة يمكن من خلالها الادعاء بأن سلاحها النووي بأيد غير أمينة ويجب نزعه.

والمتأمل يجد أن النبرة الأمريكية عن "غزو باكستان"، بدعوى الحفاظ على التركة النووية، قد تعدت مجال الحديث العابر، وتهديدات زمن الانتخابات، كتلك التي أطلقها المرشح للرئاسة باراك اوباما إلى حد وضع الخطط التطبيقية والسيناريوهات التنفيذية.

فقد ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية في 3/12/2007 أن مجموعة من الخبراء العسكريين ومسئولي المخابرات الأمريكيين أجروا مناورة لدراسة السبل الممكنة للسيطرة على ترسانة باكستان النووية في حال بدأ النظام الباكستاني في الانهيار.

وأشارت الصحيفة إلى أن المناورة السرية كانت مهتمة بعدة نقاط، من بينها: عدد الجنود الأمريكيين المطلوبين للتدخل في باكستان، وهل يمكن عزل المخابئ النووية الباكستانية بزرع مناطقها المحيطة بالألغام؟ وهل يمكن القيام بعمليات إسقاط من الجو لحماية الترسانة النووية؟!

إعادة التفكير في باكستان على هذا النحو السابق هو ما دفع المؤرخ العسكري ومهندس خطة تعزيز القوات الأمريكية المنفذة حاليا في العراق، فريدريك كيغان، إلى حث إدارة بوش على دراسة إرسال قوات من النخبة إلى باكستان للاستيلاء على أسلحتها النووية في حالة انحدار هذا البلد إلى هاوية الفوضى.

وذكرت صحيفة جارديان البريطانية التي نشرت الخبر في عددها الصادر بتاريخ 1/12/2007 تحت عنوان "بوش يتسلم مخططًا للاستيلاء على الترسانة النووية الباكستانية"، أن كيغان يرى أن على الولايات المتحدة أن تحسب حساباتها لتحديد حجم الأزمة في باكستان وتحضير الرد المناسب عليها، حيث إنها لا تقل تهديدا لأمنها عما كانت تمثله الدبابات السوفيتية.

فباكستان، برأيه، هي "الاختبار المستقبلي الكبير"، وهو ما دعاه إلى تصور سلسلة من السيناريوهات الخاصة بباكستان، داعيا البيت الأبيض إلى التفكير في خيارات متعددة للتعامل مع "باكستان مزعزعة".

وتشمل تلك الخيارات إرسال قوات من النخبة البريطانية أو الأمريكية لتأمين الأسلحة النووية التي يمكن نقلها خارج البلاد وأخذها إلى مخزن سري في نيو مكسيكو أو إلى "حصن ناء" داخل باكستان.

واقترح أن يتزامن ذلك مع إرسال قوات إلى الحدود الشمالية الغربية لباكستان لقتال حركتي طالبان والقاعدة، على أن تحتل أمريكا إسلام آباد وتتدخل لمؤازرة الجيش الباكستاني في أقاليم البنجاب والسند وبلوشستان.

وحقيقية نجدها ماثلة، من واقع التفكير في مستقبل باكستان، أن الولايات المتحدة ومنذ اللحظات الأولى لحربها على "الإرهاب" في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وثمة توجه فكري يدفعها للعمل على غزو باكستان بينما ذراعها تمتد للعراق، باعتبار أن تلك الأولى هي من أوت القاعدة وباع علماؤها الأسرار النووية وقطع الغيار اللازمة لصنع أسلحة الدمار الشامل والقنبلة النووية لكوريا الشمالية وغيرها.

والسؤال هل يشكل اغتيال بوتو كرة الثلج التي ستنمو حتى نجد النووي الباكستاني في يد الولايات المتحدة وتحت حراستها بعد أن تدب أقدامهم ارض باكستان؟!

نحن إذن أمام فرضيات متعددة بعضها اقرب من بعض قد تتلاقي في بعض النقاط وتتقاطع في أخرى، وقد تقف اعتراضات قوية في مواجهة بعضها، وان كانت فرضية السلوك الغربي ومسئوليته عن هذا عن الفعل الدموي قريبة إلى حد كبير إذا ما ارتكنا في شطر من التفكير على قاعدة "الفوضى الخلاقة" وقواعدها التطبيقية في العالم العربي.

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply