بسم الله الرحمن الرحيم
ذكرت في الحلقة السابقة أنَّ أعداء الإسلام ينتهجون في حربهم للمسلمين طريقين متوازيين: التقتيل، والتذويب.
وبما أنَّهم اعتمدوا حرب الأفكار تجاه الدين الإسلامي والمسلمين عموماً، وفشلوا في تشويه الدين الإسلامي، فإنَّهم يحاولون وبشتَّى الصور والأساليب إلى صرفنا عن قوَّتنا التي تكمن في ديننا، ولا غرابة في أن يقول الأمريكي (ريسلر): "الأمَّة العربيَّة الآن حصان جامح كبا، وعلينا إبقاؤه في كبوته".
هناك اصطلاحات تواضع عليها جمع من قادة البلاد الغربيَّة تجاه الأمَّة المسلمة منها(حرب الأفكار)، ومن أوائل من نادى بذلك في هذا العصر(زينو باران) وهي باحثة تعمل في موقع مركز نيكسون، الصادر عنه تقرير بعنوان(القتال في حرب الأفكار) وممَّن اعتمد ذلك وبشدَّة (دونالد رامسفيلد)º فكثيراً ما كان يصرِّح بأهميَّة غزو العالم الإسلامي ثقافياً، ومنهم كذلك (دنيس روس) المبعوث الأمريكي السابق للشرق الأوسط، فقد كان يدعو ـ ولا يزال ـ إلى علمنة الدعوة الإسلاميَّة، وجمع كبير من قادة الدول الغربيَّة.
وعليه فقد وجَّه الأمريكي الصهيوني توماس فريدمان نصيحة غالية للغرب حيث قال: (إذا أراد الغرب تجنّب حرب الجيوش مع الإسلام، فإنَّ عليه خوض حرب المبادئ في داخل الإسلام)[1]
وفي عام(2007م) أصدرت مؤسَّسة (راند) الأمريكيَّة للأبحاث تقريراً بعنوان: (بناء شبكات مسلمة معتدلة) رصدت فيه صراع الغرب مع (العالم المسلم) وحركاته السياسيَّة، وأكَّدت فيه أنَّ هذا الصراع لن يحسم عسكرياً بل ثقافياً.
وفي هذه السلسلة سأذكر شيئاً من تلك الاستراتيجيَّة الغربيَّة والأمريكيَّة على وجه الخصوص، لتذويب الشعوب الإسلاميَّةº التي يسعون لتحقيقها في العصر الحاضر بغيةَ تغريب الأمَّة المسلمةº لإفساد دينها وقيمها ومبادئهاº ففي أروقة المكر السياسي، وما وراء الجدران وخلف الكواليس، تنسج وتحاك تلك الخطط الغربيَّة ضد العالم الإسلامي أو ما يسمٌّونها بمنطقة (الشرق الأوسط)، على أيدي سماسرة الأفكار وصنَّاع القرار، في المراكز المعروفة عندهم بخزانات التفكير، المقصود بها مراكز الأبحاث.
ومن تلك الخطط والمقترحات التي نستطيع أن نستخلصها من كلامهم أو فعالهم، والتي اعتُمِدت تجاه العالم الإسلامي:
منح الحداثيين والليبراليين منابر إعلاميَّة بشكل واسع، ومناصب شعبية للتواصل مع الجماهير، ودعمهم عن طريق المؤسسات المدنيَّة ـ كما يسمٌّونها ـ، ونشر وتوزيع أعمالهم، وتشجيعهم على الكتابة للجماهير والشباب، وإبرازهم كوجه للتيار المتنوِّر المنفتح على الآخر الذي لا يعارض الهيمنة الغربية والأمريكية على بلاد المسلمين، وتجنيسهم الجنسيَّة الأمريكيَّة أو الغربيَّة عموماً، مع الحماية لهم دبلوماسياً.
وقد جاء في الدراسة الصادرة عن مؤسَّسة (راند)[2] والمعنونة بـ: (العالم الإسلامي بعد 11/9) وقد نشرت في ديسمبر / كانون الأول عام 2004مº ما يلي: " إنَّ الحرب من أجل الإسلام سوف تتطلَّب صنع جماعات ليبراليَّة بهدف إنقاذ الإسلام من خاطفيه".
ويلحظ مدى التوافق في لفظ كلمة (الخاطفين التي تُطلَقُ على الإسلاميين) حيث إنَّه من العجيب أن نرى تصريحاً لأحد قادة الدول العربيَّة يتحدَّث فيه أنَّ من المهم إنقاذ الإسلام من خاطفيه الإسلاميين، وأنَّ دولته تلك مختطفة من قِبَلِ التيَّارات المتأسلمة، وأنَّ هؤلاء أخطبوط يسيطر على المؤسَّسات وعلى التوجٌّهات السياسيَّة. [3]
كما صدرت دراسة جديدة لهذه المؤسَّسة (راند)[4] (شهر ربيع الأول عام 1428هـ / 2007م) بعنوان: (بناء شبكات مسلمة معتدلة) أوصت فيه وبشدَّة بدعم الليبراليين على حساب الإسلاميين، ووضعت فيه معايير بـ(أن يكون هناك اختبار للاعتدال بالمفهوم الأمريكي يتم من خلاله تحديد من تعمل معهم الإدارة الأمريكيَّة وتدعمهم في مقابل من تحاربهم وتحاول تحجيم نجاحاتهم)[5].
ويشير التقرير إلى أهميَّة تقوية بناء مؤسسات المسلمين وشبكاتهم المعتدلة، وأن يكون ذلك هدفاً واضحاً لسياسة الحكومة الأمريكية مع إيجاد قاعدة بيانات عالمية للشركاء، بالإضافة إلى خطة عمل محكمة تتضمن آلية للمراجعة والتصحيح لضمان تنفيذها وفق المسار المحدد لها. [6]
كما كتب عن أهميَّة دعم الليبراليين و تفعيل ذلك قبالة الإسلاميين، عددٌ من المفكِّرين الغربيين ومنهم عالم السياسة المعروف بـ(وليم بيكر)º حيث كتب كتاباً عن الإسلاميين الليبراليين في عام2003م، وكذلك فعل(لونارد بيندر).
وفي السياق ذاته فإنَّ تقرير راند(2007م) يؤكِّد على أهميَّة استعادة تفسيرات الإسلام من أيدي التيَّار الإسلامي، وتصحيحها حتَّى تتماشى وتتناسب مع واقع العالم اليوم، والقوانين والتشريعات الدوليَّة في مجالات الديموقراطيَّة وحقوق الإنسان وقضايا المرأة. [7]
* رؤى غربيَّة بعقول وأشكال عربيَّة:
سنجد بكل تأكيد أناساً من المنتسبين للإسلام الليبرالي، أو (الليبراليٌّون الجدد) يتلقون ويتلقَّفون الأوامر الأمريكيَّة ـ شعروا أو لم يشعروا ـ ويسعون لتطبيقها في بلادنا الإسلاميَّة، وينشرون آراءهم عبر وسائل الإعلام المختلفةº فهناك عدد من الكتَّاب لا يعارضون وجود الهيمنة العسكريَّة الأمريكيَّة في الدول الإسلاميَّة، ومنهم أحد الكتَّاب الخليجيينº حيث يقول في حوار معه في جريدة الحياة 9/5/2005م بأنَّ هيمنة الغرب العسكرية على العالم مقبولة ومطلوبةº لأنَّها ـ من وجهة نظره ـ هيمنة لقوى متحضِّرة تتعامل مع الواقع بعقلانيَّة ومنطقيَّة!!
وكاتب آخر يقول في جريدة القبس 29/5/2004م: (الذين يقاتلون الولايات المتَّحدة في العراق يعرِّضون المصالح والأمن الكويتي للخطر)!
بل وصل الحال أن نشرت في بعض صحفنا وجرائدنا مقالة لأحد هؤلاء (الليبراليين)يقول فيها: (ولماذا نكره أمريكا وهي التي أطعمتنا من جوع وآمنتنا من خوف؟)!
إلى هذه الدرجة وصل حال بعض مثقَّفينا العرب الذين يرطنون بلغتنا العربيَّة ويلبسون ألبستنا، إلى الحديث صراحة وعلانيَّة في وسائل الإعلام بهذا الكلام، ومع هذا يُتَلقَّى كلامهم بدرجة الأريحيَّة والحريَّة من هذه الوسائل الإعلاميَّة (المستنيرة)!.
ومن خلال المتابعة نجد أنَّ هناك عدداً كبيراً لا أستطيع أن أحصيهم، تحاول كثير من وسائل الإعلام ترويج أفكارهم في هذه الحقبة الزمنيَّة، ومنهم(محمد شحرور) و(محمد أركون)و(أحمد صبحي منصور) و(أحمد البغدادي) و(جمال البنَّا) الذي له من الأقوال الضَّالة المخالفة لمنهج الشريعة الشيء الكثير، ومع هذا يسمونه(مفكِّراً إسلاميَّاً) وهو الذي دعا إلى تنحية السنَّة والاحتكام بما فيها إلى الصريح من القرآن، ويرى أن تكون الصلوات الخمس صلاتين! ويرى أنَّ للعقل أن يكون حاكماً على القضايا الدينيَّة والشرعيَّة، كما يدعو إلى الفصل ما بين الدين والسلطة، ويرى أنَّ الجهاد في سبيل الله أُلغِيَº حيث يقول: (أمَّا جهاد اليوم بلفظه فهو جهاد بلا قتال، وأنَّ جهاد القتال أُلغي)[8].
و(جمال البنَّا) معروفة اتِّصالاته مع مركز ابن خلدون الذي يديره ويشرف عليه العلماني سعد الدين إبراهيم، المشتهر والمعروف بصلته مع الجهات اليساريَّة الأمريكيَّة، كما أنَّ (جمال البنا) ممَّن يُشهد لهم ويُعرفون بحضورهم للمؤتمرات الأمريكيَّة عميقة الصلة مع مؤسَّسة راند التي أقيمت بمصر.
وبهذا يتحقَّق للقادة الغربيين مخطَّطهم في تشويه الدين الإسلامي عبر هؤلاء الذين يقولون عن أنفسهم بأنَّهم: (إسلاميٌّون ليبراليون)!
لقد قال(نيكولا ساركوزي) وزير الداخليَّة الفرنسي السابق: (الإسلام الذي تريده فرنسا هو إسلام فرنسي، وليس إسلاماً في فرنسا)[9]، فهم أظهروا هذا الكلام بأفواههم، وما تخفي صدورهم أكبر، فقادة الغرب الآن وعلى رأسهم قادة أمريكا يريدون إسلاماً: (بلا أسنان) أو(إسلاماً على الطريقة الأمريكيَّة) أو(إسلاماً مدجَّناً) أو(إسلاما متأمركاً) أو(إسلاما مهجَّناً وديعاً) ـ سمِّه ما شئت ـ ليجعلوا الإسلام لا يتعارض مع النظم والقيم العلمانية، وليتجرَّد من طابعه المقدَّس والمنزَّل من عند اللهº ممَّا يؤدي بأصحابه إلى عبور الطريق إلى قنطرة العلمانيَّة المحضة التي تقتصر في الحكم ومرجعيته على العقل الإنساني في معرفة حقائق الوجود والتفاعل معها وتصريف شؤون الحياة بالمرجعيَّة الكاملة إلى العقل.
ولك أن تستغرب ما يكتبه حفيد الشيخ حسن البنَّا - رحمه الله - وهو طارق رمضان في كتابه (مسلمو الغرب ومستقبل الإسلام) الذي نشرته جامعة أكسفورد، حتَّى إنَّ مجلة التايم عام 2000م جعلته كأحد أهم مئة مبدع في القرن القادم، وقد نادى في كتابه هذا بضرورة اندماج المسلمين في الغرب(و إيجاد إسلام غربي توجهه الحقائق الثقافية للغرب، وتقديم رؤية لهوية إسلامية جديدة كخطوة ضمن محاولات تعديل وإعادة تشكيل الثقافة الدينية للمسلمين)[10].
* أوصاف المسلمين المعتدلين الذين لا يتعارضون مع المفاهيم الغربيَّة والأمريكيَّة خصوصاً:
في مقال له بعنوان: (كيف نحدِّد المسلمين المعتدلين؟) أشاد (دانيال بايبس) بأنَّ هناك أخباراً سارَّة تؤكِّد بأنَّ هناك أشخاصاً يرفعون أصواتهم لنشر الإسلام المعتدل، وذكر منهم محمد هشام قبَّاني وأحمد صبحي منصور!
من خلال العنوان السابق: (كيف نحدد المسلمين المعتدلين؟) يظهر لنا من خلاله أنَّ لدى القادة الفكريين والسياسيين في الغرب نَهَمَاً لمعرفة الحدود الفاصلة بين المسلمين المتطرفين ـ بزعمهم ـ والمعتدلين، وعليه فقد حاولوا أن يضعوا مواصفات ومقاييس ليقاس عليها أي أحد ادَّعى أنَّه معتدلº إذ ليس كل مدَّعٍ, للاعتدال من الإسلاميين يكون معتدلاً كما يقول تقرير راند، ولهذا فإنَّ من الملامح التي يمكن تحديدها للإسلاميين المعتدلين الآتي:
(1) القبول بالديموقراطيَّة الغربيَّة مبدأً وأسلوباً وتطبيقاً.
(2) القبول بالموقف المضاد لتطبيق الشريعة، باعتبار أنَّ الشريعة الإسلامية لا تتناسب مع هذا العصر و المفهوم الغربي للديمقراطيَّة. وقد جاء في تقرير راند: (إنَّ الخطَّ الفاصل بين المسلم المعتدل وبين المسلم المتطرف في الدول ذات الأنظمة القانونيَّة المستندة إلى التشريعات الغربيَّة هو: هل يجب تطبيق الشريعة؟)[11].
(3) احترام حقوق النساء والأقليات الدينيَّة، ودعوى أنَّ الحقوق التي نالتها المرأة في عصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تتناسب مع الظروف الراهنة العصريَّة.
(4) نبذ العنف والإرهاب. وهذه شنشنة إلى الآن لم تُحدَّد من قِبَلِ قادة الغرب، وما مقصودهم بالإرهاب؟.
(5) الإيمان بحقِّ الإنسان بتغيير دينه والارتداد عنه وحريَّة الشخص في ذلك.
(6) حريَّة المرأة في اختيار (الرفيق وليس الزوج) لتتشارك معه في حياتها.
(7) الوقوف بشكل حاد ضدَّ دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - ومعاداة كتبه، وعدم التوافق مع أفكاره وطروحاته.
(8) دعم التيارات العلمانيَّة ماديَّاً ومعنوياً.
(9) الإيمان بحق الأقليَّات الدينيَّة بأن تتولَّى مناصب عليا في الدول ذات الغالبيَّة الإسلاميَّة.
* الليبراليٌّون والطروحات الأمريكيَّة...ومشابهة التوجهات:
بالطبع فإنَّ هؤلاء (الليبراليين الإسلاميين) يكثرون ويدندنون بالحديث حول عدَّة قضايا بعضها صواب وحق، ولكنَّهم يريدون بها الباطل، ومن صفات أهل البطلان حين يريدون أن يروِّجوا لباطلهم، أنَّهم يستخدمون خلاله كلمة حق ينفذون من خلالها لذلك الباطل إذ لو أنَّهم تكلموا بالباطل وحسب لم يقتنع أحد بكلامهم، فلا بدَّ أن يطعِّموا بذلك الباطل شيئاً من الحق ليروِّج باطلَهم.
وقد صدق أبو العبَّاس ابن تيميَّة حين قال: "ولا ينفق الباطل في الوجود إلا بثوب من الحق، كما أن أهل الكتاب لبسوا الحق بالباطلºفبسبب الحق اليسير الذي معهم يضلون خلقاً كثيراً عن الحق الذي يجب الإيمان به، ويدعونه إلى الباطل الكثير الذي هم عليه، وكثيراً ما يعارضهم من أهل الإسلام من لا يحسن التمييز ببن الحق والباطل ولا يقيم الحجة التي تدحض باطلهم ولا يبين حجة الله التي أقامها برسلهº فيحصل بذلك فتنة!)[12]
وهؤلاء (الليبراليون الإسلاميون) من المنتسبين للمدرسة العقليَّة يحاولون قدر الإمكان أن يستدلوا على صحَّة كلامهم بطرق عديدة، وهناك قضايا يكثرون الدندنة عليها بعضها صواب وحق ولكنَّهم يريدون بها باطلاً، ومنها:
1ـ تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان.
2ـ رفع الحرجº بحجَّة عموم البلوى المنتشرة.
3ـ الضرورات تبيح المحظورات.
4ـ مفهوم التيسير في الدين.
5ـ المقاصد الشرعيَّة.
وبعضها غلط وانحراف وتحريف للأفهام، ويستثمرونها لإقناع الناس بأصحيَّة تلك الآراء المنبعثة من تلك القواعد، ومن ذلك:
1ـ إلغاء قاعدة: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
2ـ المصالح المرسلة (الموهومة) وتقديمها على النص.
3ـ إلغاء الحدود استناداً لقاعدة درء الحدود بالشبهات.
4ـ نقض قاعدة: سد الذرائع.
5ـ نقض قاعدة: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
6ـ الاقتصار على الاستحسان العقلي، وتعظيم العقل وتقديمه على النقل.
7ـ نبذ الجهاد القتالي سواء أكان دفعاً أم طلباً. (ومن يطالع فكر خالص جلبي في كتابه: (سيكولوجيَّة العنف وإستراتيجيَّة الحل السلمي) وكتاب شيخه جودت سعيد (مذهب ابن آدم الأول) فسيوقن حقيقة ما أقول.
* حتَّى لا نكون مشاريع أمريكيَّة:
لقد قال - تعالى -: (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين)، ونحن المسلمين ينبغي أن نعلم أنَّ من أعظم أهداف أعداء المسلمينº حرف المسلمين عن دينهم ليتَّبعوا مللاً ونحلاً ضالَّة أو كافرة، كما يقول الله - تعالى -عنهم: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتَّى تتَّبع ملَّتهم) ولهذا فإنَّه من اللازم أن نقابل مكر هؤلاء بما يبطل مكرهم ويدحض كيدهم، ونحسن مواجهتهم بطرق ووسائل وأساليب عدَّة ننصر بها مشروعنا الإسلامي الحق، ومن ذلك:
1ـ تشكيل مجموعة من العلماء والمفكِّرين والمثقفين المسلمين المنضبطين بأصول الشريعة لدراسة هذه الظاهرة التخريبيَّة، وكشف ولاءاتها بكلِّ صراحة.
2ـ فضح هؤلاء وتبيين خطرهم على الأمَّة المسلمة ومدى استفادتهم ـ شعروا أو لم يشعروا ـ من الحماية الأمريكيَّة والغربيَّة لهم، لا! بل الفرح بأقوالهم، ومحاولة جعل هؤلاء هم المسيطرين على المنابر الإعلامية وصناعة القرار.
3ـ من كانت لديه مقدرة على مناظرة هؤلاء وكشف أقوالهم والرد عليها بحكمة وعلم ويقينº فليقدم على ذلكº حتَّى لا ينخدع الناس بأقوالهم وخصوصاً العوام.
4ـ الولوج إلى الفضائيات ومحاولة إخراج برامج متخصصة في كشف الأصول التي يسير عليها أصحاب هذا الفكر المنحرف(لبرلة الإسلام)، ومن المهم جداً نقض أصولهم. وعليه فإني أقترح أن يكون هناك دور للعلماء الذين يجمعون بين العلم الشرعي مع إتقان علم الأصول ومتابعتهم لكتابات الليبراليين وطرق طرحهم واستدلالهم، بأن يقوموا مثنى وفرادى لتوضيح حقائق تلك القواعد الأصوليَّة والفقهيَّة على وجه الحقيقة بدون غلو أو تمييع، وكشف أهداف أولئك الليبراليين الجدد في طرحهم واستدلالهم بتلك القواعد وتبيينها للناس.
5ـ تبيين مدى ارتباط بعض هؤلاء وليس كلهمº حتى لا نجور في حكمنا ـ بالقوى الغربيَّة والاستعماريَّةº فالناس في البلاد الإسلاميَّة عموماً يكرهون المحتل ومؤسَّساته وعملاءه. وهذا جهد مهم ينبغي أن نستثمره نحن الإسلاميين لصالحنا، والزيادة عليه بتبيان خطورة طروحات هؤلاء وارتباطهم بمنظومات مشبوهة.
6ـ توضيح طرق أطروحات هؤلاء (الليبراليين) للناس، وشرح أبعاد مراداتهم ومقالاتهم وكيفيَّة تناولهم لأصول الشريعة الإسلاميَّة وثوابتها.
7ـ من الضروري ألاَّ تكون تقارير كتقرير (راند) مثلاً، مكوِّناً أساسيَّاً في نظرتنا للناس من خلاله، فهذا التقرير وغيره من التقارير، ينبغي أن يقاس بالمنهج الصحيح: (منهج أهل السنَّة والجماعة) ولا نقيس الأشخاص والأفكار التي وردت فيه، إلاَّ من خلال منهجنا: (منهج أهل السنَّة والجماعة).
8ـ ضرورة فتح علاقات جادَّة من أبناء المسلمين المتأصِّلين في الشريعة والفكر السياسي والاستراتيجي مع أولئك المعتدلين في الغرب، ومحاولة شرح حقوقنا الإسلاميَّة، وتعديل نظرتهم أكثر فأكثر لمناصرة حقوقنا، وأذكر أنَّه كان هناك حوار من مجلَّة البيان الإسلاميَّة مع نعوم تشومسكي، وقال كلاماً جيداً ضدَّ الإدارة الأمريكيَّة والعنجهيَّة الصهيونيَّة، ولكنَّه انطلت عليه إشكاليَّة أن لإسرائيل الحق في أن يكون لها دولة مستقلَّة على الأراضي الفلسطينيَّة، بجانب الدول الفلسطينيَّة. وهذا في الحقيقة أمر لا صحَّة له، من ناحية قانونيَّة وسياسيَّة وشرعيَّة ـ وليس هنا موضع الرد عليه ـ فأرض فلسطين وقف إسلامي لا يجوز إجماعاً أن يكون لليهود حق أخذ شبر منها، أو الاعتراف لحقِّ وجودهم في تلك الأراضي المقدَّسة.
إذاً لا بدَّ من الانفتاح على أصحاب النظرات والأفكار المعتدلة في الغرب، لتقوية أواصر العلاقة بيننا كمسلمين وبينهم وإن كانوا غير مسلمينº لمناصرة حقوقنا وقضايانا الإسلاميّة العادلة، وتصحيح المفاهيم المغلوطة لديهم.
وإذا كانوا يصفون معركتهم معنا بأنَّها معركة العقول والقلوب والدولارات ومعركة لكسب الأفكارº فليكن لنا معهم طريقة لكسب العقول والأفكار المعتدلة.
وقبل الختام: أرى توضيح نقطتين مهمَّتين:
(1) حول نظريَّة المؤامرة:
قد يعتقد بعضهم أنَّ هذه السلسلة تصب في إطار تعزيز نظريَّة المؤامرة أو من يقول بها، وأحب أن أقول: نعم! نحن ضد المبالغة في هذا الموضوع، لكن نحن لا نستطيع إنكارما يُقلع العين. وهؤلاء يقال لهم: إما أن تنكروا نظرية المؤامرة، وإما أن تقروا بهاº فإن كانت الثانية فالتحذير منها واجب، وإن كانت الأولى فلنحتكم للواقع المزري في الهجمة الشرسة ضدَّ الإسلام وأهله. وأكرِّر ما جاء في الحلقة الماضية بأنّنا: (لا نقول بأنَّ الخلل كلَّه في الكفَّار فحسبº بل فينا ما فينا من التقصير والخلل الكبيرº ومن ذلك ضعف العقيدة، وقصور الهمَّة، ودونيَّة الإرادة لتغيير ما في النفوس، والواقع المزري من مظاهر الضعف، وضعف التدين، وانفكاك الوحدة.... إلى غير ذلك من التقصير الكبير).
ولعلَّ هذا يكون كافياً في أنِّي لا أجعل المسألة كلها في أعناق أعداء المسلمين، وكأنِّي جعلتهم شمَّاعة نضع عليها قصورنا وأخطاءنا!
(2) ليسوا سواء!
من المعلوم قطعاً لأهل الإنصاف والعدل أنَّ غير المسلمين يختلفون في تصوٌّراتهم ومواقفهم تجاه المسلمين، فيستحيل إذاً أن نجعلهم في سلَّة واحدة، أو في كتلةº فإنَّ غير المسلمين ليسوا سواء في الحقد والعداوةº فهم في الميزان الشرعي والسياسي يختلفونº فيستحيل أن نضع (هنتنغتون)و(فوكوياما) و(فريدمان) في صف (جون أسبوزيتو) و(نعوم تشومسكي) و(إدوارد سعيد)، ممَّن لديهم رؤى أقرب إلى الاعتدال من التعصبٌّ أو التشدٌّد تجاه المسلمينº فنحن ندرك أنَّ هناك عدداً ممَّن ينصر قضايا المسلمين ـ وإن كانوا قلَّة ـ بيد أنَّ النظرة السائدة الآن في الغرب هي نظرة مضادة وحاقدة على الإسلام بوصفه ديناً وعلى المسلمين بوصفهم مجتمعاً.
وإذا كانت هناك دول غير مسلمة تكون أو ستكون حليفاً استراتيجياً يناصرنا نحن المسلمين في قضايانا ومواقفنا السياسيَّة والعسكريَّة، فلا أظنٌّ أنَّ مسلماً عاقلاً يمتنع عن القبول بذلك، بل إنَّه أمر من المهم بمكان، وخصوصاً في زمن تحالف فيه أعداء المسلمين وشكَّلوا (تحالف الشر) في الحرب على الإسلام والمسلمين، ولنا بسيرة رسول الهدى - صلى الله عليه وسلم - أسوةº فقد تحالف مع بعض الكفَّار تجاه آخرين يرسمون له العداء، فإذاً المسألة بحاجة لموازنة ودقَّة في الحكم وتحرير محل النزاع.
--------------------
[1] يديعوت احرونوت، 26/ 8/2003م.
[2] مؤسسة راند تعنى بالبحوث والدراساتº حيث تأسَّست عام 1948م ولها علاقات تجمعها مع وزارة الدفاع الأمريكيَّة، وغالباً ما يتمٌّ العمل بتوجٌّهاتها بناء على التقارير التي تقدِّمها للولايات المتحدة، وقد صدرت هذه الدراسة عام 2004م بعنوان(الإسلام المدني الديمقراطي: الشركاء والموارد والاستراتيجيَّات) وكتبتها (شيرلي بيرنارد) وهي نمساويَّة ومديرة سابقة لمعهد الأبحاث في فيينا، وهي زوجة زلماي خليل زادهº المساعد الخاص للرئيس بوش، وكبير مستشاري الأمن القومي، وهو المسئول عن الخليج العربي حاليَّاً، والسفير الأمريكي في العراق سابقاً.
[3] بتصرٌّف من حوار برنامج (إضاءات) في قناة العربيَّة مع سفير الكويت سابقاً في واشنطن لمدة 12 عاماً، العربية نت، (7/1/2005)
[4] لمزيد من الاطِّلاع: http://www.rand.org/
[5] مقطع من تقرير أعدَّه الدكتور باسم خفاجي مدير المركز الدولي لدراسات أمريكا والغرب.
[6] هذا التقرير أعدَّه الباحث(أنجل راباسا، شيريل بينارد، لويل شوارتز، وبيتر سيكل)، وقد كتب عنه الدكتور: باسم خفاجي مقالاً جيِّداً في مجلَّة البيان، عدد(236)، بعنوان (المفهوم الأمريكي للاعتدال الإسلامي، قراءة في تقرير راند 2007).
[7] مقطع من كلام للدكتور باسم خفاجي في تقرير حول تقرير راند.
[8] الجهاد أضغاث أحلام: ص121.
[9] جريدة السبيل، 29/4/2003م.
[10] نافذة على الغرب السنة الأولى (العدد الرابع) صفر 1427هـ ـ مارس 2006م، وهي نشرة تصدر عن مجلة البيان وتعنى بالتعريف بأحدث الكتب والدراسات الغربية حول العالم الإسلامي.
[11] من مقال الدكتور خفاجي.
[12] الفتاوى الكبرى:(1/401).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد