بسم الله الرحمن الرحيم
إن رواية (الآيات الشيطانية) لسلمان رشدي، ليست الأولى ولا الأخيرة في حلقات الهجوم المضاد على مواقعنا الدينية والحضارية، ولقد أُعطيت هذه الرواية إذا جازت التسمية حجماً أكبر من حجمها الحقيقيº فهي ليست بالرواية التي تمتلك مطالبها الفنية في سياق نوعها الأدبي، كما أن كاتبها أُعطي حجماً أكبر من حجمه وهو لا يعدو أن يكون أداة للشتم واللعن..فغدا بسبب الإثارات المتزايدة بطلاً، وضحية تلجأ القيادات الغربية إلى حمايته من المطاردة والإرهاب.
إنه وروايته أتفه من أن تثار حولهما ضجة كهذه، وكان يتحتم قتله بالصمت ولكن، وعلى أية حال، فإن محاولته تجيء في سياق توظيف واسع النطاق للخطاب الأدبي ضد المسلم في العالم، وهي ليست المحاولة الوحيدة، كما أنها الحلقة الأضعف في سلسلة حلقات.. تبدأ منذ زمن بعيد وتمضي إلى أهدافها في تصعيد الحملة ضد الإسلام والمسلمين.
ولقد أتيح لي، أن أشهد في لندن وحدها وبالإنجليزية فقط، في صيف عام 1990م ما يزيد على الثلاثين رواية كلها تنسج بالمغزل نفسه وتستهدف القضية ذاتها: الهجوم بقوة الكلمة وتقنيّاتها الجمالية على مواقع المسلمين كافة: رسالة وعقيدة وديناً وحضارة وقادة وعادات وأذواق وتقاليد.. مستخدمة كل صيغ التزوير والتحوير والتزييف من أجل تحقيق هدفها المزدوج: تدمير ثقة المسلم بنفسه وعقيدته وحضارته وقياداته من جهة، وتقديمه للآخر في صورة مشوّهة مهزوزة تمنح القناعة بضرورة استمرارية قيادة الرجل الأبيض للعالم، والتحكم بالمصير البشري!
وشبابنا لا يزالون يتجادلون في الظاهرة الأدبية والفنية، هل هي حلال أم حرام.. وإذا كانت حلالاً فهل هي من الجدية بالدرجة التي تجعل الشباب يتجاوزون دراساتهم الشرعية الملزمة، وينحدرون باتجاه مطالب هامشية قد لا تكون ذات غناء؟
لأضرب بعض الأمثلة على قدرة الخطاب الأدبي والفني على التأثير، والفاعلية الفكرية والوجدانية التي ينطويان عليها:
الكثيرون منا شاهدوا فيلم (الرسالة) و(عمر المختار) اللذين أخرجهما مصطفى العقاد، ولمسوا التأثير الإيماني العميق للخطاب الفني عندما يمتلك تقنياته الجيدة ويتحقق بقدر كبير من قوة الأداء.. والفيلمان على ما فيهما من مآخذ ليس هذا مجال الحديث عنها حققا ما لم تحققه مئات الخطب والمواعظ والدروس والمحاضرات.. إننا هنا قبالة اختزال من نوع فريد.. قبالة تكثيف في الجهد يمنحنا في ساعتين أو ثلاث ما لا تمنحنا إياه عشرات الساعات ومئاتها في حلقات الخطاب الفكري أو الجدلي.
وإن المرء ليتساءل: هل بالإمكان ممارسة توظيف أكثر فأكثر للخطاب الفني في مجابهة عوامل الغزو والتفكيك والإفساد؟
لقد مارسنا بهذين الفيلمين غزواً مضاداً إذا صح التعبير.. والذين عادوا من ديار الغرب حدثونا عن التأثير البالغ الذي أحدثه فيلم "الرسالة" في عواصم أوروبا وعن حشود الجماهير الأوروبية التي راحت تتدفق على صالات العرض على مدى الأسابيع والشهور الطوال لمشاهدة فيلم يحدثهم بقوة الأداء الفني وجمالياته عن ظهور الإسلام ونبيه - صلى الله عليه وسلم - ورجالاته بنبرة صدق لم يألفوها وسط الدخان الذي شوّه كل ما يمس الإسلام في عقولهم ونفوسهم.. لقد كان التأثير كبيراً.
ويتساءل الإنسان مرة أخرى: ماذا لو واصلنا المحاولة بعشرات الأفلام، وأشرطة الفيديو، والعروض المسرحية، وغيرها من تقنيات الخطاب الفني لكي نكسر الحلقة المفرغة ونوصل صوتنا إليهم فنقطع الطريق، أو بعضه على الأقل، قبالة حشود من سماسرة التزوير والتزييف الذين عرفوا كيف يوظفون هذه الأداة لتعميق الجهل والكراهية والتعصب في نفس الإنسان الغربي، تجاه كل ما يمت بصلة إلى الإسلام وعالمه وقيمه ومعتقداته؟
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد