بسم الله الرحمن الرحيم
{وَمَن أَظلَمُ مِمَّنِ افتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَو كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفلِحُ الظَّالِمُونَ} [الأنعام: 21]
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على عبد الله وخاتم رسله محمد، وعلى إخوانه من النبيين، وعلى آل كلٍّ, وسائر الصحابة والتابعين. وبعد:
فقد تناقلت وسائل الإعلام التصريحات المندفعة التي أدلى بها رئيس الولايات المتحدة الأمريكية جورج بوش يوم الخميس الماضي 16/7/1427هـ، بعد أن أعلنت بريطانيا اكتشاف ما قالت إنه مخطط لتفجير طائرات أميركية متجهة من مطارات بريطانية للولايات المتحدة، حيث قال الرئيس الأميركي في تصريحه: إن المخطط يؤكد أن بلاده لا تزال في حالة حرب مع "الفاشية الإسلامية".
وحيث إن هذا الاتهام خطأ تاريخي شنيع وتهجم بغيض، ومن المتعين على أهل الإسلام أن يستدركوا ذلك وينكروه، حتى لا يروج هذا الاتهام، فبادرت إلى ذلك، فأقول مستعيناً بالله:
إن هذا التهجم والاتهام التي تفوه به الرئيس الأمريكي نحو الإسلام والمسلمين ما كان ينبغي أن يصدر من مثله، وذلك لأمور عدة منها:
1/ لأن دين الإسلام من هذه الأوصاف براء أعظم البراءة.
2/ لأن منصب الرئاسة يفرض على صاحبه الانضباط واحترام مشاعر الآخرين، وخاصة فيما يتعلق بالدين والاعتقاد.
3/ لأن هذه الصفة "الفاشية" ما هي إلا نتاج فئات من الغرب، من الذين عرفوا بالبغي والظلم، كما سأوضحه لاحقاً.
4/ لأن هذه الصفة أقرب ما تكون اليوم إلى صنيع الجيوش الأمريكية وخاصةً في العراق، ومن قبل في أفغانستان وفيتنام، وفي دعمها المطلق للمحتلين في فلسطين، وما أحداث سجن أبو غريب ومعتقل غوانتانامو عنا ببعيد، حيث الممارسات الوحشية والتعاملات الديكتاتورية، بل إنها لتنطبق تمام الانطباق على الأوامر التي وجهها العسكريون الأمريكيون القاضية بتدنيس المصحف الشريف في معسكر غوانتانامو، كما جاء في بيان صادر من مقر وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) ونقلت مقتطفات منه شبكة (CNN) الأمريكية يوم الجمعة 19/4/1426هـ.
وللتوضيح فإن مصطلح الفاشية "fascism" كما تذكره الموسوعات المتخصصة " مشتق من الكلمة الإيطالية "fasces"، وهي تعني حزمة من الصولجانات كانت تُحمَل أمام الحكام في روما القديمة دليلاً على سلطاتهم. وفي تسعينيات القرن التاسع عشر بدأت كلمة فاشيا "fascia" تستخدم في إيطاليا لتشير إلى جماعة أو رابطة سياسية عادة ما تتكون من اشتراكيين ثوريين. وكان توظيف "موسوليني" لوصف الجماعة البرلمانية المسلحة التي شكّلها في أثناء الحرب العالمية الأولى وبعدها في زيه الفاشي مؤشرا على أن اصطلاح "fascisma" قد حظي بمعان أيديولوجية واضحة، وعلى الرغم من ذلك فعادة ما يفتقر توظيف اصطلاحي "الفاشية" "fascism" و"الفاشي" "fascist" إلى الدقة، فكثيرًا ما تستخدم كاصطلاحات تهدف إلى الإساءة السياسية للخصوم السياسيين والاتهام لهم بالدكتاتورية ومعاداة الديمقراطية". انتهى.
إن تلك التصريحات التي أطلقها الرئيس الأمريكي، وما ماثلها من قبل في تشنيعه على الإسلام والمسلمين لا تخرج عن أحد اعتبارين:
الأول: أن يكون جاهلاً بحقيقة الإسلام وما فيه من الهدى والحق والعدل، وأن يكون من جملة الناس في العالم اليوم، الذين شُوِّهت صورة الإسلام في أعينهم لأسباب عدة، منها التصرفات الخاطئة لبعض المنتسبين إليه، والتي استغلها الإعلام المؤدلج في أوروبا وأمريكا، وجعل منها خنجراً مسموماً يطعن به في الإسلام وتشريعاته.
وهذا يحملنا على دعوة الرئيس الأمريكي وعموم الشعوب الغربية وغيرها من غير المسلمين لأن يتعرفوا على دين الإسلام من مصادره الصحيحة، وأن يتعلموا ما فيه من الخير والهدى.
الثاني: أن يكون الرئيس قاصداً ما يقوله، ومعبراً عما يعتقده، وهذا يفسر بعض أسباب انتهاكات الجيوش الأمريكية التي نكَّلت بالمسلمين في مناطق شتى واعتدت على حرماتهم وحرياتهم ومقدساتهم، وهذا ما أخبرنا الله به في القرآن العظيم، وحذر - سبحانه - من أن نظن أنهم يريدون بنا الخير، وذلك قوله - جل وعلا -: (يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُم لاَ يَألُونَكُم خَبَالاً وَدٌّوا مَا عَنِتٌّم قَد بَدَتِ البَغضَاء مِن أَفوَاهِهِم وَمَا تُخفِي صُدُورُهُم أَكبَرُ قَد بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُم تَعقِلُونَ) [آل عمران: 118].
وفي ضوء ذلك: فإن من المتعين على واشنطن وغيرها من العواصم الغربية أن تراجع أجندتها في ضوء ما تنادي به من ضمان الحريات مما تكفله دساتيرهم، وأن تكف عن الإساءة لدين الإسلام وللشعوب الإسلامية، وأول ذلك أن تعلن التراجع والاعتذار عن هذه الإساءات مع وضع الضمانات الكفيلة بعدم تكرارها.
وصدق الله: (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمرِهِ وَلَـكِنَّ أَكثَرَ النَّاسِ لاَ يَعلَمُونَ) [يوسف: 21].
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد