بسم الله الرحمن الرحيم
يعظم مُصاب الأمة عندما تُبتلى بحاكمٍ, لايهمه سوى إطالة بقائه على كرسي الحكم، وإن تلازم ذلك مع " مهانة وذلة " لأعداء الأمة، أو مع تضييع لدين الرعية المسلمة وأخلاقهم، وأحيانًا لاتلازمº ولكنه مرض القلوب بالشهوة، وتمكن البطانة الفاسدة. وتناسى هذا الحاكم وأمثاله وعيده - صلى الله عليه وسلم -: (من مات وهو غاشٌ لرعيته لم يرح رائحة الجنة) أخرجه البخاري. وأي غشٍ, أعظم من التمكين للمنافقين والمفسدين في المناصب - سواء إعلامية يستغلونها في نشر فسادهم أو غيرها - تحت نظر الحاكم الخائن المشارك معهم في حمل الأوزار؟
هذا ما حدث في البلاد المصرية المسلمة في الفترة التي وقعت فيها الواقعة التالية التي آذت شرفاء تلك البلاد وعانوا منها طويلا ولا يزالونº حيث تمكن (ثلاثة) مفسدين من تسهيل أمر الشر فيها مستغلين غفلة السلطان أو تغافله عنهم وعن مكرهمº إما مهادنة للعدو المحتل " الإنجليز "، أو لمرض القلب والفسق.
وتفاصيل ذلك - كما يقول صاحب بحث " المرأة المصرية والتعليم الجامعي ": (أن بعض الفتيات لجأن إلى لطفي السيد مدير الجامعة يطلبن مساواتهن بالرجال في التعليم الجامعي، وأن بعض عمداء الكليات وأساتذتها طلبوا أن تقبل الفتيات الحائزات على البكالوريا في كلياتهم، وكان طه حسين هو أول من عرض على لطفي السيد قبول الطالبات في الجامعة، وحين سأله لطفي السيد: هل قانون الجامعة يمنع دخول البنات؟ أجابه بأن القانون يقول: إن الجامعة للمصريين ولم يحدد النوع! يضاف إلى ذلك أن بعض الصحف طالبت بضرورة أن يشمل التعليم الجامعي الفتيات، ولكن الموقف لم يكن سهلاً، فقد كانت هذه المسألة شائكة، خصوصاً أن أنصار هذا الرأي بالنسبة للرأي العام ككل كانوا قلة، وكان الأمر يستلزم التريث والتزام التكتم وعدم مناقشته أو عرضه على الرأي العامº حتى لا يثور المتزمتون ويتعقد الموقف، وفي غفلة من هؤلاء وضعت الجامعة الرأي العام والحكومة أمام الأمر الواقع عندما فتحت كلية الآداب أبوابها للطالبات ودخلتها أربع،، هن: سهير القلماوي، وفاطمة سالم سيف، وفاطمة فهمي خليل، وزهيرة عبد العزيز. ويتضح ذلك فيما كتبه لطفي السيد في مذكراته، إذ يقول " لا أخفي أننا قبلنا الطالبات أعضاء في الأسرة الجامعية في غفلة من الذين من شأنهم أن يُنكروا علينا اختلاط الشباب بأخواتهن في الدرس").
ويتابع كاتب البحث قائلا: (وعن اختلاط الطالبات بالطلبة داخل الجامعة، فقد تحاشت الطالبات في أول دخولهن الجامعة أي صلة تربطهن بالطلبة، ودخلن قاعات المحاضرات مغطيات الرءوس، وامتنعن عن الاقتراب من الأماكن التي يتواجد فيها الطلاب، وتجاهلن التحيات الموجهة إليهن، ورفض الاشتراك في مناقشة الأساتذة خلال الدرس، وقد حاول الدكتور طه حسين أثناء عمادته لكلية الآداب تشجيع الاختلاط بين الطالبات والطلبة، ففي الحفل الذي أقامته الكلية في نادي الجامعة بمناسبة النجاح الذي أحرزه مشروع القرش في فبراير 1932، نشرت جريدة الأهرام صورة تظهر طلبة الكلية حول عميدهم طه حسين وقد جلست كل طالبة بجانب طالب، مما أثار الرأي العام وتوتر موقفه من الجامعة أكثر مما كان). (المرجع: أبحاث " مئة عام على تحرير المرأة " 575-563/1).
وقد اعترف بهذا الهالك (طه حسين) في الاحتفال بتكريم أولى خريجات الجامعة في فبراير 1932م حيث قال في كلمته: (أظن أن موقفي الآن ولست من الرجال الرسميين- يسمح لي بأن أكشف لحضراتكم عن مؤامرة خطيرة جداً حدثت منذ أعوام، وكان قوامها جماعة من الجامعيين، فقد ائتمر الجامعيون، وقرروا فيما بينهم أن يخدعوا الحكومة، وأن يختلسوا منها حقاً اختلاساً لا ينبئونها به ولا يشاورونها فيه، وهو الإذن للفتيات بالتعليم العالي في الجامعة المصرية، وأؤكد لكم أيها السادة أنه لولا هذه المؤامرة التي اشترك فيها الجامعيون، وبنوع خاص أحمد لطفي السيد باشا وعلي إبراهيم باشا وهذا الذي يتحدث إليكم، لولا هذه المؤامرة التي دبرناها سراً في غرفة محكمة الإغلاق لما أتيح لنا ولا للاتحاد النسائي أن أقدم إليكم الآن محامية مصرية وأديبات مصريات، اتفق هؤلاء الثلاثة فيما بينهم أن يضعوا وزارة المعارف أمام الأمر الواقع، وكان القانون الأساسي في الجامعة يبيح دخول المصريين، وهو وإن كان لفظاً مذكراً ينطبق على المصريين والمصريات، وعلى ذلك ائتمرنا على أن تقبل الفتيات، فقبلناهن ولم نحدث أحداً بذلك، حتى إذا تم الأمر وأصبح لهن حق مكتسب في الجامعة، علمت الوزارة أن الفتيات دخلن الجامعة) اهـ ص (23-24) من (حواء) العدد 1255/11 أكتوبر 1980م. وقد ذكرت الحادثة هدى شعراوي في مذكراتها (ص 443-444)، وكانت ممن استمع لاعتراف طه حسين.
وللفائدة فقد كانت لمصر تجربة رائدة في التعليم النسائي الجامعي دون اختلاط قبل أن يُقحمها المفسدون فيه. (انظر البحث السابق، ص 564).
قال الأستاذ محمد أديب كلكل في كتابه " حكم النظر في الإسلام " (ص 134) بعد أن أورد ما رواه مسلم في صحيحه عنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البُخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا". مشيراً إلى فوائد هذا الحديث: (وفيه ربطٌ بين الاستبداد السياسي "قوم معهم سياط"، والانحلال الخُلقي "ونساء كاسيات عاريات"، وهذا ما يصدقه الواقع، فإن المستبدين من الطغاة والمتسلطين من الفراعنة يُشغلون الشعوب عادة بما يقوي الشهوات، ويزينها، ويلهي الناس بالمتاع الشخصي عن مراقبة القضايا العامة، لكي يبقوا سادرين في غفلاتهم، غارقين في شهواتهم، لا يهتمون بطغيان، ولا يسألون عن انحراف، ولا يقاومون ظلماً ولا عدواناً).
***
نستفيد من الحادثة السابقة
- أن لا نستقل أو نستهين بأهل الفساد (ممن عجزوا عن منافسة الأمم الأخرى فيما ينفعº لأن فاقد الشيئ لا يُعطيه، فرضوا بأن تُختزل حياتهم وأهدافهم في مجرد تسهيل أمر الفساد)º فإن عددًا قليلا منهم يهدم أمة ودولا بأسرها، ويوقعها فيما قد تعاني منه سنوات طويلة، إذا ما وجدوا الفرصة ووصلوا إلى مراكز صُنع القرارº وقد قال - تعالى -عن أسلافهم: (وكان في المدينة تسعة رهط يُفسدون في الأرض ولا يُصلحون). نعوذ بالله من حالهم وحال من يسعى لتمكينهم أو تهوين شرهم.
***
ذاك ما حدث في مصر التي أسأل الله أن يهيئ لها من يُعيد الأمر إلى نصابه، ويُمكن للصالحين فيها. أما في بلادنا " المملكة العربية السعودية " - التي صبرت فظفرت - فالأمر مختلف - ولله الحمد -º حيث كان المؤسس الملك عبد العزيز - رحمه الله - يعي أخطار دعوة تغريب المرأة ومن يقف وراءهاº وتجد على الرابط التالي رأيه فيها:
الملك عبد العزيز.. وقضية تغريب المرأة
وفي تعليم الفتاة: أصبح التأخر النسبي له نظاميًا خيرًا لأهل هذه البلاد كي يتجنبوا أخطاء الآخرين ويحذروا من ألاعيب المفسدين العابثينº فتعاونت السلطة والعلماء على تهيئة المناخ الشرعي لتعليم الفتاة ما ينفعها دون اختلاط، في تجربة فريدة شهد بها الأعداء قبل الأصدقاء. وتجد على الرابط التالي ما يوضح أمرًا طالما أخفاه البعض!
أكـذوبـة... تُردد في الصحافـة السعودية!
وفي مجال العمل: التُزم فيه بالبعد عن كل ما يمتهن المرأة ويُعرضها لما يُخالف الشرع، (والنادر يُعالج)، وتجد على الرابطين التاليين خطاب خادم الحرمين الملك فهد - رحمه الله - في التأكيد على هذا الأمر، إضافة إلى اقتراحات مفيدة في هذا الموضوع:
إلـــى مــؤتــمــر الـمــرأة
(عمل المرأة عن بُـعد) مشروع فضيلة الشيخ محمد الهبدان
ويبقى - بعد هذا - من أهل هذه البلاد - حكومة وشعبًا -:
1- الثبات على شرع الله، وعدم المداهنة أو التنازل عنه في مقابل كيد الأعداء - من كفار ومنافقين - وتربصهم بهذه البلاد وأهلهاº متذكرين قوله - تعالى -: (وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا). وقوله: (ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا).
2- الحذر من أهل الفساد وإبعادهم عن مراكز التوجية والتأثيرº خاصة في مجال الإعلام، وكل ما يتعلق بالمرأة وشؤنهاº مع متابعة ومساءلة من " يتواصل " منهم مع الجهات الأجنبية المختلفة. فإن النار من مستصغر الشرر، وما تضخم " الطابور الخامس " في بلاد كثيرة إلا بواسطة العدو الداعم لهم.
أسأل الله أن يوفق ولاة أمورنا لكل ما يحب ويرضى، وأن يوحد صفهم في مواجهة من يريد الشر بهم وببلادهم..
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد