بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشـرف الأنبيـاء وخاتم المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..أما بعد:
فكثيراً ما نقرأ نقداً أو نسمعه من بعض من يوصفون بـالكتَّاب، أو من يستضيفهم الإعلام الأجنبي الخادم لأيدلوجيته الوطنية ومعتقداته المنحرفة عن الفطرة الإلهية، أو حتى من يستضيفهم إعلام متأدلج ممن يفتقدون الولاء لأمتهم فضلاً عن أوطانهم، أو من المخدوعين بكثرة الإمساس الإعلامي المترجم فكرة ومظهراً وصورة، مع أمية مقيتة أو فكرة سطحية ساذجة بالثقافة الإسلامية إن وجدت مع كثرة تظاهرهم بالثقافة! مما يجعلك أمام طرح تفريطي وجفاء ديني وسلوك ممقوت شرعاً وعروبة، بل هو ممقوت حتى من الأجنبي المحافظ، وإن تناغم مع بعض طروحاته.
ظننا بهم خيراً حيناً من الدهر، فاكتشف بعضهم الضلالة وعاد إلى أمته وساهم في بناء وطنه، فهنيئاً له تأمين مستقبله الأخروي " من عمل صالحا فلنفسه"..
وأبت نفوس بعضهم إلا مزيداً من الجرأة على ديننا الخاتم للأديان ومسلماتنا الشرعية الباهرة للعقلاء المنصفين في كل مكان.. فبئس ما سولت لهم أنفسهم "ومن أساء فعليها".. ولا يشك من يتابع مجموع منتجهم الإعلامي الحقيقي أو (الكوبي) أن لديهم أزمة مع الخطاب الديني كما يصرحون! وعقدة من المصطلحات الشرعية بل الفقهية، لا بل حتى المصطلحات القرآنية تجد في طرحهم ولوَلَة منها! مهلاً.. حتى التاريخ الهجري صار منبوذا لديهم، وهم من أُرِّخَت ولادتهم به! فتجد أحدهم يلوك التاريخ الإفرنجي لوك حديث العهد بالمفردة اللغوية! أفٍ, للانهزامية، إنني أشعر بالتقزز ممن يتوهم الترفع يمثل هذا الصنيع!.. أفلا وطنية ونخوة وأصالة إن لم يسعف التدين! بل حتى اللباس الأجنبي صار موضةً لبعضهم على صفحات الجرائد الموجهة لنا نحن العرب بالحرف العربي حماه الله !
وقبل أن ألج إلى صلب الموضوع أحب أن ألفت انتباه القوم إلى أنه في الدساتير الغربية المعاصرة نجد النص الصريح على أهمية الدين واشتراطه ضمن شروط المرشح للرئاسة أو الملك أو حتى عضوية البرلمان؟!
أيها الناس.. الدساتير العربية تنصّ على أنَّ (الإسلام) دين الدولةº أما في بعض الدساتير الغربية فلا يكتفون بالنص على دينهم، بل يصرحون بالمذهب الديني أيضاًº وحتى لا نتهم بالتقوَّل على الآخر!! إليكم بعض ما جاء في النصوص الدستورية والمواثيق الأساسية الغربية مما يؤكد ما قلت آنفاً:
جاء في (المادة 1) من دستور اليونان: المذهب الرسمي لأمة اليونان هو مذهب الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية!
وفي (المادة 47) منه: كل من يعتلي عرش اليونان يجب أن يكون من أتباع الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية!
وجاء في (المادة1/بند 5) من دستور الدانمارك: يجب أن يكون الملك من أتباع الكنيسة الإنجيلية اللوثرية!
وفي (المادة1/بند 3): إن الكنيسة الإنجيلية اللوثرية هي الكنيسة المعترف بها في الدانمارك!
وجاء في (المادة 9) من الدستور الأسباني:: يجب أن يكون رئيس الدولة من رعايا الكنيسة الكاثوليكية!
وفي (المادة 6): على الدولة رسمياً حماية اعتناق وممارسة شعائر المذهب الكاثوليكي باعتباره المذهب الرسمي لها.
وفي الدستور السويدي (المادة4): يجب أن يكون الملك من أتباع المذهب الإنجيلي الخالص!
وفيه: يجب أن يكون أعضاء المجلس الوطني من أتباع المذهب الإنجيلي.
وفي الأرجنتين: تنص (المادة 2) على: أن على الحكومة الفدرالية أن تحمي الكنيسة الرسولية!
وجاء في وثيقة الحقوق في انجلترا (المادة 7): يسمح لرعايا الكنيسة البروتستانتية بحمل السلاح لحماية أرواحهم
في حدود القانون!
وفي ذات الوثيقة (المادة 8): لكاثوليكي أن يرث أو يعتلي العرش البريطاني!
وفي (المادة 3) من قانون التسوية: على كل شخص يتولى الملك أن يكون من رعايا كنيسة انجلترا، ولا يسمح بتاتاً لغير المسيحيين ولا لغير البروتستناتيين أن يكونوا أعضاء في مجلس اللوردات، ويعد ملك بريطانيا حامياً للكنيسة البروتستانتية في العالم!
وبين يدي نصوص كثيرة موثقة، أرجو أن ترى النور قريباً في بيان هذا الموضوع على الطريقة الأكاديمية إن شاء الله تعالى.
فما موقف القوم يا ترى من هذه النصوص التي لا تعترف للآخر – وإن كان مواطناً – ببعض الحقوق التي تمنحها لغيره من المواطنين لانتمائهم لا لدين معين، بل لمذهب ديني محدد؟! ومع هذا يرضخ المواطن أمامها احتراماً للدستور! نعم، وإن سلبه الإفادة من شعار (تكافؤ الفرص)، فهل سيوجدون لها تسويغاً كعادة بعضهم في الاستماتة في تسويغ كل ما هو غربي؟!
بغض النظر عن موقفهم من ذلكº فإننا نطالبهم بالعودة إلى الحق والردَّ إلى الشرع كما نصَّ الكتاب العزيزº فإن أبواº فإننا نطالبهم بالرقي بأنفسهم إلى أخلاقيات أولئك القوم في احترامهم للدستور، وأكرر (الدستور) وليس القانون العادي!º فكم حدثونا عن احترام القوم إياهم للقانون، مع أنَّ بعض محدثينا منهم لم يطأ أرض القوم ولم يحلق في سمائهم.
وأمَّا الدستور الذي نطالبكم بهº فإنما نطالبكم باحترامه لأنه مبني بوضوح على أصول السياسة الإسلامية، ولأنه صريح في النص على مقاصد الخلافة وواجبات الولاية الإسلامية العظمى التي نص عليها فقهاء السياسة الشرعية دون لبسº وهما: إقامة دين الإسلام وحمايته، و سياسة الدنيا بالدين.
فبشأن المقصد الأول الذي هو: إقامة دين الإسلام وحمايته، نجد النصوص في النظام الأساسي للحكم (الدستور) التالية:
جاء في نص (المادة الأولى) من النظام الأساسي للحكم: (المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية ذات سيادة تامة، دينها الإسلام، ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم º ففي هذه المادة تأكيد لالتزام الدولة بالدين الإسلامي، واتخاذ مصادره الأصلية (الكتاب والسنة) دستورا أعلى يحكم الدستورº وهذا ما تؤكده المادة السابعة وتبينه على نحو لا يحتمل التأويل، ونصها: (يستمد الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله وسنة رسوله.. وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة).
وجاء في (المادة الثالثة والعشرون): (تحمي الدولة عقيدة الإسلام.. وتطبق شريعته وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.. وتقوم بواجب الدعوة إلى الله). وهذا نص صريح في التزام الدولة بتحقيق هذا المقصد الأول من مقاصد الولاية العظمى في الإسلام الذي يتضح في حماية الدولة للعقيدة الإسلامية بالذود عنها ونشرها، بل وتأكيد أهمية نشرها بالنص على حكمه الشرعي بوصفه بالواجب.
وجاء في نص (المادة السادسة والأربعون): (القضاء سلطة مستقلة.. ولا سلطان على القضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة الإسلامية).
و جاء في (المادة الخامسة والأربعون) من النظام الأساسي للحكم: (مصدر الإفتاء في المملكة العربية السعودية.. كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ).
ففي ما سبق من المواد بيان واضح في لزوم تحقيق المقصد الأول من مقاصد الدولة الإسلامية، ألا وهو: إقامة الدين الحق " الإسلام".
وبشأن المقصد الثاني: الذي سياسة الدٌّنيا بالدِّين، نجد أن مواد النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية لا تكتفي بالنص على أن مصدرها الشريعة، ووجوب تطبيقها حتى في نقد مواد النظام الأساسي ذاتهº بل تؤكد أن الكتاب والسنة هما مصدر الأحكام و الأنظمة في المملكة العربية السعودية في عدد من المواد، وتنبِّه إليه في أخرىº لتثبت أن المشروعية الإسلامية العليا هي المرجع في كل شيء، و أن انتهاج السياسة الشرعية في سياسة الأمة مسار لا يجوز تجاوزهº ويتجلى النص على هذا المقصد في عدد من المواد، منها ما يلي:
جاء في نص (المادة الأولى) من النظام الأساسي للحكم، ما يلي: (المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية ذات سيادة تامة، دينها الإسلام، ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ).
وجاء في نص (المادة الخامسة) الفقرة (ب) من النظام الأساسي للحكم في بيان من يبايع للحكم من الأسرة المالكة ما يلي: (... ويبايع الأصلح منهم للحكم، على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ).
وفي (المادة السادسة): (يبايع المواطنون الملك على كتاب الله تعالى وسنة رسوله وعلى السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره).
و جاء في نص (المادة السابعة) من النظام الأساسي للحكم، ما يلي: (يستمد الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله وسنة رسوله.. وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة).
جاء في نص (المادة الثامنة): (يقوم الحكم في المملكة العربية السعودية على أساس العدل والشورى والمساواة وفق الشريعة الإسلامية).
وجاء في نص (المادة الثالثة والعشرون): (تحمي الدولة عقيدة الإسلام.. وتطبق شريعته وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.. وتقوم بواجب الدعوة إلى الله).
وجاء في نص (المادة السادسة والعشرون): (تحمي الدولة حقوق الإنسان وفق الشريعة الإسلامية).
وجاء في نص (المادة الثامنة والثلاثون): (... لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على نص شرعي أو نص نظامي... )º ويطلق " النص النظامي " في المملكة على ما يصدر من أنظمة لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية، وهذا مما حمل المنظم السعودي على استبعاد وصفه بـ(القانوني)º وتؤكد ذلك المادة (الثامنة والأربعون) من النظام الأساسي ذاته.
وجاء في نص (المادة الثامنة والأربعون): (تطبق المحاكم على القضايا التي المعروضة أمامها أحكام الشريعة الإسلامية، وفقا لما دل عليه الكتاب والسنة وما يصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض مع الكتاب والسنة).
وجاء نص (المادة الخامسة والخمسون) من هذا النظام في غاية الصراحة والوضوحº إذ تلزم الملك بسياسة الأمة سياسة شرعيةº فقد نصت على ما يلي: (يقوم الملك بسياسة الأمة سياسة شرعية طبقا لأحكام الإسلام ويشرف على تطبيق الشريعة الإسلامية والأنظمة والسياسة العامة للدولة وحماية البلاد والدفاع عنها).
ومن ثم فإنَّ من واجب كل ذي ولاية إسلامية بعامة، وفي المملكة العربية بخاصة مراعاة الكتاب والسنة في كل ما يعرض عليه ضمن سلطاته، ومن ذلك الوزراء، والقضاة، والإعلاميون، والكتاب، والمعلمون، والموظفون على اختلاف مراتبهم.
ونقول للمشاغبين: هذا الدستور الوطني، فهل أنتم معه أو ضده؟ هل كتاب إعلامنا المحلي يحترم الدستور أو أنه يغرد خارج الشرعية؟ وإذا كان الدستور محترما فلم الطرح النقضي المتكرر لمقاصد الولاية التي يحميها الدستور؟ ولم يشتكي بعض أعضاء هيئة كبار العلماء في الصحافة ذاتها! من رفض بعض القائمين على وسائل الإعلام المحلي نشر بعض مقالاتهم وردودهم؟ مع فتح المجال لمن لا يحملون مؤهلات علمية ليوجهوا الأمة؟! وهل لي بعد هذا أن أتساءل بكل أسف: هل الطرح الذي يحتضنه إعلامنا يمثلنا أمة ودولة؟ وهل يحظى بشرعية دستورية، ولا سيما مع ما نجده من نقد بعض كبار ولاتنا له؟
أقترح على وزارة الإعلام تكوين لجنة رقابة دستورية على مخرجاتها. يقوم عليها متخصصون من خريجي الشريعة والأنظمةº لنقطع الطريق على كل ذي فكر ضال أو مضل من الجفاة والغلاة.
في جواب سؤال طرحته بعض الصحف علي عبر الهاتف وأجبت عليه ولم تنشره – قلت: أتمنى أن يوجد لدينا محكمة دستورية، أو أن تولَّى المحكمة العليا ولاية محكمة دستوريةº لتفصل في كل طرح يفتقد الشرعية وإن تظاهر بالوطنية.
هذا وأسأل الله للجميع الهداية والتوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه إلى يوم الدين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد