بسم الله الرحمن الرحيم
على الأقل مرة كل سنة خلال الثمانينيات، يختفي كل من ديك تشيني ودونالد رمسفلد. كان تشيني يعمل بجد كعضو في الكونجرس يعزز موقعه ضمن القيادة الجمهورية. بينما رمسفلد الذي اشتغل وزيرا للدفاع في عهد جيرالد فورد، كان مسئول أعمال صارم في منطقة شيكاغو، حيث رأس شركة (G. D. Searle). وطيلة ثلاثة إلى أربعة أيام في كل مرة، لا أحد في الكونجرس يمكنه أن يعرف أين كان تشيني، ولا يستطيع أي شخص في شركة "سيرل" أن يحدد مكان رمسفلد.
بعد الانتهاء من أعمالهما اليومية، يلتحق عادة كل من تشيني ورمسفلد بقاعدة "أندروز" الجوية خارج واشنطن. من هناك، في وسط الليل، يتسلل كل منهما ضمن فريق من أربعين إلى ستين مسئول فدرالي وعضو واحد في مجلس وزراء رونالد ريجان - إلى مكان بعيد في أمريكا مثل قاعدة عسكرية مهجورة أو حصن تحت الأرض. لتلحق بهم قافلة الشاحنات تحمل معدات الاتصالات المتطورة.
كان رمسفلد وتشيني ممثلين رئيسين في أحد أكثر البرامج سرية في إدارة ريجان. وفي إطاره، نفذ المسئولون الأمريكيون خلسة التمارين المخططة والمفصلة للإبقاء على استمرار عمل الحكومة الفدرالية أثناء وبعد الحرب النووية مع الاتحاد السوفيتي.
وقد طالب هذا البرنامج باستبعاد القواعد القانونية للخلافة الرئاسية في بعض الظروف الاستثنائية، لصالح إجراء سري لوضع رئيس جديد وموظفيه. وركزت الفكرة على السرعة، للاحتفاظ بتواصل الحكومة.
ولتجنب الإجراءات البطيئة، فإن المتحدث باسم المجلس التشريعي، الرئيس المؤقت لمجلس الشيوخ وباقي الكونجرس سيؤدي دورا محدودا. ويبدو أن بعض هؤلاء الرؤساء سيكون رئيسا صوريا ليتولى الحكم فعليا قادة أركان خبراء، مثل تشيني أو رمسفلد!
وجاء الإلهام لهذا البرنامج من داخل الإدارة نفسها، ليس من تشيني أو رمسفلد،، باستثناء أن مسفلد كلف بمهمة قصيرة كمبعوث للشرق الأوسط، ولا واحد منهما في أي وقت شغل منصبا في إدارة ريجان، مع ذلك، كانوا يتصدرون العناصر الفاعلة في البرنامج.
وتم تسريب تفاصيل قليلة عن المجهود طوال السنوات، لكن لا شيء كُشف عن الطريقة التي يُشتغل بها أو الأدوار المركزية التي لعبها كل من تشيني ورمسفلد. البرنامج ذو فائدة خاصة اليوم لأنه يساعد على شرح تفكير وسلوك إدارة بوش الابن خلال الساعات، الأيام والأشهر التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر، 2001. وقد حث نائب الرئيس (تشيني) الرئيس بوش أن يبقى خارج واشنطن ذلك اليوم، في حين أمر وزير الدفاع رمسفلد نائبه بول وولفويتز أن يهرب من المدينة، بينما انتقل تشيني نفسه من واشنطن إلى سلسلة أماكن غير مكشوفة، وأُرسل المسئولون الفدراليون الآخرون فيما بعد للعمل خارج العاصمة، لضمان تواصل الحكومة في حالة هجمات إضافية. وكان لهذه التحركات والإجراءات جذور في التدريبات المخططة السرية في عهد إدارة ريجان.
وتعاملت الحكومة الأمريكية مع احتمال حرب نووية مع الاتحاد السوفيتي بشكل أكثر جدية أثناء سنوات ريجان من أي وقت آخر منذ أزمة الصواريخ الكوبية في 1962. وقد تكلم ريجان في حملة 1980 الخاصة به عن الحاجة لبرامج الدفاع المدني لمساعدة الولايات المتحدة على النجاة من تبادل نووي، وفي الواقع، فإنه لم ينتقل فقط إلى سياسة الدفاع المدني ولكن وافق أيضا على وثيقة سياسة دفاع جديدة تضمنت الخطط لشن حرب نووية ممتدة على الاتحاد السوفيتي. وكانت التدريبات السرية التي شارك فيها كل من تشيني ورمسفلد جزءا من المجهودات العامة للإعداد للحرب النووية. وقد أنشأ رونالد ريجان برنامج "الاستمرار الحكومي" بأمر تنفيذي سري.
ومُنحت لنائب الرئيس جورج بوش (الأب) سلطة الإشراف على بعض هذه المجهودات التي أُديرت بمؤسسة حكومية جديدة باسم "مهذب": مكتب البرنامج القومي، وكان مبناه في منطقة واشنطن، وقُدرت ميزانيته السرية السنوية بمئات الملايين من الدولارات. وأُنفق كثير من هذا المال على معدات الاتصالات المتقدمة التي تمكن الفرق من الحصول على محادثات مضمونة مع القادة العسكريين الأمريكيين.
عندما انتخب بوش الأب رئيسا، في عام 1988، ابتهج أعضاء برنامج ريجان السري، الذي اشتركوا في وضعه منذ البداية، ولن يحتاج الرئيس الجديد لأن يُعده وربما لن يعيد تقييمه. في الحقيقة، وبالرغم من علاقات محسنة بشكل مثير مع موسكو، واصل بوش التمارين، ببعض التعديلات الصغيرة. وعين تشيني وزيرا للدفاع وانسحب من رئاسة فريق البرنامج..
وبعد سقوط حائط برلين وانهيار الاتحاد السوفييتي، تغير أساس التمارين. فمن الواضح أن الهجوم النووي السوفييتي لم يعد وجيها. وأثناء سنوات كلينتون، قرر أن يستبعد هذا السيناريو لتقادمه، باعتباره من بقايا فترة الحرب الباردة، وتُرك البرنامج. واستمر الوضع على ما قرره كلينتون حتى 11 سبتمبر، 2001، عندما بدأ تشيني ورمسفلد في تمثيل أجزاء من السيناريو الذي قد تمرنوا عليه قبل سنوات. وبدأوا العمل من المأوى تحت الأرض تحت البيت الأبيض، وهو عبارة عن مركز عمليات الطوارئ الرئاسي، حيث أخبر تشيني بوش أن يؤخر رحلة (العودة) المخططة من فلوريدا إلى واشنطن. وفي البنتاجون، أمر رمسفلد وولفويتز أن يخرج من واشنطن إلى أمان أحد الحصون تحت الأرض التي قد بنيت للنجاة من أي هجوم نووي.
وفي المحصلة، فإن مشاركة تشيني ورمسفيلد في التواصل غير الدستوري للتمارين الحكومية، يكشف الحقيقة الخفية لهذين الرجلين. ولمدة ثلاثة عقود، شكلا جزءا من نظام الأمن القومي الخفي الدائم لأمريكا الصانعة للحروب.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد