بسم الله الرحمن الرحيم
القناة التلفزيونية الأمريكية الناطقة بالعربية التي اختير لها اسم الحرّة وتنطلق هذه الأيام تمثل رهانا كبيرا من الإدارة الأمريكية الحاليةº لأنها باختصار شديد إما أن تخفف من سوء الفهم أو التشويه الشعبي العربي تجاه سياسات واشنطن المختلفة ولا سيما تجاه القضايا العربية والإسلامية أو تزيد من موجة الكره والعداء المستفحلة أصلا.
التحدي الجوهري هو كيف ستغطي الحرة وتحلل السياسات الأمريكية تجاه العرب والمسلمين؟ هل ستسعى لشرحها فقط أم تنتقل إلي تبريرها ومحاولة تسويقها لجمهور هو أصلا مرتاب في كل ما يصدر عن واشنطن حتى وإن كان أحيانا جيدا. هل ستعطي المحطة لمنتقدي السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط مثلا والعالم الإسلامي المجال للتعبير الحر عن وجهات نظرهم أم ستختار الحل الأسهل المتمثل في انتقاء مجموعة من المتأمركين العرب ليقوموا بتجميل ما هو قبيح علي أساس أنهم الأقدر ـ كما يزعمون ـ علي معرفة نوعية البضاعة المقبولة في السوق العربية.
وتجنبا لإغراق مسبق في قراءة النوايا أو تورط في الرجم بالغيب فإنه بالإمكان من الآن طرح بعض التساؤلات التي تدور كلها عن مدي قدرة المحطة الناشئة علي الحفاظ علي مسافة أمان بينها وبين السياسة الرسمية للولايات المتحدة وهي تساؤلات تفرضها الأحداث الملتهبة حاليا وتشكل مجتمعة المحك لقدرة المحطة علي الصمود أمام رأي عام عربي سيتابعها في كل كبيرة وصغيرة ويتصيد عثراتها بالمجهر ولن يبحث لها عن مبررات أو يغفر لهـــا أي زلة. أبــرز هذه التساؤلات هي:
ـ كيف سيكون الشأن العراقي في أخبار وبرامج هذه المحطة، هل سيسمي الاحتلال احتلالا، وهو ما لا تستنكف من ترديده هيئة الإذاعة البريطانية مثلا، هل ستتخذ المحطة موقفا ثابتا تجاه أي عمل مسلح ضد هذا الاحتلال فلا تصفه بغير الإرهاب، هل ستكون الحظوة مقصورة على بول بريمر وأعضاء مجلس الحكم دون غيرهم من الفرقاء الذين يتخذون موقفا مناهضا لأمريكا في العراق؟
ـ كيف ستتناول المحطة السياسات العدوانية للاحتلال الإسرائيلي؟ هل ستستسهل علي غرار بقية الإعلام الأمريكي الانخراط السريع في النواح المعتاد بعد كل عملية فلسطينية مع التشهير التقليدي بــــ الإرهاب الفلسطيني أم لا... كيف ستتعاطى في المقابل مع ممارسات الاحتلال من قتل وهدم بيوت وتجريف أراض ونفي عن الوطن وداخله واستمرار بناء الجدار الفضيحة والاستيطان، هل ستقدم كل ذلك بأخف ما يمكن من التغطية حتى لا تتحول إلي قناة تحريضية أم ستعطي لكل حدث ما يستحقه فعلا؟
ـ كيف ستغطي الأوضاع الداخلية في الأقطار العربية ولا سيما انتهاكات حقوق الإنسان والقمع السياسي؟ هل ستركز مثلا علي عدم ترك شاردة ولا واردة تجري في الدول غير المرضي عنها كسوريا مثلا وإيران وربما حتى السعودية إلا وتنفخ فيها مقابل غرس الرأس في الرمل عندما يكون الأمر مرتبطا بحلفاء واشنطن الأوفياء في محاربة الإرهاب سواء في المغرب العربي أو دول الخليج مع البحث عن ظروف التخفيف لكل من كان مرتبطا بعلاقات ما مع إسرائيل تشفع له أي عثرات أو انتهاكات... هل يمكن للمحطة أن تنأي فعلا بنفسها عن التوظيف الأمريكي الانتقائي لقضايا الحريات والديمقراطية في العالمين العربي والإسلامي؟
وأخيرا هل يمكن لهذه المحطة أن تتعامل مع السبق الصحافي بدون خلفيات سياسية ذات صلة بمواقف البيت الأبيض بمعني هل يمكن لها علي سبيل المثال أن تبث شريطا لأسامة بن لادن إن هي انفردت بالحصول عليه أو أي بيان لحركة طالبان أو لنقل حتى لحركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين أم ستعتبر ذلك ترويجا للإرهاب لا بد من قطع دابره.
إذ رجحت الحرة كفة المهنية علي حساب الاعتبارات السياسية لواشنطن فقد تشكل إضافة مثرية للمشهد الإعلامي الحالي في البلاد العربية أما إذا اختارت الأسهل وركنت إلي الدعاية،حتى المغلفة، فسيلفظها المشاهد العربي بسرعة البرق لأنه أذكي وأنضج من أن تنطلي عليه محاولة دس السم في الدسم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد