الثقافة الإسلامية في عصر العولمة ( 2 - 2 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

توقفتُ في الحلقة الأولى من هذه المقالة عند أهداف الاستشراق التي سوف أوجزها في الآتي:

أولاً: الأهداف الدينية والتنصيرية:

1- لقد أسهمت الدراسات الاستشراقية في إيجاد الأرضية في كثير من بلاد المسلمين للدعوة التنصيرية، وقد كتب بعض المستشرقين ونظَّروا لكيفية التَّنصير مع المسلمين، مثل ما قام به المستشرق المُنصِّر القس صموئيل زويمر في معهده الذي أنشأه باسمه من قبل المؤتمر التَّنفيذي ليكون مركزاً للأبحاث مهمته إعداد الأبحاث وتدريب العاملين في صفوف المسلمين لتعزيز قضية تنصير المسلمين، وكذلك المستشرق البريطاني وليم موير، ويشهد على ذلك كتابه " شهادة القرآن على الكتب اليهودية والمسيحية " فهو كتاب تنصيري في المقام الأول. ومسلسل التنصير لم ينته بعد فلقد أعلن البابا في المجمع المسكوني الثاني الذي عقد عام 1965م خطته لتنصير العالم واقتلاع الإسلام مع قدوم الألفية الثالثة بحيث يتم استقبالها بلا إسلام، ولعل حملات التنصير المكثفة التي شهدتها إندونيسيا تعطينا مؤشراً لذلك، بل الأخطر من هذا وجود بعض المدارس التنصيرية في بعض دول الخليج العربي، ولعل كتاب " الغزو التبشيري النصراني في الكويت" لأحمد النجدي الدوسري يكشف أبعاد هذا المخطط، أيضاً النشاط التنصيري المكثف في الجنوب السوداني لإيجاد دولة مسيحية سودانية تمهيداً لاقتلاع الإسلام من السودان، وقد شرعوا بالفعل لتنفيذ هذا المخطط، كما نجحوا في تفتيت وحدة إندونيسيا، وقسَّموا تيمور إلى شرقية وغربية، بينما نجدهم وحَّدوا برلين الشرقية والغربية.

إنَّ مخطط تجزئة الدول الإسلامية وشطرها إلى شطرين: مسيحي وإسلامي، أو تقسيمها على أساس مذهبي أو عرقي كما هو مخطط للعراق، وغيرها من دول المنطقة، كل هذا يؤكد أنَّ هدف الغرب القضاء على الإسلام، وأن أساس الصراع بيننا وبين الغرب هو الدين الإسلامي في المقام الأول ويظهر هذا بوضوح في الحروب الصليبية، إذ خشي الغرب من المد الإسلامي، وعندما فشلت هذه الحملات، ولم تحقق أهدافها نشأ الاستشراق الذي ركَّز هجومه على القرآن الكريم والسنة النبوية والفقه الإسلامي والسيرة النبوية، والتاريخ الإسلامي، واللغة العربية لأنها لغة القرآن الكريم، وكذلك دراسة الأدب العربي، والعمل على إحياء الفرق المنحرفة في تاريخ المسلمين كالباطنية، وقضوا السنوات في إخراج كتب ليؤثروا في المفاهيم الأساسية للإسلام، وذلك بثنائهم على البهائية والقاديانية، وقد أوجد الاستعمار البريطاني القاديانية، إذ أشاد بها لأنها كما زعم- جاءت بآراء حرة مستقلة ووصفها بالعقلانية، والاستنارة والتجديد ليخدع بها بعض المسلمين، وليشوه تعاليم الإسلام، وللأسف هناك أقلية من المسلمين تأثرت بفكر هذه الفرق المنحرفة واعتنقت عقائدها.

كما أسهم المستشرقون بقدر كبير في إحياء القوميات في العالم العربي خاصة في النصف الأول من القرن العشرين، فقد نبَّش المستشرقون في الحضارات الجاهلية القديمةº لإحياء معارفها من ذلك: بعث الفرعونية في مصر، والفينيقية في سوريا، والآشورية في العراق، والفارسية في إيران، والطورانية في تركيا، أمَّا الجزيرة العربية فلقد بحثوا في آثار السَّابقين، وأسموا دراستهم " التاريخ الحضاري للعرب قبل الإسلام "، وتعمدوا بذلك إظهار الحضارات القديمة ليطفئوا نور الإسلام، وأنَّ الإسلام ليس وحده هو الذي قدَّم الحضارة الإنسانية، وترتب على مثل هذه الدراسات الآتي:

ا- تحسين سمعة الجاهلية القديمة، وتمجيد رجالها.

ب- بث النعرات الانفصالية في الأمة الإسلامية.

ج-محاولة قطع صلة الأمة الإسلامية بماضيها الحقيقي الذي بدء بظهور الإسلام.

د- تهيئة بعض المسلمين لتقبل قيام حضارة لهم غير مهتدية بهدي الإسلام، كما نشأت في تلك الحضارات القديمة.

- كما سعى المستشرقون في نشر بعض الأيدلوجيات الأجنبية في الأراضي الإسلامية كالشيوعية، فلقد أشاد المستشرق " بندلي جوزي" بالقرامطة، وأدعى أنَّهم والإسماعيلية الشيوعيين الأولون في الإسلام، وذلك في كتابه "من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام "، كما زعم المستشرق الفرنسي "جاك أوستري" أنَّ هناك بعض الشَّبه بين الإسلام والشيوعية من حيث عالميتها وتساميها على القوميات والعنصريات، وقد شبَّه كذلك نظام الدَّولة في الإسلام بنظام الدَّولة في النِّظام الشيوعي، وقد تأثر بهذه الكتابات بعض الكتاب المسلمين، وعملوا على نشرها مثل الكاتب الكبير "توفيق الحكيم" في سلسلة مقالاته التي نشرت في الأهرام "دفتر الجيب"، وذلك في الفترة من 21إبريل حتى 15سبتمبرعام 1981م، وقد قرَّر في هذه المقالات أنَّ الشيوعية تسير على مبدأ الإسلام في قوله - تعالى -(وفي أموالهم حق معلوم* للسائل والمحروم)، وأراد أن يثبت أنَّ المادة قد طغت على الإسلام عند تطبيقه لنظمهº ليجعل الإسلام لا يختلف عن الشيوعية من ناحية طغيان المادة، واتخذ من الإسلام وسيلة للدعوة لتطبيق الاشتراكية، والأخذ بالشيوعية، بل قال في كتابه شجرة الحكم السياسي صفحة 507: " أنَّ الرسول محمَّد - صلى الله عليه وسلم - كان يسارياً هو وسائر الأنبياء "، ونسمع الآن عن الإسلام اليساري الذي يتزعم دعوته الأستاذ حسن حنفي.

- كما شجَّع الاستشراق على نشر الليبرالية الغربية وتبعيتها في بلاد المسلمين، وقد حاول بعض المستشرقين أن يخدعوا بعض المسلمين، بأنهم إذا أرادوا التقدم واللحاق بركب الأمم الصناعية ما عليهم إلاَّ أن يتبنوا المنهج الأوربي الذي قام وفُرِض بعد نقض كتب العهد القديم والعهد الجديد "، وهي أقدس كتب لديهم وهم بهذا يريدون من المسلمين التجرؤ على كتاب الله ونقده، وللأسف فقد تأثر بعض الأساتذة المسلمين بهذه الدعوة في مقدمتهم الأستاذ الدكتور طه حسين، إذ دعا طلبته في كلية الآداب إلى نقد القرآن الكريم بوصفه كتاباً أدبياً، وأثار الشبهات حول كلمة كتاب وقرآن، وقال إنَّ الكتاب غير القرآن، وأنَّه كان موجوداً قبل نزول القرآن، وإنَّ القرآن صورة عربية منه، وأنَّه أخذ صوراً من الكتب التي قبله، ويقول: "إنَّ هناك قرآناً مكياً له أسلوب، وقرآنا مدنياً له أسلوب آخر، وإنَّ القسم المكي يمتاز بالهروب من المناقشة والخلو من المنطق، أمَّا القسم المدني فيمتاز بمناقشة الخصوم بالحجة الهادئة، وهذا القول هو ما يردده المستشرقون، وفي مقدمتهم المستشرق اليهودي البريطاني دافيد صموئيل مرجليوث في كتابه "مقدمة الشعر الجاهلي" الذي ترجمه الدكتور طه حسين ونسبه إلى نفسه، مسمياً كتابه " الشعر الجاهلي"، والذي قال فيه بخلق القرآن، ثمَّ تراجع عن ذلك عندما وجد اعتراضاً على ذلك.

- قيام بعض المستشرقين برصد الحركات الإسلامية المعاصرة، ودراسة أحوالها وأوضاعها ليمكنوا صناع القرار في البلاد الغربية من مكافحتها، وبذل كافة الوسائل لإطفاء نورها، وهناك عدد من المستشرقين مثل: "هاملتون جيب"، و"ميشيل ريتشارد"، و"ألفريد سميث" وغيرهم كتبوا عدة دراسات عن هذه الحركات، ومن أحدث الدراسات عن هذه الحركات أعدها المستشرق الأمريكي جون سبوزيتو عن ظاهرة الصحوة الإسلامية في العالم الإسلامي، وهي على صلة وثيقة بالبيت الأبيض الأمريكي.

إنَّ رجال الحكم الغربيين والإعلاميين حريصون على معرفة الحركات وزعمائها، وفي شهر مايو سنة 1992م صرَّح نائب الرئيس الأمريكي في حفل الأكاديمية البحرية بولاية ماريلاند "بأنهم في هذا القرن أي القرن العشرين قد أخيفوا بثلاث تيارات: الشيوعية، والنَّازية، والأصولية الإسلامية، وقد سقطت الشيوعية والنَّازية ولم يبق أمامهم سوى الأصولية الإسلامية"، فمن أخطر دراسات المستشرقين عن الإسلام وأهله الدراسات التي تحذر الغرب من قدرات الإسلام الكامنة، وتنبيه الغربيين إلى ثروات المسلمين الهائلة ليخطط الغرب مواصلة سيطرته على بلاد المسلمين، ومن أخطر الدراسات الاستشراقية تلك التي أعدها المستشرق الألماني "باول شمتز" باسم "الإسلام قوة الغد العالمية".

إنَّ مقولة نائب الرئيس الأمريكي عن الإسلام في التسعينيات من القرن العشرين تعيد إلى أذهاننا مقولة رئيس الوزراء البريطاني "جلاد ستون" في أواخر القرن التاسع عشر، أي قبل حوالي قرن من الزمانº إذ أعلن رئيس الوزراء البريطاني في مجلس العموم البريطاني وقد أمسك بيمينه كتاب الله - عز وجل -، وصاح في أعضاء البرلمان وقال: "إنَّ العقبة الكؤود أمام استقرارنا بمستعمراتنا في بلاد المسلمين هي شيئان، ولابد من القضاء عليهما مهما كلفنا الأمر، أولهما هذا الكتاب، وسكت قليلاً، بينما أشار بيده اليسرى نحو الشرق وقال: هذه الكعبة ".

أليس هذا أكبر دليل على أنَّ الغرب لم ولن يغير موقفه من الإسلام والمسلمين؟

إنَّ دور المستشرقين لم يتوقف عند هذا الحد، إذ نجدهم مهدوا وساعدوا على الاستعمار منذ عصر الإسكندر الأكبر، ونابليون بونابرت، حتى أواخر القرن التاسع عشر، والقرن العشرين، سواء كانوا رحالة أو قناصل أو جواسيس، أو منصِّرين.

ثانياً: الأهداف السياسية والاستعمارية والعسكرية:

ممَّا ينبغي التوقف عنده والتأكيد عليه أنَّ نشاط المستشرقين والخبراء الأمريكيين بشؤون الشرق الأوسط يشكل جزءًا رئيساً من نظام التخطيط للعمل الإسرائيلي والأمريكي في المنطقة العربية، وهذا ينبهنا إلى حقيقة هامة، وهي أنَّ الاستشراق يقوم في عصرنا الراهن على مخطط تحدده المصالح الأمريكية والصهيونية في الشرق الأوسط، كما لعب الاستشراق الأوربي من قبل، والاستعمار الإنجليزي بدور في خدمة الأهداف الصهيونية بإنشاء صندوق اكتشاف فلسطين، وإعلاء شأن اليهود مع التقليل من شأن العرب المسلمين، والذي سهَّل للصهيونية تحقيق أهدافها من خلال الاستشراق وجود أكثر من أربعين يهودي في المدارس الاستشراقية الأوربية والأمريكية، ومن أكبر مستشرقيها مثل: جولد تسهير، وشاخت، وكارل بروكلمان، ولويس ماسينون، ومكسيم ردونسون، ومرجليوث، وبرنارد لويس.

ولا ننسى أنَّ بعض المستشرقين أوجدوا النظرية العرقية ليبرروا الاستعمار، ووصفوا العقلية العربية بأنَّها عقلية ذرية غير قادرة على التجميع والقيادة، وممن قالوا بهذا القول المستشرق البريطاني هاملتون جيب، وملف الاستشراق حافل بهذه المواقف التي تدين الحركة الاستشراقية، والتي بسببها أصبح مصطلح الاستشراق مشبوهاً، وأعلن المستشرقون تخلصهم منه ورميه في مزبلة التاريخ، واستبداله بمراكز المعلومات التي تقوم بنفس دور الاستشراق القديم، ولكن في ثوب جديد.

 

ثانياً: الأهداف العلمية والتمهيد للعولمة الثقافية:

ومما ينبغي لفت الانتباه إليه أن الاستشراق قام بدور كبير في التمهيد للعولمة الثقافية باحتواء كثير من المسلمين ثقافياً عن طريق خدمة المستشرقين للتراث وتحقيقه ونشره وفهرسته، وما إلى ذلك حيث أصبح كل باحث مسلم لا يستغني عن بعض جهودهم في أبحاثه ومكتباته، فيعتمد عليها أو يتناولها بالدراسة، وتأثر بها شعر أو لم يشعر، ويرجع هذا إلى نجاح الاستشراق في السيطرة على مصادر التراث العربي الإسلامي، وعلى الرغم من أن بعض الدراسات كانت تقترب من صفة النزاهة والحياد إلاَّ أنها في النهاية، وبكل المقاييس تبقى مظهراً من مظاهر الاحتواء الثَّقافي، وقد نجم عن هذا الاحتواء الآتي:

أ-شعور كثير من المسلمين بضعفهم، ونقص إمكاناتهم، وتأخرهم عن غيرهم في العصر الحديث، ونسبة كل الإيجابيات إلى الغرب.

ب-تبعية كثير من الكتَّاب والباحثين فكرياً لهم، ودفاعهم عن مبادئهم ومناهجهم.

ج- وضع أسس لمنهج البحث والتفكير المادي، فكتبوا وبحثوا ونقدوا في ضوء هذا المنهج، كما نجدهم قد طبَّقوا المناهج الفكرية المادية على كثير من علومنا الإسلامية سواءً في التفسير المادي للتاريخ، أو في كتاباتهم عن القرآن الكريم والرسول - صلى الله عليه وسلم - فدَّعموا شهادتهم في هذه الجوانب الفكرية باسم المنهج العلمي، ممَّا أدى إلى رواجها واستسلام كثير من الكتاب لها ودفاع بعض المسلمين عنها.

د- لقد رسَّخ المستشرقون مبدأ العلمانية وصدَّروه إلى عالمنا الإسلامي سواء في الجانب الفكري والسياسي، فأصبح من المسلمين من تبنوا مبدأ العلمانية، بل نجد هناك بعض الدول الإسلامية قد تبنت العلمانية، وأعلنت أنَّها دولة علمانية، أو هناك من المسلمين من ينادي بعلمانية السياسة، ونحن لو رجعنا إلى أصل نشأة هذه الدعوة نجد أنَّ المستشرقين ممن روَّجوا لها ودعوا إليها، ولا ننسى أثر ميكافلي في ترسيخ العلمانية السِّياسية، وتجريد السياسة من معاني الدِّين والأخلاق وتبرير الوسائل باسم الغايات.

ه-دعوة المستشرقين إلى الحرية الفكرية المزعومة التي دعوا إليها، ولم يلتزموا بها في بحوثهم وكتاباتهمº إذ نجدهم صوروا المفكرين الإسلاميين مجرد نقلة للتراث اليوناني الفلسفي بناءً على نظرتهم العنصرية المقسمة للشعوب إلى: ساميين، وآريين. فالساميون ومنهم العرب لا قدرة لهم على التفكير الفلسفي، وتناول الأمور المجردة بخلاف الشعوب الآرية، كما صرَّح بذلك رينان في كتابه " تاريخ اللغات السامية "، وكذلك "جوتيه" في كتابه " المدخل لدراسة الفلسفة الإسلامية ".

و-كان الاستشراق وراء طرح ونشر مصطلحات متعددة في الجانبين الأدبي والنقدي مثل "الحداثة" و " البنيوية" و "الأبستولوجيا المعرفية" و "والوجودية" و "النثرية" في مجالات الأدب، ولقد كشفت الباحثة البريطانية فرانسيس ستونور سوندرز في كتابها "بعنوان "التكاليف؟ -الصادر في يوليو عام 1999م- قيام الحكومة الأمريكية عبر وكالة المخابرات المركزية لإيجاد مدارس وتيارات ثقافية كاملة ومنها تيار الحداثة، ودعم مجلة الحوار العربية وغيرها، فتجرأ بعض الأدباء والشعراء على الذات الإلهية، فأدونيس كتب قصائد بعنوان " الإله الأعمى، و " الإله الميت "، ويقول في هذه القصيدة: " وبدلت إله الحجر الأعمى وإله الأيام السبعة بإله ميت "

(1)، وأعلن كرهه لله، بل ادعى الألوهية في قصيدة " الخيانة "

وأنا ذاك الإله

الإله الذي سيبارك أرض الجريمة

وصلاح عبد الصبور قال في شعره " الشيطان خالقنا ليجرح قدرة الله العظيم "

(2)، وقال في قصيدة " الإله الصغير":

ورقصنا وإلهي للضحى خداً…لخد

ثمَّ نمنا وإلهي بين أمواج وورد

ويقول ذات الشاعر في قصيدة " الناس في بلادي ":

كم أنت قاس موحش يا أيها الإله

(3)وأمل دنقل مجَّد الشيطان فقال في قصيدة له:

المجد للشيطان ……معبود الرياح

من قال " لا " في وجه من قالوا " نعم "

من علّم الإنسان تمزيق العدم

من قال " لا " فلم يمت

وظلَّ روحاً أبدية الألم.

والأمثلة كثيرة لا حصر لها، ولكن ما ذكرته يبين لنا سمة الشعر الحداثي، ومقومات الحداثة القائمة على فصل العقيدة عن الفكر والأدب آخذة بمذهب " الفن للفن، متبنية مذاهب فكرية لا تمت للدين الإسلامي بصلة، بل تدعو إلى الإلحاد وإلغاء العقل، وإحياء فكر الفرق الباطنية من دعاة الحلولية والتناسخ، كما أوجد المستشرقون في الساحة مصطلح "الأصولية " و " السلفية " لتغييب اسم الإسلام.

ز-لم يقتصر المستشرقون في بحوثهم على علم واحد، وإنَّما تناولوا مختلف العلوم، وللأسف لم يلتزموا بالحيدة والموضوعية في أغلب بحوثهم، إذ نجدهم سلكوا سبل التحريف والتشويه في دراساتهم عن القرآن الكريم والطعن في مصدره، وكذلك الطعن والتشكيك في السنة المطهرة وصحتها، وامتد التشويه إلى نبي الإسلام محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، وحسبنا قول المستشرق البريطاني وليم موير: "إنَّ سيف محمَّد والقرآن هي أكثر الأعداء الذين عرفهم العالم حتى الآن عناداً ضد الحضارة والحرية الحقيقية ".

ح-تأليف الكتب والمراجع والموسوعات العلمية في موضوعات مختلفة عن الإسلام ونظمه مع التحريف الخفي، والتزييف المتعمد في الوقائع التاريخية، وفي نقل النصوص من القرآن والسنة، وبيان سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وإصدار النشرات الدورية والمجلات العلمية الخاصة ببحوثهم عن الإسلام والمسلمين، وإلقاء المحاضرات والخطب في الجمعيات العلمية، وفي كل مكان، ونشر مقالات وبحوث في الصحف والمجلات الواسعة الانتشار، وخاصة في أوساط المثقفين، وترجمة كتبهم ومراجعهم وموسوعاتهم إلى اللغة العربية، ويكفي أن نعرف أنَّ هناك وأقسام عديدة مستقلة للدراسات الشرقية في الجامعات العلمية في الغرب كله، وأنَّ في القارة الأمريكية وحدها حوالي تسعة آلاف مركز للبحوث والدراسات الشرقية عامة، ومنها حوالي خمسين مركزاً خاصاً بالعالم الإسلامي، وأنَّه منذ مئة وخمسين عاماً، وحتى الآن يصدر في أوربا بلغاتها المختلفة كتاب كل يوم عن الإسلام، فقد صدر ستون ألف كتاب بين سنة 1800-1950م. أي عبر قرن ونصف، ويصدر المستشرقون الآن ثلاثمائة مجلة متنوعة بمختلف اللغات في تراث الإسلام، وأنَّ المستشرقين عقدوا خلال قرن واحد ثلاثين مؤتمراً مثل: مؤتمر"أكسفورد" الذي ضمّ تسعمائة عالم.

وما هذا إلاَّ خطة لتهيئة الرأي العام لقبول الغزو العسكري والاقتصادي والثقافي الغربي لبلاد الإسلام من جهة، ولدراسة أحوال العالم الإسلامي، وكل ما يتعلق بشؤونه ليساعدهم ذلك على السيطرة وبسط النفوذ من جهة أخرى.

كل هذا كان إعداداً وتمهيداً لتقبلنا لما هو آت، وهو " العولمة "، بل لخضوعنا لما تفرضه علينا العولمة، وعدم إعطائنا فرصة للقبول أو الرفض، فنحن ما بين عشية وضحاها وجدنا أنفسنا أمام العولمة الدينية -من خلال فرض الحوار الإسلامي المسيحي- والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتقنية في آن واحد، ووجدنا أنفسنا قد فقدنا القدرة حتى على شجب ما تتعرض له الأمة الإسلامية من عدوان ومحاولات إبادة، بعدما فقدنا القدرة عن المشاركة في القتال للدفاع عن ما يتعرض له المسلمون من غزو، فلقد شوهوا مفهوم الجهاد في الإسلام، فصوروا الجهاد في سبيل الله ومقاومة الاحتلال والعدوان إرهاباً، وقتلوا روح الجهاد في نفوس المسلمين بعد اتفاقية كامب ديفيد، وخداعنا بأسطورة السلام مع الذين لا يعرفون السلام، ولا يحترمون العهود والمواثيق، ولا يلتزمون بها.

 

أخطار العولمة السياسية

والطَّامة الكبرى أن "العولمة" السياسية سوف تلغي دور الدولة والحكومة، وأنَّ النظام الاقتصادي العالمي الجديد المفروض علينا سوف يجعل البلاد النامية التي نصنف نحن ضمنها مراكز للتلوث الصناعي، إذ يخطط الكبار نقل مصانعهم إلى بلادنا لحماية بيئاتهم من التلوث الصناعي، مع استغلال العمالة في هذه البلاد لرخصها، ولكن دون أن تنقل لنا تقنية الصناعة أو جعلها في أيدينا، وهذا ما تدرسه الآن بريطانيا لطلبتها وتعِدٌّهم لتنفيذه، كما أنَّ النظام المالي الجديد سيتيح المجال أمام المضاربين لضرب اقتصادنا كما حصل في إندونيسيا وماليزيا، كما أنَّ النظام الاقتصادي الجديد سوف يفتح باب الاستثمار على مصراعيه، وهذا يعني أن الصهاينة سيدخلون أسواقنا ويتحكمون في اقتصادنا كما دخلوا بيوتنا من خلال التمويل الأجنبي للجمعيات النسائية الأهلية، والاتفاقيات الدولية -كاتفاقية إزالة أشكال التمييز ضد المرأة التي وقع عليها عدد من الدول الإسلامية-، ومؤتمرات المرأة العالمية، وأصبحوا يفرضوا علينا الخروج عن ثوابت الإسلام مع توعدهم لعلماء الدين إن اعترضوا على ما يفرض علينا من توصيات مؤتمرات المرأة العالمية بسن قوانين دولية تطبق على الجميع، وخاصة القوانين التي تسمح بالانفلات الجنسي تحت مسمى " الصحة الجسدية " أو " الصحة الجنسية"، والتي تتضمن إقرار الإجهاض كوسيلة من وسائل منع الحمل إلى جانب الحرية الجنسية الانفلاتية.

 

----------------------------------------

1- ديوان أدونيس: المجلد الأول، ص346.

2- ديوان صلاح عبد الصبور: قصيدة الحزين، ص 38.

3- قصيدة كلمات سبارتكوس لأمل دنقل.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply