الديمقراطية الطباطبائية


 
بسم الله الرحمن الرحيم
في 11 و12 من هذا الشهر ترك المجلس الأعلى "الثورة" وراء ظهره، واختار الديمقراطية، وتخلص من "عقدة" الارتباط المشهور بالولي الفقيه خامنئي، إلى الأخذ بإرشادات وفتاوى السيستاني، وأسكت الذين يتهمون عبد العزيز الحكيم وزمرته القيادية بأنهم لم يتزحزحوا عن كراسيهم منذ أسس الإيرانيون المجلس عام 1979م، فالحكيم بعد مؤتمر 12/ 5/ 2007م قائد منتخب شرعي ومشروع، ولا يغامر أحد بالسؤال عن قيادته!

خامنئي لم يغضب لهذا التحول لأنه رجل براغماتي، فضلاً عن ميراث التقية الذي ورثه ويبشر به، وهو يعلم أن الثورة تحتاج إلى أن تسمى باسمها، ومثلما يمكن قتل المسلم بذريعة التكفير والنصبº يمكن خدمة بلاد فارس بدماء العراقيين دون أن يسمى ذلك القتل جريمة، ويمكن إضمار الولاء والتبعية مع العمل بموجبهما.

أمر غريب أن يتصور عبد العزيز الحكيم أن أحداً يمكن أن يصدق مناورته المكشوفة، ولكن هل يهتم لرأي غير رأي الأمريكان الذين أحرجهم الحكيم وغير الحكيم بدكتاتوريتهم ودمويتهم وعمالتهم لإيران، العدو الافتراضي للأمريكان في هذه المرحلة؟!

لفظة (الثورة) طلب الأمريكان رفعها من اسم مجلس الحكيم، والدول العربية المجاورة للعراق وغير المجاورة أيضاً تتطير من الثورة والثوريين، إذ تذّكرهم بشعار تصدير الثورة الذي جاء به الخميني، ونشر الطائفية والصراع الداخلي والفتن في أكثر من بلد باسم تلك البضاعة!

والحكيم لا يهمه أن يقال إن الاتهامات التي كانت توجه إليه وإلى عصابته بالعمالة لإيران، والتبعية الذيلية لها هي اتهامات صحيحة، فالرجل من أهل المستقبل، ولا ينظر إلى الوراء، والديمقراطية مجرد لفظة يستطيع أي حاكم وأي زعيم عصابة وأي غاصب للسلطة أن يدّعي أنه من أهلها، خصوصاً إذا هيأ الظروف المناسبة لترويج ذلك الإدعاء، فعقد مؤتمراً انتخب فيه هو نفسه للزعامة، وأصبح من الناحية النظرية منتخباً وشرعياً!، فإذا قيل إن الديمقراطية والطائفية طرفا نقيض أمكن تأويل ذلك، ولا يهم بعد ذلك تصديق ذلك التأويل أو تكذيبه.

والديمقراطية لا تنسجم مع الولاء الأعمى المطلق للقادة والمراجع، ولا تنسجم مع قيادة عصابة من القتلة ومحترفي الجريمة الذين اغرقوا البلاد بالدماء، فقتلوا البعثي السابق، والطبيب والضابط، والطيّار والعالم، وإمام الجامع والملتزم بصلاة الجماعة، ولكن هل يهتم الحكيم لهذه الشبهات؟

والحكيم الذي ارتبط بالسيستاني رسمياً فضح بذلك مرجعه الجديد، إذ تبين أن السيستاني مجرد واجهة يستعان بضعفه وانعزاله لتمرير مشاريع القتل والتدمير، وتفادي مواجهة الاحتلال، فالمعروف أن الولي الفقيه قائد الشيعة المطلق هو خامنئي، وللدعوة مرجعيتها ممثلة بفضل الله، وجماعة مقتدى يقّلدون كاظم الحائري، وبذلك فالسيستاني هو مرجع (المتفرقة)!

لكنه - أي السيستاني - نفع الأحزاب الشيعية عندما بارك قائمة أصحاب المقابر الجماعية، وحرّم انتخاب قائمة غيرها، ونفع الميليشيات عندما زج أول وجبة منهم - في اتفاق مع نيغروبونتي - في صفوف القوات المسلحة الجديدة، ونفعهم بالصمت عندما يكون المقام مقام كلام، ويتكلم في مواضع السكوت، وبين الحالتين هو في حالة بين النوم والغيبوبة، الأمر الذي دعا بعض أنصار مقتدى أن يسيروا في مظاهرة بمدينة الصدر المقدسة وهم يرفعون وسادة حمراء كبيرة كتب عليها: هدية إلى المرجعية النائمة!!

والحكيم يعرف - والموت والحياة بيد واهبهما - أن عمر السيستاني قصير، ومحمد سعيد الحكيم عم عبد العزيز الحكيم هو المرشح للمرجعية بعد هلاك السيستاني، وقد أنفق المجلس الأعلى المال الوفير لتلميع صورة محمد سعيد الذي لا يقلده أحد!، وبذلك تكون فدرالية الحكيم القادمة في قبضته بالكامل، فالسياسة يتولاها هو وابنه، والمرجعية يتقلدها عمه، ولا عزاء لإخوتنا في الجنوب والفرات الأوسط من الذين انتخبوا قائمة الشمعة تبرئة للذمة، أو خوفاً من فراق الزوجة، أو مفارقة الروح على أيدي جنود لواء بدر الذين بثهم الحكيم على أبواب المراكز الانتخابية!

الحكيم يصبح ديمقراطياً من المضحكات المبكيات، فهو واحد من أكثر قادة الائتلاف دموية، وهو مصمم فتنة تفجير مرقدي سامراء، ومحرك الحثالات الذين خرجوا من الجحور لقتل المسلمين، وحرق بيوت الله، وتمزيق المصاحف، ورفع الرايات فوق القباب تمجد بإمامهم المعدوم، وبشركاء الجريمة!

والحكيم مبتكر اتهام (التكفيريين والنواصب والصداميين) في كل جريمة يرتكبها هو أو أحد شركائه، وهو يلعب دور "شارلوك هولمز" في الكشف عن الفاعلين قبل انطفاء النار في أي بقعة مستهدفة بتفخيخ أو تفجير، وهو الذي خرج يوم 22 شباط يستعرض علمه الواسع، ويحشد الحثالات، ويحرضهّم على المسلمين، مدعياً أن تفجير سامراء يستهدف أتباع مذهب آل البيت من الذين تطاردهم المظلومية منذ أكثر من 1400 سنة!

ولم ينس أن يلعن كل سكان الكرة الأرضية الذين يقفون متفرجين على تلك المظلومية، ثم عاد بعد سنة ليكرر مفترياته، ثم سكت عن المطالبة بتقديم الفاعلين للقضاء لأنه على رأس أولئك المجرمين!!

والحكيم الديمقراطي الذي حوّل مع شركائه الوزارات وقوات الجيش، والشرطة والجامعاتº إلى حسينيات للطم والتعذيب، والخطف والقتلº هو اليوم غير الحكيم الأول بزعمه، فمتى كانت المعاني تختلف إذا اختلفت أسماؤها!

من أراد الضحك فليضحك، ومن أراد البكاء فلا يلومه أحد، فبين هذين الحالين يقف العراق اليوم.. العراق الجديد.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply