الحكيم الذي استقى فلسفته من القرآن
أوكيف تطلب السعادة في الإسلام
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
قال الشيخ الحكيم لطلبته وهو يعظهم:
- تعلمون أيها الصالحون أن كل من قرأ القرآن وتدبرفي آياته وأخذ من علوم الطبيعة من جيولوجيا وعلم فلك وعلم فيزياء وكيمياء ثم علوم الحياة من نبات وحيوان وإنسان، فلا يسعه إلا أن يكتشف حقيقة جلية متمثلة في ذلك النظام البديع الذي بثه الله في الكون ورتب فيه عددا لا يحصى من الكائنات، ترتيبا عجيبا ودقيقا، كما سيقف مشدوها أمام روعة الانسجام والتناغم اللذين يغمران كل المخلوقات ابتداء من أصغر جسم (الذرة) إلى أضخم الكواكب والمجرات، ليخر في الأخير ساجدا لله وشاكرا إياه على نعمه وآلاءه.
يقول الله تعالى في كتابه العزيز: "الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى"الأعلى3 "ما ترى في خلق الرحمان من تفاوت"الملك 3 "والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم ، لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلكه يسبحون"يس 38 "ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين" الأنعام 59،
وحينئذ يدرك جيدا ما عناه الله من آياته الكريمة: "إنما يخشى الله من عباده العلماء"فاطر 28 "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون"الزمر9 "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات"المجادلة 11 "وقل ربي زدني علما"طه 110 والسعيد السعيد هو من أدرك هذا النظام وتأمله في كل لحظة وحين.
هنا توقف الحكيم لحظة ليسترد أنفاسه المتعبة ثم تابع متسائلا:
- "ما السبيل إذن لبلوغ تلك السعادة ؟ وهذا هو قصدي من اجتماعي معكم في هذا اليوم السعيد. أقول: إن السعادة يا أبنائي، في دين الإسلام يتوجب طلبها في الدنيا والآخرة، فأنتم تعلمون بأننا لسنا رهبانا إذ "لا رهبانية في الإسلام" ولذا فطريقكم إلى السعادة في الدارين هو طريق واحد ألا وهو التقوى، والتقوى تكون بإتباع كل ما جاء في كتاب الله تعالي –القرآن – "إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم" الإسراء 9، ذلك لأن كل الحقائق القرآنية وخاصة منها الأوامر والنواهي مترابطة ومتكاملة فيما بينها بحيث تكون بناء متراصا منسجما ومتناسقا، إذا ما أزيلت منه لبنة ، تداعي البناء كله ، وهذا يعني أن أي إهمال لجانب منه، يؤدي حتما إلي نقص في الإيمان، وبالتالي بعدا عن التقوى.
سأل أحد أتباعه:
- "هلا وضحت لنا أكثر ، أيها الحكيم الجليل، معنى هذه التقوى؟
استغرب الحكيم من هذا السؤال ثم أجاب كمن كان يشرح درسا لتلامذة مبتدئين:
"التقوى إجمالا، هي أن يتقي الإنسان كل الشرور ما ظهر منها وما بطن"
عقب آخر قائلا:
"لكن ياسيدي الحكيم. إن الشر هو قيمة نسبية عند الناس، فما يعتبره البعض شرا قد يراه الآخرون خيرا وذلك تبعا للتقاليد والأعراف التي شبوا ونشئوا عليها.
ارتسمت على محيا الحكيم ابتسامة لطيفة على إثرها شرع يتلوالآية الكريمة بصوت مؤثر صادر من الأعماق: "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله" آل عمران 110.
سادت بعدها لحظة صمت أدرك الأتباع من خلالها قصد الحكيم ، ثم تابع كلامه قائلا :
- "إن ما يعتقده الناس، أيها الأخيار، في كون الخير والشر قيمتان نسبيتان لهو الضلال الأكبر، إذ لوكان الأمر كذلك لاختلفت الناس في المعايير وسادت الفتنة ثم اختل النظام. والحقيقة هي أن الشر أوالقبح كما يتضح من خلال الحقائق القرآنية هو كل إخلال بالتوازن والانسجام اللذين بثهما الله في هذا الكون ابتداء من أصغر جسم إلى أضخم الموجودات، باستثناء كائن واحد ألا وهو المجتمع الإنساني الذي هو من صنع الإنسان والذي لا غرابة في أن يكون دوما عرضة لانعدام الانسجام والتوازن نظرا لتضارب المصالح وغلبة أنانية أفراده ، وهكذا فإن كل فعل إنساني يكون من شأنه أن يخل بتوازن أوإحداث خلل في نظام ما سواء كان موجها ذلك الفعل نحو الذات أو نحو الغير(جماد ، نبات ، حيوان ، إنسان ) يعتبر شرا : فأن تعتدي مثلا على النفس أو على الغير (إلحاق ضرر مادي أو معنوي ) فهذا يعتبر تدخلا في المسار الذي أراده الله لذلك الكائن أولتلك النفس ، بحيث يحرفها ذلك الفعل نحو مسارغير مسارها الطبيعي الذي فطرها الله عليها ومبعدا إياها عن ذلك الانسجام والنظام الذي يجمع شملها ويحافظ على روحها.
إذن فصيد حيوان أو قطف ثمارهو إخلال بهذا التوازن والانسجام المنبثين في الطبيعة؟
عقب أحد طلبته متسائلا:
أجاب الحكيم:
- "إن الحيوان والنبات والجمادات وكل باقي النعم والخيرات الني يحيا في كنفها الإنسان من ماء ومعادن ونور وظلمة وتعاقب الفصول وتقلبات الطقس من حرارة وبرودة ورطوبة ورياح وحركات الأرض الباطنية ودوران الكواكب والأفلاك وحياة وموت كلها مخلوقات مسخرة من أجل حفظ هذا التوازن والانسجام وذلك حتى يتمكن الإنسان من أداء رسالته على أحسن وجه ، تلك الرسالة التي من أجلها خلقه الله حتى لا يجد ذريعة للتملص من أدائها. يقول الله تعالى: "وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ، قال إني أعلم ما لا تعلمون"البقرة 30 "هو الذي جعلكم خلائف في الأرض" فاطر 39. "الله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار، وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهاروآتاكم من كل ما سألتموه ، وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ، إن الإنسان لظلوم كفار"سورة إبراهيم 30.
ولكن السؤال الذي يثار في هذا الشأن هو : متى يصبح ذلك الفعل (صيد حيوان أوقطف ثمار مثلا) شرا من الشرور؟
يجيب الحكيم:
- "يعتبرالفعل شرا إذا ما تجاوز الحد المسموح به شرعا. تبعا لقوله تعالى: "تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون"سورة البقرة 229 "ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها"سورة النساء 14.
ففي موضوع الصيد مثلا يقول تعالى: "يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب ، فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم" المائدة 93. "أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البرما دمتم حرما ، واتقوا الله الذي إليه تحشرون"المائدة 95.
فأن تقتل النفس بغيرحق أوتنزع ثمارا لغيرك من غير حق أوحتى أن تقطف ثمارا في ملكك قبل حلول نضجها أوأجل جنيها أن تصيد صيدا من غير حق ، كأن تتجاوز الحد المسموح به من أجل درء الجوع مثلا أوأن تتقاعس عن أداء واجباتك المشروعة إزاء خالقك أو إزاء نفسك أو أهلك أو مجتمعك ، فهذا السلوك يعتبر إخلا لا بالتوازن والانسجام الذي أراده الله لمخلوقاته وبالتالي يعتبر شرا يحاسب عليه .
يقول الله تعالى: "ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره" والواقع أن كل الخيرات والنعم التي أوجدها الله في هذا الكون هي ملك للناس كافة يتوجب على كل واحد أن يأخذ نصيبه منها من غير إفراط أوتفريط، علما أته تعالى فرق بين عباده في الأرزاق "ولقد فضلنا بعضكم على بعض في الرزق"وذلك لحكمة يعلمها سبحانه. ولذلك اعتبرت الأموال في الإسلام أموالا لله، فهو وحده المالك والوارث لها ولا يجوز التصرف فيها بحرية مطلقة. يقول تعالى:" كلوا واشربوا ولا تسرفوا ، إنه لا يحب المسرفين"الأعراف 31 ."كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي" سورة طه 81. ذلك لأن فعل الإسراف يؤدي إلى حرمان البعض الآخر من الانتفاع من تلك الخيرات، بل حتى إن كنا نملك بعض تلك الأموال بالمعنى القانوني الوضعي ، ففيها حق للسائل والمحروم تبعا لقوله تعالى: "وآت ذات القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا ، إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين"الإسراء 17 "إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم" التوبة 60 "وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين" سبأ 38 وقد شرع الله طرقا لصرف تلك الأموال كالصدقات والزكاة والكفارة وغيرها، وهكذا نستنتج أن كل من لم يلتزم بهذه الأوامر والنواهي يساهم في الإخلال بالتوازن والانسجام اللذين جعلهما الخالق دعامة لحياة المستخلفين في الأرض وبالتالي يقع تحت طائلة العقاب الإلهي. يقول تعالى في كتابه العزيز: "والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله ، فبشرهم بعذاب أليم" التوبة 34.
فالشر إذن هوفعل إنساني محض لا يمكن نسبته إلى الله تعالى عن ذلك. إذ هو صادر عن إرادة حرة وعن عقل مدرك لعواقب اختياره وبالتالي يتحمل صاحبه تبعاته في الدنيا والآخرة، إلا أن هذه الأفعال القبيحة التي يرتكبها الإنسان ونظرا لضعفه فهو عادة ما يبحث لها عن مبررات كان يرجعها مثلا إلى حالة الاضطرار أوقد ينسبها إلى أسباب غيبية أوخرافية، والسبب في هذا يرجع إلى ذلك الشعور الفطري بالذنب الدي ينتاب الفاعل في كونه أخل بالناموس الكوني (مبدأ التوازن والانسجام ) وذلك حتى يهدأ من روعه ويعيد توازنه النفسي الذي فقده بسبب اقترافه لذلك الفعل القبيح.
والفكرة الأولى التي نستخلصها من هذا هو أن كل إخلال من طرف الإنسان بالتوازن والانسجام الموجودين في الطبيعة ينتج عنه حتما فقدان الذات لتوازنها النفسي وهذا بدوره ينتج عنه رد فعل يتجلى في محاولة الذات لاستعادة توازنها (عبر وسائل مختلفة : مبررات ، مخدرات ، مهدئات الخ..) ، ولما كان الله خالقا لهذا الكائن وعالما بتكوينه النفسي فقد فتح له في هذا الشأن مخرجا وهو باب التوبة والتكفير عن الذنوب بالكفارة والصدقات وكل أعمال الخير.
ويتضح من هذا أن المبدأ العام الذي يحكم الحياة في هذا الكون هو مبدأ ميل كل الكائنات إلى الحفاظ على التوازن والانسجام العام.
والفكرة الثانية هي أن حالة الإنسان الطبيعية التي خلقها الله وفطره عليها هي الإدراك العقلي السليم من أجل التمييز بين الأفعال خيرها وشرها قبل الإتيان بها ، يقول تعالى في كتابه العزيز: "ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها" سوره الشمس 10.
وهذا يعني أن النفس إذا أخطأت اكتشفت هي بذاتها ، وبالفطرة أنها أخطأت، يقول تعالى: "فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لاتبديل لخلق الله . ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون"سورة الروم 30.
توقف الحكيم لحظة ثم تابع متسائلا:
- "فكيف يتم هذا الانسجام والتوازن داخل الكائن الإنساني؟"
أجاب الحكيم بصوت هامس قائلا:
- "إن الكائن الإنساني هو كائن يجمع بين طبائع ومكونات المخلوقات الأدنى منه درجة في الترتيب من ماء وتراب ومعادن وإحساس ونمو وتغذية وتناسل إلا أنه يتميز عنها بميزتين أساسيتين ألا وهما: العقل والوجدان.
فالإنسان هو الكائن الوحيد الذي يفكر ويتخيل ويدرك الزمن في أبعاده الثلاثة : ماض، حاضر، مستقبل. كما أنه يعتبر الكائن الوحيد الذي يعطف ويحب بوعي وإدراك، تلك العاطفة التي تتجلى في أعظم تجلياتها في ذلك التعلق بكائن أسمى هو الله عكس الحيوان الذي لا يدوم تعلقه الغريزي إلا مؤقتا أي بمجرد الإشباع الغريزي اللحظي الذي خصه الله له كدافع للتكاثر والتوالد (إنتاج الخيرات) ولذلك كان العقل نورا يتعالى به الإنسان عن ظلا مية الحيوانية ويتجاوز به عماء الغريزة. أما العواطف من حنو وشفقة وتراحم وتساكن وغيرها فبواسطتها يتمكن الإنسان من أن يتعلق ويشارك كائنات شبيهة به لتتبلور في دوافع سامية كالأبوة والأمومة والأخوة في الدم ثم في أسمى درجاتها الأخوة في الإسلام "إنما المؤمنون إخوة" الحجرات 10 التي تسمو به نحو عالم سامي تشمل الفضائل العليا والقيم الأخلاقية النبيلة كالإيثار والتضحية والغيرية، ذلك لأنه بدون هذه الفضائل لا يمكن للإنسان أن يؤدي مهمة الاستخلاف التي هي وظيفة جماعية تتطلب التعاون والتساكن والتآزر من أجل عمارة الأرض، وإن غياب هذه العواطف وهذه القيم هي التي تصنع الفرقة بين الناس وتؤجج الفتن والحروب وبالتالي تعرقل سير أداء الرسالة.
هنا سكت الحكيم لحظة ليسترد أنفاسه مرة أخرى ثم تابع متسائلا:
- "فكيف إذن السبيل إلى التوفيق بين متطلبات الكائن العاطفية وجموح الغرائز وحكمة العقل ؟
أجاب الحكيم:
"هذا موضوع طالما خاض فيه الفلاسفة وحكماء الشرق القديم حيث قدموا آراءهم المتضاربة التي غالبا ما كانت ترجح عنصرا على حساب عناصر أخرى (عقل ، عاطفة ، غريزة) إلا أن عناية الله بخلقه تجلت في دين الإسلام الذي نزل ليضع حدا لذلك الغموض والحيرة اللذين كانا ينتابان عقول الناس إزاء هذه الإشكالية المعقدة وذلك بتوضيحها من خلا ل مكونات الإنسان الثلاثة (النفس ، الجسد ، العقل) التي تتعايش في انسجام وتوافق.
فالنفس تتم تغذيتها بالتقوى ، والمطلوب من الكائن الإنساني أن يكثر من إشباعها لأن إشباعها لا حدود له (بحب الله وخشيته ومحاسبة النفس لذاتها دوما)، غير أن غياب هذه التقوى يؤدي إلى ضعف الإيمان الذي قد يؤدي بدوره إلى مرض الكفر والذي ينتج عنه عدم شعور الذات بالتوازن والانسجام وبالتالي المعاناة والشقاء، يقول عز وجل: "ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى" طه 124.
أما الجسد فيتم إشباع غرائزه بالملذات الحسية ، والمطلوب هو إشباع محدود بواسطة تغذية متزنة من خلال ماشرعه الله من مأكل ومشرب يتوافقان مع طبيعة بنية الإنسان البيولوجية والفيسيولوجية منذ فترة الرضاعة إلى فترة الهرم ، ويتجددان بمشيئة الله حسب الفصول وحسب البيئة والمناخ اللذين يتواجد فيهما الإنسان . يقول تعالى في كتابه المبين: "يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات مارزقناكم" البقرة 172.
"يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلا لا" البقرة 8 "وكلوا واشربوا ولا تسرفوا ، إنه لا يحب المسرفين" الأعراف 31 ذلك لأن الغذاء في الإسلام وسيلة وليس غاية ، إذ أن القرآن وصف أولائك الذين يعيشون من أجل التلذذ وإشباع الغرائز الحسية بالأنعام وأنزل عليهم عقابا شديدا إذ يقول عز وجل: "والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم"محمد 12 لأن الإشباع إذا زاد عن حده تقهقر الكائن الإنساني إلى مرتبة الكائنات الأدنى منه درجة أي إلى مرتبة الحيوان مما تنتج عنه أمراض وعلل الجسم المختلفة ذلك لأن الاكتفاء بالإشباع الغريزي هومن طبيعة الحيوان وعليه يقوم بناءه.
أما العقل فيتم إشباعه بالعلم والمعرفة والمطلوب هو إشباعه بدون حدود مثله في ذلك مثل الروح . يقول الله تعالى "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات"المجادلة 11 "وقل ربي زدني علما" طه 110 "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون"الزمر9
وينتج عن غياب العلم وطلب المعرفة أمراض الجهل والضلال التي تؤدي بدورها إلى الكفر.
ويترتب عن هذا أن على المؤمن أن يتفادى ويستأصل المرض من جسمه بكل الوسائل المشروعة (من فنون الطب والصيدلة) وأن يتفادى ويستأصل الجهل من عقله (بطلب العلم واكتشاف المعرفة والتفقه في العلوم الشرعية والدنيوية) تم يستأصل الكفر من نفسه وذلك بتغذيتها بالتقوى، إلى أن يبلغ درجة التوازن والانسجام الذي بثه الله في النفس بالفطرة ، وهذا هو مبلغ السعادة ، إذ كلما أزداد الإنسان تقوى ثم اجتهد في طلب العلم والمعرفة وجاهد نفسه بالتحكم في جموح غرائزه ، كلما ازدادت درجة سعادته في الدنيا والآخرة يقول تعالى في كتابه العزيز: "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون، نحن أولياءكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما توعدون ، نزلا من غفور رحيم"فصلت 30 "ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب"الطلاق 2-3.
وهنا أنهى الحكيم حديثه بقوله:
تلكم أيها الصالحون الطريق المؤدية إلى سعادة الدارين ، فمبدأ الانسجام والتوازن الذي يتحكم في الكون هو نفسه الذي يتحكم في الذات الإنسانية وهو الذي يجب أن يتحكم في الأمة الإسلامية التي قال تعالى في شأنها: " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله"آل عمران 110، تلك الأمة التي وصفها الله بالخيرة وبالقدوة الحسنة لكل أقوام هذه الأرض ، لا يمكن أن تقوم إلا بإرادة الفرد وحده الذي عليه أن ينطلق من ذاته أولا للقيام بإصلاحها حتى تنعم بالسكينة داخل الإنسجام والتوازن الذي أراده الخالق لعباده ليصبح هو نفسه قدوة حسنة لأهله وجيرانه ثم مجتمعه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد