بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
في أحد الأيام تحاورت مع صديق قد أتعب نفسه بتتبع هنّات من حوله، في أسرته وجامعته وفي قراءاته، فهو مرهف الحس بشكل كبير؛ ولكنه انساق وراء الخافيات فضلاً عن المشاهدات، يشك حتى في إكرام من أكرمه وتقدير من قدره! ويتساءل هل يريد مني شيئا؟ لابد أن له مصلحة! فقلت له: أنت بذلك تفقد الثقة فيمن حولك وأسرتك وزملاءك؛ فتتعب أولاً وتتعب من حولك ثانياً؛ وسيملّك الناسُ فلا تجد أحداً!.
إنَّ الثقة بين أفراد الأسرة والمجتمع مطلب ضروري، فهو يقوي سياجها ويحمي قوتها، ولذا ففي الإسلام حفاظ عليها من التلويث أو الضعف أو الإلغاء ومن أراد بيان ذلك فليتأمل سورة النور "حادثة الإفك"، فقد أمر القرآن بأن يظن المسلم بالآخرين كما يظن بنفسه: "لولا إذْ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً" وهذا أدب رفيع؛ حينما يسمع الإنسان عن أخيه شيئاً فيرجع لنفسه هل هذا يقع منه؟!
ثم ذكر القرآن أهمية القرائن والإثباتات، وبعد ذلك ذكر القرآن الكريم أنه لو وقع الخطأ فعلاً، هل ثمة مصلحة بالكلام فيه؟ وهل وقوع الخطأ مسوغ لنزع الثقة عن الفرد بالكلية، وكذلك نزع الثقة عن المجتمع؟!
لاشك أن الإنسان يعاني أحيانا من الشكوك والوساوس، وربما وجد القرائن، فماذا يعمل؟ وبالمقابل هل المطالبة بإيجاد الثقة المتبادلة يتطلب خلو الأفراد والمجتمع من الأخطاءأما الإجابة على السؤال الأول فمضى جزء من الإجابة عليه في صدر المقال الذي يأمر الإنسان بإحلال نفسه مكان الآخرين، ثم أهمية القرائن، ثم إذا ثبت الأمر يتأمل المرء المصلحة أين تكون؛ هل هو بكف اللسان وعدم الكلام فيه؟ أم بذكره والمناقشة حوله إذا كان ذلك في حضرة حل أو مجلس قضاء أو صلح.
كذلك يلاحظ على الشَّكاك أنه يفسر كل لفظ وموقف بل حتى النظرات، وهذا خطأ كبير علاجه الظن الحسن والتغافل وتمرين النفس بأن معظم الناس يريدون به خيراً خاصة أهله وأحبابه.
أما الإجابة على السؤال الثاني فالإسلام أمر بحسن الظن، والثقة المتبادلة لأنها السياج القوي للمحافظة على لحمة المجتمع، ولعلمه أن الأخطاء واقعة، والمشكلات حاصلة؛ فقد وقعت في عصر النبوة- فضلا عن غيره- أخطاء فردية وجماعية كما في غزوة أحد وقصة حاطب، وقصة ماعز والغامدية رضي الله عنهم، ومن وقع في الكلام في حادثة الإفك وأحداث غزوة تبوك وغيرها، وهذا من جبلة الإنسان نظرا لضعفه فلذا حث «المجتمع وأفراده» على حسن الظن في كل الأحوال، ولكنه في حال الأخطاء والضعف والخلل أوجب، فإنه إذا اجتمع مع الأخطاء والضعف القيل والقال وسوء الظن وانتهاك الأعراض وفقْد الثقة بين الوالدين والأولاد، والرؤساء والمرؤوسين فماذا بقي بعد؟! إلا السقوط والتلاشي!
ويلاحظ في سورة النور كيف أدب القرآن المؤمنين: "لولا إذ سمعتموه قلتم مايكون لنا أن نتكلم بهذا"! ولما أخطأ من أخطأ من أفراد المجتمع وفيهم الخير قال تعالى: "وليعفوا وليصفحوا"، فالعفو والصفح لبنة أساسية للمحافظة على بناء الثقة في المجتمع.
كذلك فقد أمر الإسلام أفراد المجتمع بحفظ الأعراض كما تحفظ الأموال والدماء سواء بسواء، لأن في حفظ جناب الاعراض حفظا لمقام الإنسان والثقة به، ولذا حرم الغيبة والنميمة والهمز واللمز، وأمر بالذب عن عرض المسلم حتى لو أخطأ، ونهى عن نشر قالة السوء، وإشاعة الفاحشة، ويشتد الأمر بحفظ الثقة المتبادلة في الوقت الحالي خاصة في ظل الأحداث المتلاحقة والفتن المتتابعة، التي سهلت نشرها أجهزة التواصل والقنوات الفضائية؛ وإن كانت الأسلحة والرمي أم القوة البدنية، فالإيمان بالله والثقة به ثم بالنفس وبالآخرين أُس القوة النفسية، ومن حققهما قوي وعز وسعد، ومن فقدهما ضعف وذل وشقي..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد