رؤية شرعية في أسباب النهوض بالأمة


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

ﻻ‌ ﺗﺰال ﺟﺮاح الأمة ﺗﺘﻮاﻟﻰ، وﻣﺼﺎﺋﺒﻬﺎ ﺗﺘﺎﺑﻊ. وﻋﻨﺪ ﻛﻞ ﺟﺮح ﻳَﻌﺮض أﻫﻞ الإصلاح واﻟﺮأي ﺑﻀﺎﻋﺘﻬﻢ لإنقاذ الأمة ﻣﻦ واﻗﻌﻬﺎ الأليم!

وﺑﺎﺧﺘﻼ‌ف ﺗﻮﺟﻬﺎت أرﺑﺎب اﻟﺮأي، ﺗﺨﺘﻠﻒ رﺅاﻫﻢ ﻟﻺ‌ﺻﻼ‌ح!

وﻟﻦ ﻳﺼﻠﺢ آﺧﺮ ﻫﺬه الأمة إلا ﻣﺎ أﺻﻠﺢ أوﻟﻬﺎ، ﻗﺎل الإمام اﺑﻦ ﺑﺎز رﺣﻤﻪ الله: «ﻣﻦ أراد ﺻﻼ‌ح اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ الإسلامي، أو ﺻﻼ‌ح اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت الأخرى ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﻐﻴﺮ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ، واﻟﻌﻮاﻣﻞ، اﻟﺘﻲ ﺻﻠﺢ ﺑﻬﺎ الأولون ﻓﻘﺪ ﻏﻠﻂ وﻗﺎل ﻏﻴﺮ اﻟﺤﻖ، ﻓﻠﻴﺲ إﻟﻰ ﻏﻴﺮ ﻫﺬا ﻣﻦ ﺳﺒﻴﻞ، وإﻧﻤﺎ اﻟﺴﺒﻴﻞ إﻟﻰ إصلاح اﻟﻨﺎس، وإﻗﺎﻣﺘﻬﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟﺴﻮي، ﻫﻮ: اﻟﺴﺒﻴﻞ اﻟﺬي درج ﻋﻠﻴﻪ ﻧﺒﻴﻨﺎ ﻋﻠﻴﻪ الصلاة واﻟﺴﻼ‌م، ودرج ﻋﻠﻴﻪ ﺻﺤﺎﺑﺘﻪ اﻟﻜﺮام ﺛﻢ أﺗﺒﺎﻋﻬﻢ ﺑﺈﺣﺴﺎن إﻟﻰ ﻳﻮﻣﻨﺎ ﻫﺬا». اﻫـ(1).

ﻓﻮاﺟﺐ ﻋﻠﻰ ﻣﺮﻳﺪ الإصلاح، وراﻏﺐ ﻧﻬﻀﺔ الأمة ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻫﺬا اﻟﻌﻮاﻣﻞ اﻟﺘﻲ ﺻﻠﺢ ﺑﻬﺎ الأولون، واﻟﺘﻲ ﺳﺎر ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ الله ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ، وﺻﺤﺎﺑﺘﻪ وﺗﺎﺑﻌﻴﻬﻢ ﻣﻦ أﻫﻞ ﺧﻴﺮ اﻟﻘﺮون اﻟﺬﻳﻦ أثنى رﺳﻮل الله ﺻﻠﻰ الله ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻋﻠﻴﻬﻢ وأﺧﺒﺮ أن ﻗﺮﻧﻬﻢ ﺧﻴﺮ اﻟﻘﺮون.

وﺟﻤﺎع ﻫﺬه اﻟﻌﻮاﻣﻞ، وأﺻﻠﻬﺎ، وأﺳﺎﺳﻬﺎ اﻟﺬي ﻳﺒﻨﻰ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻫﻮ: (اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ). واﻟﺬي ﻫﻮ أﺳﺎس دﻋﻮة اﻟﺮﺳﻞ. ﻗﺎل الله ﺗﻌﺎﻟﻰ: {وَلَقَدْ بعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبوا الطَّاغُوتَ}[اﻟﻨﺤﻞ: 36] ﻗﺎل العلامة اﺑﻦ عثيمين رﺣﻤﻪ الله ﻣﺒﻴﻨﺎً دلالة ﻫﺬه الآية: «داﻟﺔٌ ﻋﻠﻰ إﺟﻤﺎع اﻟﺮﺳﻞ ﻋﻠﻴﻬﻢ السلام ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻋﻮة إﻟﻰ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ، وأﻧﻬﻢ أرﺳﻠﻮا ﺑﻪ». اﻫـ(2).

وﻗﺎل الإمام اﺑﻦ ﺑﺎز رﺣﻤﻪ الله: «اﻟﺮﺳﻮل ﺻﻠﻰ الله ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻛﺎن أول ﻋﻤﻞ ﻋﻤﻠﻪ، وأول أﺳﺎس رﺳﻤﻪ، أنهِّ دﻋﺎ اﻟﻨﺎس إﻟﻰ ﺗﻮﺣﻴﺪ الله، وإخلاص اﻟﻌﺒﺎدة ﻟﻪ. ﻫﺬا أول ﻋﻤﻞ، وﻫﺬا أول أﺳﺎس ﺗﻜﻠﻢ ﺑﻪ، ودﻋﺎ إﻟﻴﻪ وﺳﺎر ﻋﻠﻴﻪ، ﻫﻮ دﻋﻮة اﻟﻨﺎس إﻟﻰ ﺗﻮﺣﻴﺪ الله، وإرﺷﺎدﻫﻢ إﻟﻰ ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ ذﻟﻚ. واﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﺘﻲ دلِّت ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﻤﻌﻨﻰ ﻫﻲ ﻗﻮل (ﻻ‌ إﻟﻪ إلا الله) ﻫﺬه ﻫﻲ الأساس اﻟﻤﺘﻴﻦ، وﻣﻌﻬﺎ ﺷﻬﺎدة أنِّ ﻣﺤﻤﺪا رﺳﻮل الله. ﻫﺬان الأصلان والأساسان ﻫﻤﺎ أﺳﺎس الإسلام، وﻫﻤﺎ أﺳﺎس ﺻﻼ‌ح ﻫﺬه الأمة. ﻣﻦ أﺧﺬ بهما واﺳﺘﻘﺎم ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ﻋﻤﻼ‌ً وﻋﻠﻤﺎً ودﻋﻮة وﺻﺒﺮا اﺳﺘﻘﺎم ﻟﻪ أﻣﺮه وﻧﻔﻊ الله ﺑﻪ الأمّة، ﻋﻠﻰ ﻗﺪر ﺟﻬﺎده، وﻗﺪرﺗﻪ، وأﺳﺒﺎﺑﻪ. وﻣﻦ أﺿﺎﻋﻬﻤﺎ أو أﺿﺎع أﺣﺪﻫﻤﺎ ﺿﺎع وﻫﻠﻚ». اهـ.(3).

وﻗﺎل العلامة عبد العزيز آل اﻟﺸﻴﺦ ﺣﻔﻈﻪ الله: «إن ﻣﺤﻤﺪا ﺻﻠﻰ الله ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻟﻢ ﻳﺪع اﺑﺘﺪاء إﻟﻰ الصلاة ولا إﻟﻰ اﻟﺰﻛﺎة ولا إلى الحج ولا إلى غيره، وإنما ﺟﻌﻞ أول أمره اهتمامه ﺑﺘﺤﻘﻴﻖ التوحيد ﺑﺘﺤﻘﻴﻖ ﻻ‌ إله إلا الله، بإرسائها في النفوس، ﺑﺎﺳﺘﺌﺼﺎل اﻟﺸﺮك وﻋﺒﺎدة ﻏﻴﺮ الله ﻓﺎﻫﺘﻢ ﺑﻬﺬا الأمر اﻟﻌﻈﻴﻢ ﻏﺎﻳﺔ الاﻫﺘﻤﺎم؛ لأن ﻫﺬا ﻫﻮ الأصل، ﻓﺒﺘﺤﻘﻴﻘﻪ وﺗﺼﻔﻴﺘﻪ، وﺗﻨﻘﻴﺤﻪ ﺗﺴﺘﻨﻴﺮ اﻟﻘﻠﻮب، وتستضيء ﺑﻮﺣﻲ الله، وﺗﻨﻘﺎد اﻟﺠﻮارح ﻷ‌ﻣﺮ الله، أﻣﺎ إذا ﻛﺎن القلب ﻣﻨﺼﺮﻓﺎً ﻟﻐﻴﺮ الله، آﻟﻬﺎ ﻏﻴﺮ الله، ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻦ ﻳﻨﻘﺎد ﻟﻠﺨﻴﺮ أبداً». اهـ.(4).

وﻋﻠﻴﻪ؛ ﻓﺈن أﺳﺎس إصلاح الأمة، وﺳﺒﻴﻞ ﻧﻬﻀﺘﻬﺎ ﻫﻮ اﻟﺒﺪاءة ﺑﻤﺎ ﺑﺪأت اﻟﺮﺳﻞ ﻋﻠﻴﻬﻢ الصلاة واﻟﺴﻼ‌م، ولا ﻏﻠﺒﺔ ﻋﻠﻰ الأعداء ﻓﻲ اﻟﺪاﺧﻞ واﻟﺨﺎرج إلا بإصلاح ﻫﺬا الأساس واﻟﻘﺎﻋﺪة اﻟﻨﺒﻮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﺎر ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻤﺮﺳﻠﻮن ﻋﻠﻴﻬﻢ السلام.

إن اﻟﻨﺎﻇﺮ ﻓﻲ واﻗﻊ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ اﻟﻴﻮم، ﻟﻴﺪرك ﻣﺪى ﺑﻌﺪ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ أﺑﻨﺎء الأمة ﺣﻜﺎﻣﺎً وﻣﺤﻜﻮﻣﻴﻦ ﻋﻦ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﻋﻠﻤﺎً، وﻋﻤﻼ‌ً، ودﻋﻮة، ولاء وﺑﺮاء.

ﻗﺎل الإمام اﺑﻦ ﺑﺎز رﺣﻤﻪ الله: «ﺑﺴﺒﺐ ﺗﺴﺎﻫﻞ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء وﻃﻠﺒﺔ اﻟﻌﻠﻢ وأﻋﻴﺎن أﻫﻞ الإسلام اﻟﺬﻳﻦ ﻓﻘﻬﻮا ﺗﻮﺣﻴﺪ الله، ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺘﺴﺎﻫﻞ ﻓﻲ ﻫﺬا الأصل الأصيل اﻧﺘﺸﺮ اﻟﺸﺮك ﻓﻲ ﺑﻠﺪان ﻛﺜﻴﺮة، وﻋُﺒﺪت اﻟﻘﺒﻮر وأﻫﻠﻬﺎ ﻣﻦ دون الله، وﺻُﺮف ﻟﻬﺎ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﻋﺒﺎدة الله، ﻓﻬﺬا ﻳﺪﻋﻮ ﺻﺎﺣﺐ ﻗﺒﺮ، وﻫﺬا ﻳﺴﺘﻐﻴﺚ ﺑﻪ، وﻫﺬا ﻳﻨﺬر ﻟﻪ، وﻫﺬا ﻳﻄﻠﺐ اﻟﻤﺪد ﻛﻤﺎ ﻓﻌﻠﺖ ﻗﺮﻳﺶ وﻏﻴﺮﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﺠﺎﻫﻠﻴَّﺔ ﻣﻊ اﻟﻌﺰى، وﻛﻤﺎ ﻓﻌﻞ ﻏﻴﺮﻫﻢ ﻣﻊ اﻟﻼ‌ت، وﻣﻊ ﻣﻨﺎة، وﻣﻊ أﺻﻨﺎم أﺧﺮى، وﻛﻤﺎ ﻳﻔﻌﻞ اﻟﻤﺸﺮﻛﻮن ﻓﻲ ﻛﻞ زﻣﺎن ﻣﻊ أﺻﻨﺎﻣﻬﻢ وأوﺛﺎﻧﻬﻢ، ﻓﻲ اﻟﺘﻌﻈﻴﻢ واﻟﺪﻋﺎء والاستغاثة واﻟﺘﻤﺴﺢ واﻟﺘﺒﺮك وﻃﻠﺐ اﻟﻤﺪد». اﻫـ(5).

وﻗﺎل العلامة اﺑﻦ ﻋﺜﻴﻤﻴﻦ رﺣﻤﻪ الله: «ﻳﻮﺟﺪ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﺒﻠﺪان الإسلامية ﻣﻦ ﻳﺼﻠِّﻲ وﻳﺰﻛﻲ وﻳﺼﻮم وﻳﺤﺞ، وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻳﺬﻫﺒﻮن إﻟﻰ اﻟﻘﺒﻮر ﻳﺴﺠﺪون ﻟﻬﺎ وﻳﺮﻛﻌﻮن، ﻓﻬﻢ كفِّار ﻏﻴﺮ ﻣﻮﺣﺪﻳﻦ، ولا ﻳﻘﺒﻞ الله ﻣﻨﻬﻢ أي ﻋﻤﻞ وﻫﺬا ﻣﻦ أﺧﻄﺮ ﻣﺎ ﻳﻜﻮن ﻋﻠﻰ اﻟﺸﻌﻮب الإسلامية؛ ﻷ‌ن اﻟﻜﻔﺮ ﺑﻤﺎ ﺳﻮى الله ﻋﻨﺪﻫﻢ ﻟﻴﺲ ﺑﺸﻲء، ﻫﺬا ﺟﻬﻞ ﻣﻨﻬﻢ، وﺗﻔﺮﻳﻂ ﻣﻦ ﻋﻠﻤﺎﺋﻬﻢ؛ ﻷ‌ن اﻟﻌﺎﻣﻲ ﻻ‌ ﻳﺄﺧﺬ إلا ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻤﻪ، ﻟﻜﻦ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎس –واﻟﻌﻴﺎذ ﺑﺎﻟﻠﻪ– ﻋﺎﻟﻢ دوﻟﺔ ﻻ‌ ﻋﺎﻟﻢ ملِّة». اﻫـ(6).

وﻗﺎل رﺣﻤﻪ الله ﻣﺘﻌﺠﺒَﺎ ﻣﻦ ﺣﺎل أﺻﺤﺎب اﻟﺮأي اﻟﺬﻳﻦ أﻋﺮﺿﻮا ﻋﻦ ﺗﻘﺮﻳﺮ ﺗﻮﺣﻴﺪ اﻟﻌﺒﺎدة: «ﻣﻦ اﻟﻌﺠﺐ أن أﻛﺜﺮ اﻟﻤﺼﻨﻔﻴﻦ ﻓﻲ ﻋﻠﻢ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﺘﺄﺧﺮﻳﻦ ﻳﺮﻛﺰون ﻋﻠﻰ ﺗﻮﺣﻴﺪ الربوبيِّة! وﻛﺄﻧﻤﺎ ﻳﺨﺎﻃﺒﻮن أﻗﻮﻣﺎً ﻳﻨﻜﺮون وﺟﻮد اﻟﺮب، وﻟﻜﻦ ﻣﺎ أﻛﺜﺮ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ اﻟﻮاﻗﻌﻴﻦ ﻓﻲ ﺷﺮك اﻟﻌﺒﺎدة! وﻟﻬﺬا ﻓﻴﻨﺒﻐﻲ أن ﻳُﺮﻛَّﺰ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﺣﺘﻰ ﻧﺨﺮج إﻟﻴﻪ هؤلاء اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻘﻮﻟﻮن ﺑﺄﻧﻬﻢ ﻣﺴﻠﻤﻮن وﻫﻢ ﻣﺸﺮﻛﻮن ولا ﻳﻌﻠﻤﻮن». اﻫـ(7).

ﻗﻠﺖ: والأعجب ﻣﻦ ذﻟﻚ: أﻧﺎس ﺑﺬﻟﻮا اﻟﻐﺎﻟﻲ واﻟﻨﻔﻴﺲ، وﻫﺠﺮوا الأزواج والأولاد والأوطان، وﺗﺤﻤﻠﻮا ﻣﺸﻘﺔ اﻟﺴﻔﺮ، وﺻﻌﻮﺑﺔ اﻟﻤﻌﻴﺸﺔ ﻓﺨﺮﺟﻮا ﻟﻠﺪﻋﻮة وﻟﻜﻦ أيُّ دﻋﻮة؟! ﻟﻘﺪ ﺧﺎﻟﻄﻮا اﻟﻤﺸﺮﻛﻴﻦ، وصلُّوا ﻓﻲ ﻣﺴﺎﺟﺪﻫﻢ، وﺑﻌﻀﻬﻢ ﻃﺎف ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺒﻮر، ﻳﺪﻋﻮن إﻟﻰ ﺗﻮﺣﻴﺪ اﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ!! وﻳﻘﺼﻮن دﻋﻮة اﻟﻤﺮﺳﻠﻴﻦ، وﺑﻴﺎن ﻣﺎ ﻳﻨﺎﻗﻀﻬﺎ!! ﻓﺎﻟﻠﻬﻢ ﻻ‌ ﺗﺠﻌﻠﻨﺎ ﻣﻦ الأخسرين أعمالاً.

ﻗﺎل الإمام الألباني رﺣﻤﻪ الله: «وﻧَﺤﻦُ ﻧﻌﻠﻢُ أنِّ ﻛﺜﻴﺮاً ﻣِﻦ أوﻟﺌﻚ الدُّعاة ﻳُﺸﺎرﻛﻮﻧَﻨﺎ ﻓﻲ ﻣِﻌﺮِﻓﺔِ ﺳﺒَﺐَ ﺳﻮءِ اﻟﻮاﻗﻊ اﻟﺬي ﻳَﻌﻴﺸﻪُ اﻟﻤُﺴﻠﻤﻮن اﻟﻴَﻮم ﺟَﺬريِّاً؛ ألا‌ وﻫﻮ ﺑُﻌﺪُﻫُﻢ ﻋَﻦ اﻟﻔﻬﻢ اﻟﺼَّﺤﻴﺢ ِ ﻟﻺ‌ﺳﻼ‌م ِ ﻓﻴﻤﺎ ﻳَﺠﺐُ ﻋﻠﻰ ﻛﻞِّ ﻓـَﺮد، وﻟﻴﺲَ ﻓﻴﻤﺎ ﻳَﺠﺐُ ﻋﻠﻰ ﺑَﻌﺾ ِ الأفراد ﻓﻘﻂ، ﻓﺎﻟﻮاﺟﺐُ: ﺗـَﺼﺤﻴﺢُ اﻟﻌَﻘﻴﺪة، وﺗـَﺼﺤﻴﺢُ اﻟﻌﺒﺎدة، وﺗـَﺼﺤﻴﺢُ اﻟﺴُّﻠﻮك». اﻫـ(8).

وﻗﺎل رﺣﻤﻪ الله: «ﻛﻞ ﻣﻦ ﺧﺎﻟﻒ ﻫﺪي رﺳﻮل الله ﺻﻠﻰ الله ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻓﻬﻮ ﺳﻮف ﻻ‌ ﻳﻜﻮن ﻋﺎﻗﺒﺔ أﻣﺮه إلا‌ ﺧﺴﺮاً، وﻫﺪي رﺳﻮل الله ﺻﻠﻰ الله ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻓﻲ إﻗﺎﻣﺔ اﻟﺤﻜﻢ الإسلامي وﺗﺄﺳﻴﺲ الأرض الإسلامية اﻟﺼﺎﻟﺤﺔ ﻹ‌ﻗﺎﻣﺔ ﺣﻜﻢ إسلامي ﻋﻠﻴﻬﺎ إﻧﻤﺎ ﻳﻜﻮن ﺑﺎﻟﺪﻋﻮة، أولاً: دﻋﻮة اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ. ﺛﺎﻧﻴﺎً: ﺗﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻋﻠﻰ أﺳﺎس اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴﻨﺔ». اﻫـ(9).

ﻗﺎل العلامة ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ آل اﻟﺸﻴﺦ ﺣﻔﻈﻪ الله: «ﻛﻢ ﻣﻦ دﻋﻮات ﺗﺪﻋﻮا إﻟﻰ الإسلام وﻳﻨﺎدى أﻫﻠﻬﺎ ﺑﺄﻧﻬﻢ دﻋﺎة الإسلام وﻫﻢ ﺑﻌﻴﺪون ﻋﻦ ﻣﻨﻬﺞ ﻣﺤﻤﺪ ﺻﻠﻰ الله ﻋﻠﻴﻪ ولا ﻳﻬﺘﻤﻮن ﺑﺄﻣﺮ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ولا ﻳﻬﺘﻤﻮن ﺑﺎﻟﻌﻘﻴﺪة ﺑﻞ ﻟﻬﻢ ﻧﻈﻢ وأﻣﻮر أﺧﺮى الله أﻋﻠﻢ ﺑﺤﺎﻟﻬﺎ، ﺗَﺴَمُّوا ﺑﺎﺳﻢ الإسلام وﺗَﺴﺘّﺮُوا ﺑﻪ والله ﻳﻌﻠﻢ إن ﻫﻢ إلا ﻛﻤﺎ ﻗﺎل الله ﺗﻌﺎﻟﻰ: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}». اﻫـ(10).

وﻗﺎل العلامة ﺻﺎﻟﺢ اﻟﻔﻮزان ﺣﻔﻈﻪ الله: «لمِّا اﻧﺘﻬﺖ اﻟﻘﺮون المفضّلة اﻧﺘﺸﺮ التصوُّف والتشيِّع، وﻋﻨﺪ ذﻟﻚ ﺣﺪث اﻟﺸﺮك ﻓﻲ الأمة ﺑﻌﺒﺎدة اﻟﻘﺒﻮر والأضرحة، وﺗﻘﺪﻳﺲ الأولياء واﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ إﻟﻰ وﻗﺘﻨﺎ ﻫﺬا وﻫﺬا اﻟﺸﺮك ﻣﻮﺟﻮد ﻓﻲ الأمة». اﻫـ(11).

واﻟنُّقول ﻋﻦ أﺋﻤﺔ الإسلام وﻋﻠﻤﺎء اﻟﺴﻨّﺔ ﻓﻲ ﻧﻌﻲ اﻟﻮاﻗﻊ، وﻋﺰو ﺳﺒﺐ اﻧﺘﻜﺎﺳَﺔ الأمة إﻟﻰ ﺣﺪوث اﻟﺸﺮك ﻛﺜﻴﺮة، وﻫﺬا اﻟﻮاﻗﻊ اﻟﻤﻮﺻﻮف ﺑﻤﺎ ذﻛﺮﻧﺎ ﻳﺪرﻛﻪ ﻣﻦ ﻟﺪﻳﻪ أدﻧﻰ ﺑﺼﻴﺮة.

وﻋﻠﻴﻪ؛ ﻳُﻌﻠﻢ أن ﻫﺬا اﻟﺨﻠﻞ وﻫﻮ وﻗﻮع اﻟﺸﺮك، وﺿﻌﻒ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ والإخلال ﺑﻪ ﻓﻲ الأمة ﺣﻜﺎﻣﺎً وﻣﺤﻜﻮﻣﻴﻦ ﻫﻮ ﺳﺒﺐ اﻟﻬﻮان وأﺻﻞ اﻟﻀﻌﻒ، وأﺳﺎس الانتكاس.

وإذا ﻛﺎن الأمر ﻛﺬاك ﻓﺤﺮي ﺑﺄﺑﻨﺎء الأمة ورجالاتها وﺣﻜﺎﻣﻬﺎ أن ﻳﺘﺠﻬﻮا ﻟﺴﺒﻴﻞ ﻧﻬﻀﺔ الأمة ﺣﻘﻴﻘﺔً وﻫﻮ: إﺻﻼ‌ح أﺳﺎس اﻟﺨﻠﻞ، وﻣﻨﺒﻊ اﻟﻔﺴﺎد وﻫﻮ وﻗﻮع اﻟﺸﺮك، ﻻ‌ أن ﻳﺘﺠﻬﻮا لأمور ﻣﻬﻤَّﺔ، ﻟﻜﻦ ﻓﺴﺎدﻫﺎ ﻓﺮع ﻋﻦ ﻓﺴﺎد الأصل وﻫﻮ إﻓﺮاد الله ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﺎﻟﺘﻌﻠﻖ اﻟﺘﺎم، والاستسلام ﻟﻪ ﻣﻦ ﻛﻞ وﺟﻪ، والولاء ﻓﻲ ذﻟﻚ واﻟﻌﺪاء ﻓﻴﻪ، وصلاحها ﻻ‌ ﻳﺠﺪي ﻋﻠﻰ ﺻﺎﺣﺒﻪ ﺷﻴﺌﺎً ﻣﺎ دام ﻣﻌﺮﺿﺎً ﻋﻦ أﺻﻞ فلاحها وﻧﺠﺎﺗﻪ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ والآخرة؛ ﻓﻤﺎذا ﻳﺠﺪي ﻣﻌﺎﺟﻠﺔ اﻟﺠﺮح واﻟﺮأس ﻣﻘﻄﻮع؟!

ﻗﺎل الإمام اﺑﻦ ﺑﺎز رﺣﻤﻪ الله: «اﻟﻮاﺟﺐ ﻋﻠﻰ ﻃﻠﺒﺔ اﻟﻌﻠﻢ وﻫﻢ أﻣﻞ الأمة ﺑﻌﺪ الله عز وﺟﻞ، ﻓﻲ اﻟﻘﻴﺎدة المستقبلية، وﻫﻢ رﺟﺎل اﻟﻐﺪ ﻓﻲ أي ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺗﺨﺮﺟﻮا، أن ﻳﻘﻮدوا اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ﺑﺤﻜﻤﺔ وإﺧﻼ‌ص وﺻﺪق، وأن ﻳُﻌﻨﻮا بالأساس، وأن ﻳﻌﺮﻓﻮا اﻟﻌﺎﻣﻞ اﻟﻌﻈﻴﻢ اﻟﺬي ﻋﻠﻴﻪ الارتكاز، واﻟﺬي ﻳﺘﺒﻌﻪ ﻣﺎ ﺳﻮاه، وﻫﻮ اﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺑﺘﻮﺣﻴﺪ الله والإخلاص ﻟﻪ واﻟﻌﻨﺎﻳﺔ بالإيمان ﺑﻤﺤﻤﺪ ﺻﻠﻰ الله ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ، وأﻧﻪ رﺳﻮل الله ﺣﻘﺎً، وأن اﻟﻮاﺟﺐ اﺗﺒﺎﻋﻪ، واﻟﺴﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﻬﺎﺟﻪ، وأن ﺻﺤﺎﺑﺘﻪ ﺧﻴﺮ الأمة ﺑﻌﺪ رﺳﻮل الله ﺻﻠﻰ الله ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ، وأﻧﻬﻢ ﺣﻤﻠﺔ اﻟﺴﻨّﺔ، وﺣﻤﻠﺔ اﻟﻘﺮآن، ﻓﻮﺟﺐ اﻟﺴﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﻬﺎﺟﻬﻢ…». اﻫـ. إﻟﻰ أن ﻗﺎل: «ﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﺸﺮط ﻓﻲ ﻧﺼﺮ الله ﻟﻨﺎ ﻛﻤﺎ ﻗﺎل الله ﺗﻌﺎﻟﻰ: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ}…». اﻫـ. إﻟﻰ أن ﻗﺎل: «ﻫﺬا ﻫﻮ الأساس اﻟﻌﻈﻴﻢ اﻟﺬي ﻳﺠﺐ أن ﻳﻜﻮن اﻟﻤﻨﻄﻠﻖ ﻟﻠﺪﻋﺎة اﻟﻤﺨﻠﺼﻴﻦ، واﻟﻤﺼﻠﺤﻴﻦ ﻓﻲ الأرض، اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺮﻳﺪون أن يتولِّوا إﺻﻼ‌ح اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ والأخذ ﺑﻴﺪه، إﻟﻰ ﺷﺎﻃﺊ السلامة، وﺳﻔﻴﻨﺔ اﻟﻨﺠﺎة، ﻛﻲ ﻳﺮﺗﻜﺰ ﻫﺬا الإصلاح ﻋﻠﻰ أﻋﻈﻢ ﻋﺎﻣﻞ». اﻫـ(12).

وﻗﺎل العلامة اﺑﻦ ﻋﺜﻴﻤﻴﻦ رﺣﻤﻪ الله: «ﻻ‌ ﻳﺘﻢ الإيمان إلا إذا دﻋﺎ إﻟﻰ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﻗﺎل الله ﺗﻌﺎﻟﻰ: {وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} ﻓﻼ‌ﺑﺪ ﻣﻊ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﻣﻦ اﻟﺪﻋﻮة إﻟﻴﻪ، وإلا ﻛﺎن ﻧﺎﻗﺼﺎً ولا رﻳﺐ أن ﻫﺬا اﻟﺬي ﺳﻠﻚ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﻟﻢ ﻳﺴﻠﻜﻪ إلا وﻫﻮ ﻳﺮى أﻧﻪ أﻓﻀﻞ ﺳﺒﻴﻞ، وإذا ﻛﺎن ﺻﺎدﻗﺎً ﻓﻲ اﻋﺘﻘﺎده ﻓﻼ‌ ﺑﺪ أن ﻳﻜﻮن داﻋﻴﺎً إﻟﻴﻪ، واﻟﺪﻋﺎء إﻟﻰ ﺷﻬﺎدة أن ﻻ‌ إله إلا الله ﻣﻦ ﺗﻤﺎم اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ، ولا ﻳﺘﻢ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ إلا ﺑﻪ». اﻫـ(13).

وﻋﻠﻴﻪ؛ ﻓﺈن أﻋﻈﻢ ﺳﺒﺐ ﻟﻠﻮﻫﻦ اﻟﻮاﻗﻊ ﻓﻲ الأمة ﺣﺪوث اﻟﺸﺮك، وﻗﻠﺔ اﻟﻤﻨﻜﺮﻳﻦ ﻟﻪ، وأﻋﻈﻢ ﺳﺒﻴﻞ ﻟﻠﻨﻬﻮض وأﻋﻈﻢ ﻋﺎﻣﻞ ﻟﻠﻘﻮّة واﻟﻌﺰّة واﻟﻨﺼﺮ واﻟﻐﻠﺒﺔ ﻋﻠﻰ الأعداء ﻫﻮ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ واﻟﺪﻋﻮة إﻟﻴﻪ والولاء واﻟﺒﺮاء ﻓﻴﻪ. ﻗﺎل الله ﺗﻌﺎﻟﻰ: {لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا}[الإسراء:22].

ﻗﺎل اﺑﻦ ﺳﻌﺪي رﺣﻤﻪ الله: «… ﻟﻪ ﻣﻦ الخذلان ﻓﻲ أﻣﺮ دﻳﻨﻪ ودﻧﻴﺎه ﺑﺤﺴﺐ ﻣﺎ ﺗﻌﻠﻖ ﺑﻪ، ﻓﻤﻦ ﺗﻌﻠﻖ ﺑﻐﻴﺮه ﻓﻬﻮ ﻣﺨﺬول، وﻗﺪ وﻛﻞ إﻟﻰ ﻣﺎ ﺗﻌﻠﻖ ﺑﻪ. ولا أﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻖ ﻳﻨﻔﻊ أﺣﺪاً إلا ﺑﺈذن الله. وﻛﻤﺎ أن ﻣﻦ ﺟﻌﻞ ﻣﻊ الله إﻟﻪ آﺧﺮ ﻟﻪ ﻣﻦ اﻟﺬم والخذلان ﻓﻤﻦ وحَّده وأﺧﻠﺺ دﻳﻨﻪ ﻟﻠﻪ وﺗﻌﻠﻖ ﺑﻪ دون ﻏﻴﺮه ﻓﺈﻧﻪ ﻣﺤﻤﻮد ﻣﻌﺎن ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ أﺣﻮاﻟﻪ». اﻫـ.

وﻗﺎل العلامة اﺑﻦ ﻋﺜﻴﻤﻴﻦ رﺣﻤﻪ الله: «ﻣﺬﻣﻮﻣﺎً ﻋﻨﺪ الله وأوﻟﻴﺎﺋﻪ، مخذولاً ﻻ‌ ﻳُﻨﺼﺮ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ والآخرة». اﻫـ(14).

وإذ ﻛﺎن الأمر ﻛﺬﻟﻚ ﻓﻲ ﺣﻖ اﻟﺨﺎﺻّﺔ، ﻓﺈن اﺳﺘﺸﺮاء اﻟﺸﺮك ﻓﻲ الأمة ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻪ خذلانها ﻋﺎﻣّﺔ. وﻛﺬﻟﻚ إذا ﻛﺎن اﻟﻨﺼﺮ واﻟﻌﺰ ﺣﻠﻴﻒ ﻣﻊ الموحِّد ﺧﺎﺻّﺔ، ﻓﺈن اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ إذا ﻛﺎن واﻗﻌﺎً ﻓﻲ ﺣﻴﺎة الأمة ﻋﻠﻤﺎً وﻋﻤﻼ‌ً ودﻋﻮة ولاء وﺑﺮاء ﻛﺎن ذﻟﻚ ﺳﺒﻴﻼ‌ً إﻟﻰ عزِّها وﻧﺼﺮﻫﺎ.

وﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}[الأنعام:28].

ﻗﺎل اﺑﻦ ﺳﻌﺪي رﺣﻤﻪ الله: «(الأمن) ﻣﻦ اﻟﻤﺨﺎوف، واﻟﻌﺬاب، واﻟﺸﻘﺎء، و(اﻟﻬﺪاﻳﺔ) إﻟﻰ اﻟﺼﺮاط اﻟﻤﺴﺘﻘﻴﻢ، ﻓﺈن ﻛﺎﻧﻮا ﻟﻢ ﻳﻠﺒﺴﻮا إﻳﻤﺎﻧﻬﻢ ﺑﻈﻠﻢ ﻣﻄﻠﻘﺎً، ولا ﺑﺸﺮك ﻣﻄﻠﻘﺎً، ولا ﺑﺸﺮك ولا ﺑﻤﻌﺎﺻﻲ، ﺣﺼﻞ ﻟﻬﻢ الأمن اﻟﺘﺎم واﻟﻬﺪاﻳﺔ اﻟﺘﺎﻣﺔ. وإن ﻛﺎﻧﻮا ﻟﻢ ﻳﻠﺒﺴﻮا إﻳﻤﺎﻧﻬﻢ ﺑﺸﺮك وﺣﺪه، وﻟﻜﻨﻬﻢ ﻳﻌﻤﻠﻮن اﻟﺴﻴﺌﺎت ﺣﺼﻞ ﻟﻬﻢ أﺻﻞ اﻟﻬﺪاﻳﺔ، وأﺻﻞ الأمن وإن ﻟﻢ ﻳﺤﺼﻞ ﻟﻬﻢ ﻛﻤﺎﻟﻬﺎ. وﻣﻔﻬﻮم الآية: أن اﻟﺬﻳﻦ ﻟﻢ ﻳﺤﺼﻞ ﻟﻬﻢ الأمران ﻟﻢ ﻳﺤﺼﻞ ﻟﻬﻢ ﻫﺪاﻳﺔ ولا أﻣﻦ ﺑﻞ حظُّهم اﻟﻀﻼ‌ل واﻟﺸﺮك». اﻫـ.

ﻓﺘﺄﻣﻞ واﻋﺘﺒﺮ! ﻓﺈنّ الأمة ﻣﺎ داﻣﺖ ﻣﺤﻘﻘﺔ ﻟﻠﺘﻮﺣﻴﺪ، ﻣﻨﻘﺎدة ﻟﻠﻮازﻣﻪ وﻣﻘﺘﻀﻴﺎﺗﻪ، ﺗﺤﻮط ﺳﻴﺎﺟﻪ ﺑﺄﺟﻨﺎد اﻟﺤﻖ؛ دﻋﻮة وذﺑﺎً وﺗﺼﻔﻴﺔ ﻟﻪ ﻣﻤﺎ ﻗﺪ ﻳﺨﺘﺮق ذﻟﻚ اﻟﺴﻴﺎج، أو ﻳﻮﻫﻦ قوِّة ﺣﺮّاﺳﻪ ﻓﺈن ﻟﻬﺎ الأمن ﻣﻦ الله: أﻣﻦٌ ﻋﻘﺎﺋﺪي، وأﻣﻦ ﻣﺎدِّي.

وﻟﻬﺎ ﻣﺎ داﻣﺖ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻟﺤﺎل ﺗﻤﺎم اﻟﻬﺪاﻳﺔ إﻟﻰ اﻟﺼﺮاط اﻟﻤﺴﺘﻘﻴﻢ، وﻣﻦ ﻛﺎن ﻛﺬﻟﻚ ﻓﻬﻮ ﻣﺒﺼﺮ ﻷ‌ﺳﺒﺎب اﻟﻌﺰ واﻟﺘﻤﻜﻴﻦ ﻋﺎﻣﻞ ﻟﺘﺤﻘﻴﻘﻬﺎ ﺑﻤﺎ أﻣﻜﻨﻪ الله وأﻗﺪره. وﺑﻘﺪر دﺧﻮل اﻟﺨﻠﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﻓﻲ الأمة ﺗﻔﻘﺪ ﻣﻦ الأمن واﻟﻬﺪاﻳﺔ ﺑﺤﺴﺒﻪ. وﻗﺎل الله ﺗﻌﺎﻟﻰ: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ}[آل ﻋﻤﺮان:151]. ﻗﺎل اﺑﻦ ﺳﻌﺪي رﺣﻤﻪ الله: «… ﺛﻢ ذﻛﺮ اﻟﺴﺒﺐ اﻟﻤﻮﺟﺐ ﻹ‌ﻟﻘﺎء اﻟﺮﻋﺐ ﻓﻲ ﻗﻠﻮب اﻟﻜﺎﻓﺮﻳﻦ ﻓﻘﺎل: {بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا} أي: ذﻟﻚ ﺑﺴﺒﺐ ﻣﺎ اﺗﺨﺬوا ﻣﻦ دوﻧﻪ ﻣﻦ الأنداد والأصنام اﻟﺘﻲ اﺗﺨﺬوﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺐ أﻫﻮاﺋﻬﻢ وإرادﺗﻬﻢ اﻟﻔﺎﺳﺪة ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺣﺠﺔ ولا ﺑﺮﻫﺎن، واﻧﻘﻄﻌﻮا ﻋﻦ ولاية اﻟﻮاﺣﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ؛ ﻓﻤﻦ ثمِّ ﻛﺎن اﻟﻤﺸﺮك ﻣﺮﻋﻮﺑﺎً ﻣﻦ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ، ﻻ‌ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ رﻛﻦ وﺛﻴﻖ، وﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﻣﻠﺠﺄ ﻋﻨﺪ ﻛﻞ شدَّة وﺿﻴﻖ، ﻫﺬه ﺣﺎﻟﻪ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ، أﻣّﺎ ﻓﻲ الآخرة ﻓﺄﺷﺪ وأﻋﻈﻢ، وﻟﻬﺬا ﻗﺎل: {مَأْوَاهُمُ النَّارُ}». اﻫـ.

ﻓﻤﻨﺎط ﺣﺼﻮل اﻟﺮﻋﺐ، وﺗﻔﺮق الأمر، واﻧﻘﻄﺎع أﺳﺒﺎب اﻟﻘﻮّة، اﻟﺸﺮك. وﻣﻔﻬﻮم اﻟﻤﺨﺎﻟﻔﺔ، أن ﻣﺎ أﻋﻄﺎه الله اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﻘﻮّة واﻟﺸﺠﺎﻋﺔ، واﻟﻌﺰّة ﺑﺴﺒﺐ إﻗﺎﻣﺘﻬﻢ ﻟﻠﺘﻮﺣﻴﺪ، وﺗﺤﻘﻴﻘﻬﻢ ﻟﻪ.

وﻋﻠﻴﻪ؛ ﻓﺈذا ﻣﺎ ﺗﺨﻠﺖ الأمة ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﺴﺒﺐ اﻟﻌﻈﻴﻢ للقوِّة ﻓﻘﺪ ﺗﺨﻠّﺖ ﻋﻦ أﻋﻈﻢ ﺳﺒﺐ ﻟﻠﻨﺼﺮ، وإﻟﻘﺎء اﻟﺮﻋﺐ ﻓﻲ ﻗﻠﻮب اﻟﻜﺎﻓﺮﻳﻦ.

وﻣﺘﻰ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ الأمة ﻣﺤﻘﻘﺔ ﻟﻠﺘﻮﺣﻴﺪ ﻓﻬﻲ ﻓﻲ عزٍّ وﻏﻠﺒﺔ، وقوِّة وﻫﻴﺒﺔ، وأﻣﺮﻫﺎ إﻟﻰ ﺧﻴﺮ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ والآخرة.

وﻗﺎل الله ﺗﻌﺎﻟﻰ: {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ}[اﻟﺰﻣﺮ:38] ﻓﻔﻲ ﻫﺬه الآية ﺗﻮﺟﻴﻪ ﻟﻠﻤﺆﻣﻦ ﺑﺘﺤﻘﻴﻖ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ، والاعتماد واﻟﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻠﻪ وﺣﺪه؛ لأنه ﻫﻮ اﻟﻜﺎﻓﻲ وﺣﺪه، ولا ﻳﻘﻊ ﺷﻲء إلا ﺑﺈذﻧﻪ، ولا ﻳﺮﻓﻊ إلا ﺑﻤﺸﻴﺌﺘﻪ. وأنَّ ﻏﻴﺮ الله ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ وﺗﻌﺎﻟﻰ ﻣﻦ الأصنام والأنداد واﻟﻄﻮاﻏﻴﺖ، وﻏﻴﺮ ذﻟﻚ ﻻ‌ ﻳﻨﻔﻊ ولا ﻳﻀﺮ.

والله ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺣﺼﺮ اﻟﻜﻔﺎﻳﺔ ﺑﻪ وﺣﺪه ﻓﻘﺎل: {حَسْبِيَ اللَّهُ}، واﻟﺤﺴﺐ: اﻟﻜﺎﻓﻲ، وﺣﺴﺒﻲ ﺧﺒﺮ ﻣﻘﺪم، وﻟﻔﻆ الجلالة (الله) ﻣﺒﺘﺪأ ﻣﺆﺧﺮ. وﻫﺬا ﻳُﻔﻴﺪ اﻟﺤﺼﺮ، واﻟﻤﻌﻨﻰ: الله ﺣﺴﺒﻲ وﺣﺪه دون ﻏﻴﺮه.

وﻟﻤﺎ ﻧﻔﻰ الله ﺣﺼﻮل اﻟﻨﻔﻊ ودﻓﻌﻪ وﺣﺼﻮل اﻟﻀﺮر ودﻓﻌﻪ ﻣﻦ ﻏﻴﺮه وأﺛﺒﺘﻪ ﻣﻨﻪ وﺣﺪه دون ﻣﻦ ﺳﻮاه ﻋُﻠِﻢ أن ﻣﻦ ﻗﻄﻊ ﺳﺒﺐ اﻟﻤﺪد واﻟﻨﺼﺮ واﻟﻌﺰّة واﻟﻜﻔﺎﻳﺔ ودﻓﻊ اﻟﻀﺮ وﻫﻮ اﻟﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻠﻪ وﺣﺪه دون ﻣﻦ ﺳﻮاه ﻓﻘﺪ أﺷﺮك ﺑﺎﻟﻠﻪ ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﺗﺮك ﻣﻦ اﻟﺘﻌﻠﻖ ﺑﻪ ﻛﻼ‌ً أو ﺟﺰءا، وﻫﺬا ﻣﻦ أﺳﺒﺎب الخذلان وﻋﺪم اﻟﻜﻔﺎﻳﺔ إذ الله ﻫﻮ اﻟﺤﺴﺐ واﻟﻜﺎﻓﻲ وﺣﺪه.

واﻟﺸﺮك ﻣﺎ دام ﻓﻲ الأمة، وأﻧﺼﺎر اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ واﻟﺴﻨّﺔ ﻗﻠﻴﻠﻮن، ﻓﻼ‌ ﺗﺰال ﻓﻲ ﺑﻌﺪ ﻋﻦ ﺳﺒﺐ اﻟﻌﺰ واﻟﺘﻤﻜﻴﻦ واﻟﻐﻠﺒﺔ واﻟﻬﻴﺒﺔ.

وﻓﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ: ﻋﻦ ﻋﻤﺮان ﺑﻦ ﺣﺼﻴﻦ رﺿﻲ الله ﻋﻨﻪ أن رﺳﻮل الله ﺻﻠﻰ الله ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ رأى رﺟﻼ‌ً ﺑﻴﺪه ﺣﻠﻘﺔ ﻣﻦ ﺻﻔﺮ، ﻓﻘﺎل: «ﻣﺎ ﻫﺬه» ﻗﺎل: ﻣﻦ اﻟﻮاﻫﻨﺔ. ﻓﻘﺎل: «اﻧﺰﻋﻬﺎ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻻ‌ ﺗﺰﻳﺪك إلا وﻫﻨﺎ، ﻓﺈﻧﻚ ﻟﻮ ﻣﺖ وﻫﻲ ﻋﻠﻴﻚ ﻣﺎ أﻓﻠﺤﺖ أﺑﺪا»(15).

ﻗﺎل العلامة ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﺣﺴﻦ رﺣﻤﻪ الله: «إﻧﻤﺎ ﻧﻬﺎه ﻋﻨﻬﺎ ﻟﻜﻮﻧﻪ ﻳﻈﻦ أﻧﻬﺎ ﺗﻤﻨﻊ اﻟﺪاء أو ﺗﺮﻓﻌﻪ، ﻓﺄﻣﺮه اﻟﻨﺒﻲ صلى الله ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﺑﻨﺰﻋﻬﺎ ﻟﺬﻟﻚ، وأﺧﺒﺮ أﻧﻬﺎ ﻻ‌ ﺗﺰﻳﺪه إلا وﻫﻨﺎً، ﻓﺈن اﻟﻤﺸﺮك ﻳﻌﺎﻣﻞ ﺑﻨﻘﻴﺾ ﻗﺼﺪه؛ ﻷ‌ﻧﻪ ﻋﻠﻖ ﻗﻠﺒﻪ ﺑﻤﺎ ﻻ‌ ﻳﻨﻔﻊ ولا ﻳﺪﻓﻊ ﻋﻨﻪ. ﻓﺈذا ﻛﺎن ﻫﺬا ﺑﺤﻠﻘﺔ ﺻﻔﺮ، ﻓﻤﺎ اﻟﻈﻦ ﺑﻤﺎ ﻫﻮ أﻃﻢ وأﻋﻈﻢ؟! ﻛﻤﺎ وﻗﻊ ﻣﻦ ﻋﺒﺎدة اﻟﻘﺒﻮر، واﻟﻤﺸﺎﻫﺪ، واﻟﻄﻮاﻏﻴﺖ، وﻏﻴﺮﻫﺎ ﻛﻤﺎ ﻻ‌ ﻳﺨﻔﻰ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻟﺪﻳﻪ أدﻧﻰ ﻣﺴﻚ ﻋﻘﻞ». اﻫـ(16).

ﻓﺘﺄﻣﻞ ﻫﺬا اﻟﻜﻼ‌م، واﻧﻈﺮ ﺣﺎل الأمة، وﻣﺎ أﺛﻘﻠﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﻌﻠﻖ بالأضرحة وﻣﺎ اﻧﺘﺸﺮ ﺑﻴﻦ أﺑﻨﺎﺋﻬﺎ ﻣﻦ الاعتقادات اﻟﻜﻔﺮﻳﺔ، والضلالات اﻟﺘﻲ ﺗﺨﺮم اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﻣﻦ أﺻﻠﻪ، وﺗﻀﺎده أو ﺗﻨﻘﺺ ﻛﻤﺎﻟﻪ. واﻋﻠﻢ أﻧﻬﺎ ﻻ‌ ﺗﺰﻳﺪ الأمة إلا وﻫﻨﺎً وﺿﻌﻔﺎً وﺗﺸﺘﺘﺎ، ولا ﺗﺰﻳﺪ الأعداء إلا ﺗﺴﻠﻄﺎً وﺣﻴﻨﻬﺎ ﻟﻦ ﺗﻔﻠﺢ أﺑﺪا ﻣﺎ داﻣﺖ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺎل ﺣﺘﻰ تُصحِّح أﺻﻞ دﻳﻨﻬﺎ، ﻗﺎل العلامة اﺑﻦ ﻋﺜﻴﻤﻴﻦ رﺣﻤﻪ الله: «اﻧﺘﻔﺎء اﻟﻔﻼ‌ح دﻟﻴﻞ اﻟﺨﻴﺒﺔ واﻟﺨﺴﺮان». اﻫـ(17).

وﺑﻌﺪ؛ ﻓﺈن أول ﻣﺎ ﻳﺘﻮﺟﻪ إﻟﻴﻪ إﺻﻼ‌ح اﻟﻤﺼﻠﺤﻴﻦ، وﺟﻬﻮد اﻟﻘﺎدة اﻟﻤﻘﺘﺪرﻳﻦ، وﻫﻮ ﺳﺒﻴﻞ ﻧﻬﻀﺔ الأمة: إﺻﻼ‌ح اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ واﻟﻌﻤﻞ ﺑﻪ، واﻟﺪﻋﻮة إﻟﻴﻪ، والولاء واﻟﺒﺮاء ﻓﻴﻪ. أﻣّﺎ أن ﺗﺬﻫﺐ اﻟﺠﻬﻮد ﻟﻐﻴﺮ ذﻟﻚ ﻣﻊ إﻫﻤﺎل ﻫﺬا الأصل ﻓﻮ الله ﻟﻦ ﺗﺰداد الأمة إلا وﻫﻨﺎ وﺿﻌﻔﺎً ﻛﻤﺎ ﺗﺒﻴﻦ.

ﻗﺎل العلامة ﺻﺎﻟﺢ اﻟﻔﻮزان ﺣﻔﻈﻪ الله: «ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻰ ﻃﻠﺒﺔ اﻟﻌﻠﻢ واﻟﺪﻋﺎة أن ﻳﻬﺘﻤﻮا ﺑﻬﺬا الأمر، وأن ﻳﺠﻌﻠﻮا اﻟﺪﻋﻮة إﻟﻰ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ وإﻧﻜﺎر اﻟﺸﺮك ودﺣﺾ اﻟﺸﺒﻬﺎت ﻣﻦ أوﻟﻮﻳﺎت دﻋﻮﺗﻬﻢ ﻓﻬﺬا ﻫﻮ اﻟﻮاﺟﺐ، وﻫﺬه دﻋﻮة اﻟﺮﺳﻞ ﻋﻠﻴﻬﻢ الصلاة واﻟﺴﻼ‌م؛ ﻷ‌ن ﻛﻞ أﻣﺮ ﻳﻬﻮن دون اﻟﺸﺮك. ﻓﻤﺎ دام اﻟﺸﺮك ﻣﻮﺟﻮدا ﻓﻜﻴﻒ ﺗُﻨﻜﺮ الأمور الأخرى؟!!

ﻻ‌ﺑﺪ أن ﻧﺒﺪأ ﺑﺈﻧﻜﺎر اﻟﺸﺮك أولاً، ونخلِّص اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﻌﻘﺎﺋﺪ الجاهليِّة، ونُبيِّن ﻟﻬﻢ بالحجِّة واﻟﺒﺮﻫﺎن وﺑﺎﻟﺠﻬﺎد ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ الله إذا أﻣﻜﻦ ذﻟﻚ ﺣﺘﻰ ﺗﻌﻮد الحنيفية إﻟﻰ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ، ﻛﻞ ﺑﺤﺴﺐ اﺳﺘﻄﺎﻋﺘﻪ وﻣﻘﺪرﺗﻪ، ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن وزﻣﺎن. ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻋﺎة ألا ﻳﻐﻔﻠﻮا ﻋﻦ ﻫﺬا الأمر وﻳﻬﺘﻤﻮا ﺑﺄﻣﻮر أﺧﺮى وﻳﺒﺬﻟﻮا ﺟﻬﻮدﻫﻢ ﻓﻴﻬﺎ ولا ﻳﻐﻄﻮا أﻋﻴﻨﻬﻢ ﻋﻦ واﻗﻊ اﻟﻨﺎس اﻟﻮاقعين ﻓﻲ اﻟﺸﺮك وﻋﺒﺎدة الأضرحة واﺳﺘﻴﻼ‌ء اﻟﺨﺮاﻓﻴﻴﻦ وﻃﻮاﻏﻴﺖ اﻟﺼﻮﻓﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻋﻘﻮل اﻟﻨﺎس. ﻫﺬا أﻣﺮ ﻻ‌ ﻳﺠﻮز اﻟﺴﻜﻮت ﻋﻠﻴﻪ.

وﻛﻞ دﻋﻮة ﻻ‌ ﺗﺘﺠﻪ ﻟﻠﻨﻬﻲ ﻋﻨﻪ ﻓﻬﻲ دﻋﻮة ﻧﺎﻗﺼﺔ، أو دﻋﻮة ﻏﻴﺮ ﺻﺎﻟﺤﺔ، أو دﻋﻮة ﻏﻴﺮ ﻣﺜﻤﺮة». اﻫـ(18).

وﻗﺎل ﺣﻔﻈﻪ الله: «ﻣﻨﻬﺞ الأنبياء ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﺼﻼ‌ة واﻟﺴﻼ‌م ﻓﻲ اﻟﺪﻋﻮة ﻣﻨﻬﺞ واﺣﺪ، وﻫﻮ: اﻟﺒﺪاءة ﺑﺎﻟﺪﻋﻮة إﻟﻰ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ، واﻟﻨﻬﻲ ﻋﻦ اﻟﺸﺮك. ﺛﻢ بقيِّة الأحكام. ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻛﺎن اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻣﺴﻠﻤﺎً ﻓﺈﻧﻪ ﻻ‌ ﻳﺨﻠﻮ ﻣﻦ وﺟﻮد أﻧﻮاع ﻣﻦ اﻟﺸﺮك ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎس وﺑﻌﺾ اﻟﺒﻼ‌د ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺠﻬﻞ، وﺑﺴﺒﺐ اﻧﺘﺸﺎر اﻟﻤﺸﻌﻮذﻳﻦ واﻟﺪﺟﺎﻟﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺤﺎوﻟﻮن إﻓﺴﺎد ﻋﻘﺎﺋﺪ اﻟﻨﺎس.

وﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻌﻨﺎ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻜﺜﻴﺮ واﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ أﻧﻮاع اﻟﺸﺮك الأكبر اﻟﻤﺘﻤﺜﻞ ﺑﻌﺒﺎدة الأضرحة ﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺒﻼ‌د الإسلامية، وﻟﻢ يتَّجِه إﻟﻰ إﻧﻜﺎره إلا ﻗﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﺪﻋﺎة ﻋﻠﻰ ﻛﺜﺮﺗﻬﻢ وﻫﺬا ﺧﻠﻞ ﻋﻈﻴﻢ ﻓﻲ ﻣﻨﻬﺞ اﻟﺪﻋﻮة». اﻫـ(19).

وﺑﻌﺪ؛ ﻓﻘﺪ ﻋﺮﻓﺖ ﺳﺒﺐ ﻫﻮان الأمة وﺳﺒﻴﻞ ﻧﻬﻀﺘﻬﺎ، ﻓﻜﻦ ﻳﺎ ﻋﺒﺪ الله ﻣﻦ أﺳﺒﺎب ﻧﻬﻀﺘﻬﺎ، ولا ﺗﻜﻦ ﻣﻦ أﺳﺒﺎب ﻫﻮاﻧﻬﺎ. واﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ رب اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

(1)             ﻣﺠﻤﻮع ﻓﺘﺎوى ومقالات ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ (1/243).

(2)             اﻟﻘﻮل اﻟﻤﻔﻴﺪ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﺎب اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ (1/30) ط-4، دار اﺑﻦ اﻟﺠﻮزي.

(3)             ﻣﺠﻤﻮع ﻓﺘﺎوى ومقالات ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ (1/243).

(4)             ﻛﺘﺎب اﻟﺠﺎﻣﻊ ﻟﺨﻄﺐ ﻋﺮﻓﺔ (ص: 23).

(5)             ﻣﺠﻤﻮع ﻓﺘﺎوى ومقالات ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ (1/244).

(6)             اﻟﻘﻮل اﻟﻤﻔﻴﺪ (1/150).

(7)             اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ (1/16).

(8)             اﻧﻈﺮ: رﺳﺎﻟﺔ ﺳﺆال وﺟﻮاب ﻓﻲ ﻓﻘﻪ اﻟﻮاﻗﻊ.

(9)             اﻧﻈﺮ: ﻛﺘﺎب ﻓﺘﺎوى اﻟﻌﻠﻤﺎء الأكابر ﻓﻴﻤﺎ أﻫﺪر ﻣﻦ دﻣﺎء ﻓﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮ (ص: 84).

(10)        اﻧﻈﺮ: ﻛﺘﺎب اﻟﺠﺎﻣﻊ ﻟﺨﻄﺐ ﻋﺮﻓﺔ (ص: 89).

(11)        ﺷﺮح ﻛﺘﺎب ﻛﺸﻒ اﻟﺸﺒﻬﺎت (ص:24) ط-1، ﻣﺆﺳﺴﺔ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ.

(12)        ﻣﺠﻤﻮع ﻓﺘﺎوى ومقالات ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ (1/248-243).

(13)        اﻟﻘﻮل اﻟﻤﻔﻴﺪ (1/128).

(14)        اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ (1/53).

(15)        ﺳﺎﻗﻪ للإمام ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻮﻫﺎب ﻓﻲ ﻛﺘﺎب اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ وﻗﺎل: «رواه أﺣﻤﺪ ﺑﺴﻨﺪ ﻻ‌ ﺑﺄس ﺑﻪ». اﻫـ.

(16)        اﻧﻈﺮ: ﻗﺮّة ﻋﻴﻮن اﻟﻤﻮﺣﺪﻳﻦ (ص: 65).

(17)        اﻟﻘﻮل اﻟﻤﻔﻴﺪ (1/170).

(18)        اﻧﻈﺮ: ﺷﺮح ﻛﺘﺎب ﻛﺸﻒ اﻟﺸﺒﻬﺎت (ص: 24).

(19)        اﻧﻈﺮ ﻛﺘﺎب: ﻣﺤﺎﺿﺮات ﻓﻲ اﻟﻌﻘﻴﺪة واﻟﺪﻋﻮة (1/127) ط-1، دار اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply