بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الأرْمَلة: هي المرأة التي لا زوج لها، أو هي التي مات عنها زوجها[1]، وعلى كلا التعريفين تبقى المرأة عنصرًا ضعيفًا تحتاج إلى الرعاية والعناية، خصوصًا إن مات عنها زوجها وترك لها عيالًا ولم يترك لها مالًا، فعندئذٍ تكون في أمسِّ الحاجة لاهتمام المجتمع بها بكلِّ مكوناته.
وقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم أفرادَ المجتمع المسلم على العناية والرعاية للأرامل، وأخبر بأنَّ أجر مَن يمشي في تحصيل حاجاتهنَّ وما ينفعهن كأجر المجاهد في سبيل الله، أو كأجر ذلك الذي يقوم بالليل ويصوم بالنهار، فقال صلى الله عليه وسلم: ((السَّاعي[2] على الأرملَة والمسكين كالمُجاهِد في سبيل الله، أو كالذي يصومُ النَّهار ويقومُ الليل))[3].
وقد كان من خُلق النبي صلى الله عليه وسلم رِعاية الأرامل، والسَّعي في حوائجهن؛ ولذلك أثنى عليه عمُّه أبو طالب فقال من جملة ما قاله[4].
وأبيضَ يُستسقى الغمامُ بوَجهه ♦♦♦ ثِمَالُ[5] اليتامى عصمةٌ[6] للأرامل
ولذلك لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستنكِف أو يأنف من الذهاب مع الأرملة ليَقضي لها حاجتها، فعن عبدالله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: "كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لا يَأنفُ أن يَمشي مع الأرملة والمسكين، فيقضي لهما حاجتهما"[7].
ولا شك أنَّ في رعاية الأرامل اللواتي يُربين أيتامهنَّ تثبيتًا لهنَّ للصبر على ذلك، ومحافظة على بِنية الأسرة من التفكُّك وضياع الأولاد.
وقد أخبر النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن عظيم أَجر تلك المرأة التي تُصاب بفقد زوجها، فتقعد على تربية أيتامها ورعايتهم، فقال صلى الله عليه وسلم: ((أنا أوَّلُ مَن يُفتحُ له بابُ الجنَّة، إلَّا أنَّه تأتي امرأةٌ تُبادرُني[8]، فأقولُ لها: ما لكِ؟ وما أنتِ؟ فتقولُ: أنا امرأةٌ قعدتُ على أيتامٍ لي))[9].
وعن عوف بن مالكٍ الأشجعيِّ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((أنا وامرأةٌ سفعاءُ الخدَّين[10] كهاتين يوم القيامة - وأومأ يزيدُ بالوُسطى والسبَّابة - امرأةٌ آمت[11] من زوجها، ذاتُ منصبٍ وجمالٍ، حبسَت نفسها على يَتاماها حتى بانوا[12] أو ماتوا))[13].
هكذا إذًا اهتمَّ الإسلام بالأرامل، ولم يتركهنَّ رهن الحاجة واستغلال أصحاب النُّفوس المريضة، ورتَّب على رعايتهنَّ والقيام بحوائجهنَّ أعظم الأجر؛ حضًّا وتحفيزًا لأفراد المجتمع المسلم أن يسارِعوا إلى هذا العمل الإنساني الحضاري، الذي يُرضي الله تعالى، ويحفظ بِنية الأسَر وتماسك المجتمع.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
[1] انظر: فتح الباري (1/ 125)، (9/ 499).
[2] قال ابن حجر في الفتح (9/ 499): "معنى الساعي: الذي يَذهب ويجيء في تحصيل ما ينفع الأرملة والمسكين".
[3] أخرجه البخاري في الأدب، برقم (5660)، ومسلم في الزهد والرقائق، برقم (2982).
[4] ذكره البخاري في صحيحه في كتاب الجمعة، برقم (963).
[5] أي: العماد والملجأ، والمطعم والمغيث، والمعين والكافي، انظر: الفتح لابن حجر (2/ 496).
[6] أي: يمنعهنَّ مما يضرهنَّ؛ الفتح (2/ 496).
[7] أخرجه النسائي في الجمعة، برقم (1414)، والدارمي في المقدمة، برقم (74)، وابن حبان في صحيحه (14/ 333)، برقم (6423)، والحاكم في المستدرك (2/ 671)، برقم (4225)، وقال: على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
[8] قوله: ((تبادرني))؛ أي: لتدخل معي أو تَدخل في أثري، ويحتمل أن يكون المراد مَجموع الأمرين؛ للدلالة على سرعة الدخول وعلوِّ المنزلة، انظر: فتح الباري (10/ 436).
[9] أخرجه أبو يعلى في مسنده (12/ 7)، برقم (6651)، وذكره الهيثمي في المجمع (8296)، برقم (13519)، وقال: (رواه أبو يعلى، وفيه عبدالسلام بن عجلان، وثَّقه أبو حاتم وابن حبان، وقال: يخطئ ويخالِف، وبقية رجاله ثقات)، قال المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 236): إسناده حسن، وقال ابن حجر في الفتح (10/ 436): رواته لا بأس بهم.
[10] أي: في وجهها تغير في ألوان البشرة وسواد، وذلك لطول تأيمها مع عدم الزينة والعناية بالنفس. انظر: الترغيب والترهيب للمنذري (3/ 236)، والفتح 10/ 202.
[11] أي صارت بدون زوج. انظر: الترغيب والترهيب (3/ 236).
[12] حتى بانوا: أي كبروا وحصلت لهم الإبانة بالزواج أو غيره، يقال: أبان فلان بنته وبينها: إذا زوَّجها، وبانت هي: إذا تزوَّجت، وكأنه من البَين: البعد؛ أي: بعدت عن بيت أبيها. انظر: النهاية 1: 198)، وعون المعبود 14: 41.
[13] أخرجه أحمد في مسنده 6/ 29، برقم (24052)، وأبو داود في الأدب، برقم (5149)، والطبراني في الكبير 18/ 56 برقم (14812)، والحديث حسن لغيره.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد