ملخص في الاتفاق والاختلاف بين الماتريدية والأشعرية


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

ملخص في الاتفاق والاختلاف بين الماتريدية والأشعرية من رسالة الدكتوراه لشيخنا: يوسف الغفيص .. والتي بعنوان "التداخل العقدي في مقالات الطوائف المخالفة في أصول الدين":

والمتحصل من هذا أن المقارنة بين الأشعرية والماتريدية لا بد فيها من تحقيق معنى لا بد منه :

وهو أي نوع من الأشعرية يراد بالمقارنة؟؛ لامتناع اتحاد المذهب الأشعري في سائر طبقات أصحابه، فالأشعري له طريقة، والباقلاني له طريقة، وابن فورك له طريقة، والبغدادي له طريقة، والجويني له طريقة، وأبو حامد الغزالي له طريقة، وأبو عبدالله الرازي له طريقة،،فهذه سبع طرق أشعرية لمن نظر كتب الأشعرية وتأملها مع اتفاق كثير بينهم .

ثم شرع الشيخ في بيان التوافق بين أبي الحسن الأشعري وأبي منصور الماتريدي، وقال: الذي يظهر أن ثمة مبالغة في التوافق بينهما، وهذا التوافق يمكن أن يصاغ في طريقين :

١_ توافق في جمل كلية كاستصحاب العقل والشرع في تقرير أصول الدين وكالقطع بإثبات أصول الصفات ، وخلق الأفعال، والقول بأهل الكبائر .

٢_توافق في مسائل من حيث الاصطلاح كالكسب في القدر والتصديق في الإيمان .

والذي يتحقق بعد تأمل ماكتب الأشعري وماكتب الماتريدي أن التوافق بينهما لا يظهر له امتياز بيِّن باعتبار النظر في نتائجهم المختصة في أصولهم ومبادئهم ، وإنما يظهر باعتبار مفارقتهم وردهم على المعتزلة، وإذا كان التوافق البيّن إنما هو من هذا الاعتبار فهنا يتحقق أن موجبه الاتفاق في رد قول المعتزلة، وهذا قد شاع قبلهم في أئمة الصفاتية المشاركين لهم في علم الكلام فضلًا عن أهل الحديث .

والمتحصل من هذا أن ما به الافتراق بين الأشعري والماتريدي فوق ما به الاجتماع بكثير عند التحقيق، والأشعري له صياغتان في مذهبه :

أ_في اللمع والموجز .

ب_في الرسالة إلى أهل الثغر والإبانة .

و"المقالات" فيها هذا باعتبار وهذا باعتبار ، فعند تقريره للمسائل الكلامية فهو فيها يقارب طريقته في "اللمع"، وعند الاختصاص بالمذهبية فإنه على طريقته في "الإبانة" ، ولهذا اعتمد قبول جميع ماقرره في مذهب أهل السنة والحديث، ولم يذكره إلا مجملًا ..

-       وإذا نظرت فيما كتب الماتريدي في التوحيد وماكتب الأشعري في صياغته الأولى لمذهبه بعد الاعتزال في "اللمع" و"الموجز" = يتحقق افتراق بيِّن بين الماتريدي والأشعري ..

-       أما إذا اعتبرت في المقارنة بين الماتريدي في التوحيد والصياغة الثانية عند الأشعري التي كتبها في "رسالة إلى أهل الثغر" و"الإبانة" = فالتباين بين الماتريدي والأشعري في المنهج والمقدمات والنتائج أظهر من أن يعاضل .

بيان المفارقة في المنهج :

هناك افتراق في الموقف من السمع وإن اشتركا في اعتباره فالتطبيق عند الأشعري خاصة في الصياغة الثانية لا يقع قريب منه للماتريدي .

-       وكذا العقل فهما وإن اشتركا في اعتباره إلا أن الماتريدي يسلك في مآخذه طريقة فضلاء المعتزلة، وهو يشبه في هذا ما يقع في كلام أبي الحسين البصري المعتزلي وإن كان متأخرًا عنه لكن المقصود أنه من جنسه في العقليات ، كموقفه من طريق إثبات وجود الباري وبم تجب والموقف من التحسين والتقبيح العقليين وغير ذلك ..

والمتأمل لكلام الماتريدي في كتابه "التوحيد" يظهر له أنه يعطي العقل اعتبارا واسعًا قوي التأثير .

وهذا التباين في الموقف من العقل والسمع من أسبابه :

١_ عدم عناية الماتريدي بمعرفة مذهب أهل الحديث، بل عدم إيمانه بصحة هذا المذهب الذي يسميه عند ذكره "مذهب الحشوية".. أما الأشعري فهو وإن لم يحقق مذهب أهل الحديث إلا أنه رام اتباعهم، وتطلب ذلك، وتحصل له جمل ذكر في المقالات أنه يقول بها .

٢_ميل الأشعري عن المعتزلة فوق ميل الماتريدي الذي شارك المعتزلة في بعض أقوالهم كالقول في العلو ونحوه ، الذي كان أئمة الصفاتية كابن كلاب يذكر أم يثبت بالعقل والفطرة والسمع، والمقصود :

أن الأشعري يتقصد مفارقة المعتزلة قدر طاقته بخلاف الماتريدي الذي لم يكن يومًا ما معتزليا فهو لا شأن له بالاختصاص عن المعتزلة بالضرورة .

٣_الأشعري له عناية بالاتباع لمتبوع معتبر وهم أهل الحديث، ويخص الأمام أحمد بن حنبل في الإبانة، وإن كان في نفس الأمر لم يحقق ذلك، إذ معرفته بمذهب أهل الحديث معرفة مجملة، ولذلك يعتمد جملهم وإذا فصّل قوله وقع في مخالفتهم كثيرا ..

أما الماتريدي فهو متوحد بمذهبه لا شأن له في تحقيق مقالة أحد، ولهذا لم يعن بتقرير أن مذهبه المفصل مذهب أحد من الأعيان حتى أبي حنيفة مع انتسابه إليه فضلا عن غيره .

 

أما المفارقة في المقدمات والنتائج فهذا يطوله تفصيله لكن يمكن القول أن الماتريدي في الجملة أميل للمعتزلة ويمكن أن يقال هذا التصور :

أهل الحديث ثم جاء بعدهم الصفاتية وأقربهم إلى أهل الحديث مقدمهم عبدالله بن سعيد بن كلاب ثم أئمة أصحابه ثم الأشعري ثم الماتريدي ..

فابن كلاب "برزخ" بين الأشعري وأهل الحديث .

والأشعري "برزخ" بين ابن كلاب والماتريدي .

والماتريدي "برزخ" بين الأشعري والمعتزلة .

فهذه نتيجة متحققة والله أعلم .

والماتريدي أشبه ما يكون من طرق الأشعرية السبع بطريقة الجويني.. والقصد بالسبع هنا: ١_الأشعري ٢_الباقلاني ٣_ابن فورك ٤_البغدادي ٥_الجويني ٦_الغزالي ٧_الرازي .

وإن كان الماتريدي له مسائل لم يشاركه بها أحد من الأشاعرة وإن كان الجويني أقرب منه إلى تحقيق المنقول والمعقول ..

مع أن الماتريدي له مسائل يسيرة من الصواب لم تقع لعامة الأشاعرة .

عدد المسائل التي اشتهر خلاف الأشعرية فيها مع الماتريدية اختلف في عددها :

-       فالبياضي الماتريدي يذكر أنها خمسون مسألة .

-       وذكر عبدالرحيم ابن علي المعروف بشيخ زاده أربعين مسألة .

-       ذكر السبكي وتابعه الشيخ الحسن بن عبدالمحسن المعروف بأبي عذبة أنها ثلاث عشرة مسألة، سبع مسائل الخلاف فيها لفظي وست الخلاف فيها معنوي ..

-       والذي يظهر أن حد العدد لا يعطي حقيقة مفصلة فربما _كما هو شأن السبكي_ أجمل في مسألة ما يحتمل التفريق فيها ليكون مسألتين أو أكثر فيتحصل اختلاف العدد كثيرا في مثل هذا ، حتى لا يظن أن السبكي فاته مما ذكر البياضي سبع وثلاثون مسألة فإن الأمر ليس كذلك في حقيقته ..

والمسائل المشهورة في الخلاف هي ماذكره السبكي وقد نص بقوله: تفحصت كتب الحنفية فوجدت المسائل بيننا وبين الحنفية خلاف ثلاث عشرة مسألة .

والسبكي محقق في مثل هذا وهو من كبار أئمة الأشاعرة وهو واسع العلم المعارف .

ثم ذكر الشيخ يوسف إحدى عشرة مسألة من مسائل الخلاف بين المذهبين وهي باختصار: ١_الاستثناء في الإيمان ، ٢_الإرادة بمعنى المحبة والرضى ، ٣_ وجوب معرفة الله بالعقل ، ٤_القول بالتحسين والتقبيح العقليين ، ٥_الحكمة والتعليل في أفعال الله ، ٦_ تعذيب المطيع وإثابك العاصي بالعقل ، ٧_ جواز تكليف مالا يطاق ، ٨_ الاستطاعة قبل الفعل وبعده ، ٩_ سماع كلام الله بخلق إدارك في المستمع ، ١٠_ إثبات الرؤية بدليل السمع والعقل . ١١_صفة التكوين والمكون ..

ثم قال :

وثمة مسائل أخرى كثير منها الخلاف فيه لفظي وثمة مسائل أخرى هي محل وفاق بين المذهبين وهي في الغالب جمل من الأصول الكبار تقع في مسائل الخلاف تحتها في الجملة ..

ومحصل النظر النظر بين المذهبين أنهما خلافان على أقل ما يمكن من الاعتبار في كثير من الموارد ، بل يتحقق في كثير من المسائل التضاذ والتناقض بينهما وإن كان يقع تماثل من أوجه فيتحقق من هذا تحقق النسب الأربع والله أعلم .

الصفحات مابين 252-266 .

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply