زوجي داعية مبدع


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

مهارة الإبداع تصنع العجائب، وهي ليست قوة غامضة أو موهبة خارقة يحتكرها الأشخاص ذوو الحظ السعيد، بل يعتبر الإبداع طاقة يمتلكها كل إنسان بدرجات متفاوتة، ويمكن لكل شخص أن يكتسب هذه المهارة ويصبح من المبدعين، والبيئة أحد العناصر المحددة لظهور الإبداع، ويقال: «الإنسان ابن بيئته» أي أن الفرد المبدع هو أحد نتائج تفاعله مع بيئته ومجتمعه، لذلك يفترض أن البيئة وتعدد عناصرها وغنائها ينمي الإبداع، والعكس صحيح فالبيئة الخالية من المثيرات تبقي على الإبداع مخفيا، وكذلك البيئة ذات المثيرات المزعجة لا تظهر الإبداع.

أما البيئة المناسبة للإبداع فهي التي تشتمل على مثيرات لا تشوش على التفكير بل تنميه، ومن هذا المنطلق كان الاعتقاد بأن الإبداع مقصور على قلة مختارة هو اعتقاد خاطئ تماماً، فكل شخص لديه استعداد أن يكون مبدعًا طالما تهيأ له الجو المناسب للإبداع.

 

الإبداع وقفص الزوجية:

ينمو الإنسان في الجو الآمن المطمئن، وتنمو لديه قابلياته، وتنفجر في داخله الاستعدادات والمواهب، ذلك أن حاسّة الإبداع تترعرع في الحياة المستقرة الهادئة، في حين أنها تتراجع وتذبل وتموت في الحياة المضطربة القلقة، والزوجة رائدة فاعلة في احتضان الأسرة ورعايتها، واستتباب كل ما هو يدعم سعادتها وراحتها وطمأنينتها.. فالزوجة هي فاعل نشط في مجال التربية وتوفير جو الصفاء الأسري وجو الراحة والاسترخاء للزوج الذي غالبا ما تكون جلّ اهتماماته خارجية وفي أمور توفير الضمان الاقتصادي للأسرة والتفاعل مع أمور الحياة العامة.

كلنا يعرف أن المبدع نمط فريد من البشر، وأنه حالة خاصة خاصة جدا في الواقع، ولذلك يتبادر إلى الذهن سؤال، ترى من هي الزوجة التي تناسب المبدع، والتي تدفعه إلى المزيد من الإبداع؟.. هنا قد نجد أن المسألة لها حالات متعددة. 

(الحالة الأولى): مبدع تزوج قبل أن تتضح معالم إبداعه، فلقد تزوج وهو صغير السن زوجة لم تكن تعرف عن عبقريته شيئا، ووجد أنها بعد فترة لا تناسبه، فهي تسير عكس تياره، بل إنها تحاول أن تقف في وجه هذا التيار.

(الحالة الثانية): نجد فيها المبدع وهو يخشى على إبداعه من عوائق الزوجية، فيبحث ابتداء عمن تقدر ذلك الإبداع، ولكن المشكلة تكمن تماما حين يجدها، فكثير من زوجات المبدعين -الكثير ولا أقول الكل- تعلم بعشقه لهوايته، ومع ذلك بعد أن تتمكن من حياتها الأسرية، ترفع ذراعيها معلنة الرفض، وتقف في طريقه وتبلبل أفكاره، فهي تغار من كائن يسمى هوايته التي تتمحور في إبداع معين، باعتبارها شريك لا تقبل به في حياتها الزوجية.

وما أكثر الأفراد الذين انحدروا بعد زواجهم وانحطّت قابلياتهم وتدنّت مواهبهم وذبلت استعداداتهم وانتهت قدراتهم ..كل ذلك بسبب حالة النزاع والمواجهة التي تسيطر على حياة الزوجين حيث يبقى الفكر مشغولاً والخاطر مبلبلاً والنفس مشوّشة لا تعرف الطمأنينة والراحة والاستقرار، وقد تصل الأمور إلى حالة من الهذيان المستمر الذي يفقد الحياة معانيها الجميلة.

(أما الحالة الأخيرة): فهي زوجة مؤمنة كل الإيمان بموهبة زوجها، وتحاول بكل ما أوتيت من قدرة منحه المزيد من المساحة ليستطيع أن يبدع.. والمشهد الأروع لو حاول هو جذبها -ولا أقول جرها- إلى عالمه، أي أن يشركها فيما يحب، ويجعلها تشعر بما يعتمل في نفسه من حب لهوايته، حتى وصلت إلى لحظة مشابهه لعشقه، وعندها يرتاح الطرفان.

إن الضغوط والحالة النفسية السيئة تضعف المشاعر ويضعف معها التفكير، وبالتالي ينخفض مستوى الإبداع؛ فالإبداع لا يعمل إلا بوجود جو من الهدوء والاطمئنان والاستقرار والاسترخاء العميق الذي يهيئ الجسم والعقل للإبداع. والأسر الذكية يجب ألا تستسلم لغزو النكد والعبوس والمشاكل، بل يجب على أفراد الأسرة إدراك هذه الأمور تكتسب ولا تأتي مصادفةً ولا عشوائيةً.

 

زوجة الداعية:

الداعية إلى الله ليس كباقي الرجال الذين هم بعيدون عن أعباء الدعوة. ومن الصعب أن يكون مثلهم في كل شيء.. إنه صاحب همّ ورسالة.. هم على ضياع أمته، وانتشار الفساد وزيادة شوكة أهله.. وهمّ لما يصيب المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها من مؤامرات وظلم وجوع وإذلال، وما يصيب الدعاة منهم من تشريد وتضييق وتنكيل.. وبعد ذلك هو صاحب رسالة واجب عليه تبليغها للآخرين، حيث إن هذا الوجوب على الجميع، ولكن الفرق بينه وبين الآخرين أنه هو الذي بادر من بينهم لحمل هذه الأمانة، وقبِل أن يتحمل تبعاتها ومشاقها.

ولا شك أن واجب الدعوة إلى الله يتطلب وقتًا طويلاً قد يأخذ عليه أوقات نومه وراحته، وأوقات زوجته وأبنائه، ويتطلب تضحية بالمال والوقت والدنيا بأسرها، ما دام ذلك في سبيل مرضاة الله سبحانه وتعالى.

ورجل مثل هذا لا تصلح له أي زوجة، وإن أوتيت من الأخلاق والتقوى والجمال والحسب ما أوتيت.. إنه يحتاج إلى زوجة تدرك واجب الدعوة وأهميتها، وتدرك تمامًا ما يقوم به الزوج، وما يتحمله من أعباء، وما يعانيه من مشاق، فتقف إلى جانبه تيسر له مهمته وتعينه فيها، لا أن تقف عائقًا وشوكة وحجر عثرة في طريقه.

وقد رأينا في طريق الدعوة أناسا كانوا ذوي نشاط وهمة قبل زواجهم فانقسموا بعد الزواج إلى فريقين فريق ازداد نشاطا وعملا وهمة، وفريق خبت عزيمته وضعفت همته وانشغل عن الدعوة وأهلها وإنما سبب ذلك الأول هو فهم الزوجة وفكرها وهمها.

والناظر في تاريخ كبار الدعاة يجد أنهم -في معظم أحوالهم- قد حباهم الله بزوجات واعيات كان لهن أكبر الأثر في اشتهار أزواجهم وذيوع صيتهم وانتشار دعوتهم، وذلك بدعم الزوج وتحفيزه وتهيئة الجو العائلي المناسب، وإعانته في أمور دعوته، وعدم شغله بتوافه المتطلبات أو بسفاسف الأمور.

إن من أعظم نعم الله تعالى على من سلك سبيل الدعوة إلى الله أن يُرزق زوجة معينة، تحمل معه همومه وتعيش معه آماله وآلامه وطموحه، بل وتحمل معه أعباء دعوته، ومن نظر في سيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في أول أمر دعوته وموقف أم المؤمنين الأولى السيدة خديجة -رضي الله عنها- يعلم تمام العلم ما يمكن أن تؤديه زوجة الداعية.. لقد كانت أمنا خديجة مدرسة بحق، تتعلم فيها زوجات هذا الزمان كيف تكون الزوجة لزوجها.

وهكذا زوجات الدعاة على مر العصور، يتنقلن بين القمة في المواساة كخديجة -رضي الله عنها- وبين القاع الذي تبوأته زوجتا نوح ولوط.. وقد خلد التاريخ لكل دورها، وعند الله الملتقى ويومها {تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء}، وحينها {توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون}

ومن أبرز العوائق التي يمكن لزوجة الداعية أن تضعها في طريقه:

1- كثرة التشكي منه بسبب بعده عن المنزل، أو تقصيره في طلباتها، أو معاناتها مع أطفالها. 

2- كثرة الطلبات، وعدم مراعاة الأوقات المناسبة في طرحها أو طلبها.

3- عمل مقارنة ظاهرية بعيدة عن الوعي -مغفلة أسرار البيوت، وغير مدركة للسلبيات- بين زوجها وأزواج أقاربها، أو صديقاتها ومعارفها. وليتها عملت مقارنة مع كثير من البيوت التعيسة التي تعيش حياة الصخب والتهديد والضرب، والاعتداء من جراء المخدرات، أو الفضائيات، أو غيرها.

4- ضعف الأداء التربوي لأبنائها؛ بحجة أن المسئولية تقع على الزوج أولًا.

5- فقدان البسمات الجميلة على وجهها بسبب تأخر زوجها، أو كثرة مشاغله.

6- تحديد المواعيد مع الأقارب والأحباب دون النظر إلى إمكانات زوجها في الوفاء بتلك المواعيد والزيارات.

7- سرعة التأثر بأحاديث النساء، وتصديقها لكل ما يقال لها.

8- التنكر لحسناته ومواقفه الطيبة معها.

9-  الاهتمام بالمظاهر والزخارف الجوفاء.

10- عملية الإسقاط والإحباط لعزيمته بسبب دنو همتها: فهمته في الثريا بينما همتها في الثرى، فعلى حين يحضر البيت وكله هم من منكر وقع، أو واجب ترك، إذا هي مشغول بالها بموضة جدت، أو لباس أخطأ الحائك في خياطته.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply