بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
مقدمة:
تعاملت البشرية بالمقايضة وبالذهب والفضة والدينار والدرهم ثم بالعملة الورقية ثم بالعملة الرقمية والرصيد الرقمي ثم ظهرت العملة الافتراضية.
المشهور عند الاقتصاديين أن هناك ثلاثة شروط إذا وجدت في شيء فإنه يسمى عملة:
الأول:أن يكون وسيطا مقبولا للتبادل فيقبل البائع أخذه مقابل سلعته،
الشرط الثاني: أن يكون مقياسا يمكن تحديد قيمة السلعة من خلاله،
والشرط الثالث: أن يكون مستودعا للثروة.
العملات الافتراضية ليست عينية كالذهب وليس لديها اعتماد حكومي كالأوراق النقدية فلا يصدرها مصرف مركزي ولا تتحكم فيها البنوك، حيث ترتكز العملات الافتراضية على كسر المركزية وإلغاء البنوك كوسيط بين البائع والمشتري ويديرها مستخدموها بحيث تحقق مبدأ الند للند Peer-to-Peer.
وتتميز العملات الافتراضية بالخصوصية وسهولة الاستعمال، ويَعدّها منتجوها ومتداولوها أنها مفخرة لشعب الأرض الذي يُنتج عملته بنفسه
تعريف بالبيتكوين:
أشهر العملات الافتراضية حاليا هي البيتكوين (Bitcoin) ويتكون من عنوان رقمي مربوط بمحفظة اليكترونية وكل بيتكوين مقسم لمائة مليون ساتوشي، وعند شرائك لسلعة ببيتكوين واحد فإنك ستحول البيتكوين بضغطة زر إلى محفظة البائع وسينتقل البيتكوين إلى محفظته، والمحفظة هي تطبيق اليكتروني، وعندما يريد أي شخص تحويل قيمة معينة من البيتكوين إلى شخص آخر فإنه يستخدم ما يسمى بالتوقيع الرقمي وهذا التوقيع يحتوي على ثلاثة أمور: الأول: رسالة التحويل، والثاني: الرقم الخاص بالبيتكوين، والثالث: العنوان المعلن للشخص الذي سيستلم البيتكوين، وعندما يتم تحويل بيتكوين إلى محفظة أخرى فإن التحويل يذهب إلى شبكة البيتكوين ويدخل في عملية التأكد ويتم حفظه في سلسلة البلوكات (BlockChain)
كانت بداية ذكر البيتكوين في بحث أصدره تقني مجهول لقب نفسه بـساتوشي ناكاموتي عن العملات المشفرة ناقش هذا البحث عنصر الأمان في البيتكوين وابتكر طريقة تقنية لتجاوز معضلة الموثوقية والحماية من الغش ثم استمر هو ومجتمع المطورين في العمل على البيتكوين.
تم طرح البيتكوين للتداول في 2009 بقيمة 0.0001$ وارتفع في منتصف عام 2011 إلى 35$ ووصل في بداية 2017 إلى 1000$ ثم تصاعد البيتكوين بشكل سريع حتى تجاوز سعر البيتكوين الواحد 4000$ بتاريخ 14/7/2017
https://price.bitcoin.com
من أسباب هذا التصاعد: المضاربات في هذه العملة، وبدء اعتماد بعض الدول لها بشكل رسمي، وتزايد تعامل قطاعات خدمية جديدة بها كخطوط الطيران، وهناك متاجر إلكترونية وأجهزة صرافة تقوم بتبديل العملات المتداولة كالدولار بالبيتكوين، ويمكن شراء البيتكوين من بعض المواقع على الشبكة.
لم تعتمد معظم حكومات العالم البيتكوين كعملة تداول، لكن عددا من الدول كألمانيا واليابان سمحت نظاميا بتداول البتكوين وأقرّته كطريقة للدفع ومن أسباب ذلك وجود مصالح لهذه الدول كتحصيل الضرائب على التداول والمضاربة كما يساعدها ذلك في تنظيم التداول والتغلب على الغموض والسرية.
أصبح البتكوين معتمدا في شبكة من المطاعم والأسواق والمتاجر الإلكترونية والشركات حول العالم مثل مايكروسوفت وغيرها.
مخاطر وسلبيات:
يتعرض سعر البيتكوين للتذبذب ومن أسباب ذلك: الهجمات الإلكترونية وانتشار الفيروسات الخطيرة وإغلاق متاجر كبيرة تبيع البيتكوين.
لا يوجد جهة محددة يمكن رفع الشكاوى إليها أو المطالبات بشأن هذه العملة وتدار هذه العملة من شبكة المستخدمين والمبرمجين حول العالم.
شبكة البيتكوين هي شبكة مفتوحة يمكن لأي مبرمج أن يقترح أو يطور أو يعدل على البرنامج الذي يعمل عليه المتداولون للعملة والمنتجون لها
ينطوي التعامل بالبيتكوين على مخاطر منها انها لا تزال غير معترف بها من معظم دول العالم والمصارف العامة والمركزية ومنها سهولة استعمالها في العمليات المشبوهة والإجرامية تمويلا أو غسيلا للأموال، ومن المخاطر أيضا الغرر والجهالة الحاصلة في قيمتهما، ومن المخاطر أن أسعارها شديدة التذبذب فهي وإن كانت في صعود صاروخي فإنها معرضة للتدهور السريع، وقد حصل شيء من التذبذب في مراحل سابقة.
كلام العلماء في أمور متعلقة:
الحكم الفقهي للبيتكوين يعتمد على عدة أمور منها: كونها سلعة أم عملة ونقدا كالعملات الورقية؟
نص الإمام مالك على أن كلما يرتضيه الناس ويجعلونه سكة يتعاملون بها فإنه يأخذ حكم الذهب والفضة ولو كان من الجلود (المدونة 5/3)
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن النقود لا يعرف لها حدّ وإنما تعود لتعامل الناس واصطلاحهم (الفتاوى 19/251)
وجاء في قرار هيئة كبار العلماء: "النقد هو كل شيء يجري اعتباره في العادة أو الاصطلاح بحيث يلقى قبولا عاما كوسيط للتبادل" (أبحاث الهيئة 1/90)
وقد توقف شيخنا عبد الرحمن البراك في جواز تداول البيتكوين، لكنه أوجب الزكاة فيمن ملك منها نصابا بمفردها أو مع غيرها إذا حال عليها الحول.
وقال شيخنا نفع الله به عن البيتكوين أليست مالا يغتني به؟ أليست تورث عنه؟ أليس يستطيع أن يشتري بها؟
ويرى بعض الباحثين أن الثمنية في الفلوس والأوراق النقدية ونحوها ناشئة عن تعارف الناس واتفاقهم على إعطائها قيمة سوقية، وهذا بخلاف الذهب والفضة فلهما قيمة ذاتية مختلفة كما يقول الجمهور من الفقهاء، وعلى هذا فيجوز الاصطلاح على إنتاج عملات أخرى جديدة لكن البيتكوين عملة افتراضية ليس لها وجود حقيقي يمكن حيازته، وإنما هي مجرد أرقام ورموز ومع ذهابها تضيع الثروة، وهذا مظنة للغرر والخسارة.
وهناك رأي قائل بأن البرمجة شيء حقيقي لا وهمي وأن العملة بدأت تفرض نفسها وأن درجة الاعتمادية والموثوقية والإقبال عليها يزداد.
ولذلك لا يُستبعد أن يظهر اجتهاد فقهي بتحريم التعامل بها في أول ظهورها عندما تكون المخاطر عالية جراء عدم الاعتراف بها من أكثر الدول ولأنها ضعيفة الاعتمادية والموثوقية نتيجة لذلك فيكون التعامل بها مغامرة ومقامرة ثم يتغير الحكم إذا اكتسحت وسادت وفرضت نفسها عالميا.
مرجعنا في معرفة الأحكام الشرعية: كتاب الله وسنة محمد صلى الله عليه وسلم واجتهاد أهل العلم وخصوصا في النوازل والمستجدات المعاصرة كالبتكوين قال تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لاتعلمون) ويجب على القادرين من أهل العلم الاجتهاد لتوضيح أحكام النوازل ولابد من قائم لله بالحجة، ومثل هذه القضايا الكبار تحتاج إلى فتاوى جماعية من المجامع الفقهية ولجان الإفتاء وباحثي الدراسات العليا ويشارك في توضيح الرؤية خبراء التقنية، ويشارك في توضيح الرؤية خبراء التقنية والاقتصاديون الذي يعينون أهل العلم في ذلك (وتعاونوا على البرّ والتقوى).
تساؤلات:
وفيما يلي تساؤلات تساعد في تصور الحكم الفقهي للبيتكوين: ما هو مستقبل البيتكوين بعد نهاية إنتاجها حيث إنها محدودة بواحد وعشرين مليون بتكوين؟ حيث تم حتى 15/8/2017 إصدار وتداول 16,508,888 بيتكوين من أصل 21,000,000 بيتكوين
ما هو مستقبل العملات الافتراضية الأخرى؟ حيث يوجد أكثر من مائة عملة افتراضية أخرى.
ما مدى تأثير قدرة الناس على صناعة نقدهم وعلى حقيقتها وقناعتهم بها؟ ما هو أثر انفتاح المجال للمبرمجين لإنشاء أي عملة؟
وما هو أثر الاغتناء وبناء الثروات من لا شيء أو من شيء يسير جدا؟ هل يجوز شرعا أن تكون العملة شيئا قابلا للتبخر والانعدام الفوري والسريع؟
ماذا سيحدث لو ظهر فك للتشفير الذي تمت برمجة هذه العملة به مع استصحاب تقدم الصناعة في الحوسبة الكمية (quantum computing)
هل يجوز أن تحول أرصدة الوصايا والأوقاف والأيتام والأموال الخيرية إلى العملة الافتراضية وهل يعدّ هذا شرعا من التفريط والتضييع؟
ما أثر فقدان المحسوسات الملموسات في النقود الافتراضية حيث إنها لا تُلمس في الواقع وإنما هي أشبه بنقود ذهنية (تصور ذهني معبر عنه برموز)
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد