الوجه المشرق للنظام الديمقراطي


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

سبق أن تعرضنا في حلقات سابقة للنظام الديمقراطي من حيث التعريف, ومن حيث التشريع, ومن حيث حق التصويت والترشيح, وإليك أهم المميزات التي يمتاز بها هذا النظام.

أولاً: أول ميزة بدأت بها الديمقراطية أن وضعت نظام المراقبة على الميزانية جمعا وإنفاقا، بمعنى إحصاء دخل الدولة سنويا ومصاريفها السنوية, وأعظم دخلٍ ينمي الميزانية هو دخل الضرائب في شتى المجالات.

فمنها ضريبة الواردات القادمة إلى البلد، ومنها ضريبة السكن الذي تسكنه، ومنها ضريبة الكهرباء الذي تستهلكه ،ومنها ضريبة البترول الذي تشتريه من المحطة ، ومنها ضريبة الدخل الشهري على كل فرد مكتسب فيقتطع من راتبه دون استئذان..........

فمن أعظم المنن التي قدمها هذا النظام أن خفف الضرائب على الفقراء، وزاد نسبتها على الأغنياء، وكان المطبق قبل هذا النظام هو العكس فالنظام المطبق في هذا المجال هو النظام التصاعدي، فكلما زاد دخل الفرد زادت نسبة الضريبة عليه .

فالشخص الذي راتبه ثلاثة آلاف ريال ربما تكون ضريبة دخله ثلاثة في المائة 3% , ومن كان راتبه ستة آلاف تكون ضريبته عشرة في المائة ، ومن كان راتبه خمسا وعشرين ألفا ربما كانت ضريبته ثلاثين في المائة، ومن كان راتبه أربعين ألفا ربما كانت ضريبته ستين في المائة وهلم جرا .

ظاهر ذلك ينبئ عن حسن التنظيم وتخفيف العناء عن الفقراء ،والاقتطاع من الأغنياء لصالح الفقراء وذوي الدخل المحدود, وحين ننظر إلى دين الله نجد دائرته أوسع وأشمل وذلك في صورة الزكاة والجزاءات عند ارتكاب ما يخالف الشرع .

 

ثانياً: من أعظم مميزات الأنظمة الديمقراطية التعليم الإلزامي المجاني, فقد كان التعليم مقصورا على الأثرياء قبل تطبيق هذا النظام, فلا يوجد في الدول الأوروبية الديمقراطية بعد إلزامية التعليم أميٌ على الإطلاق, وتختلف إلزامية التعليم فيها من دولة إلى أخرى، فمنها ما تقدم مجانيته إلى نهاية المرحلة الابتدائية، ومنها ما تصل به إلى المرحلة المتوسطة، ومنها ما تقدمه إلى المرحلة الثانوية كبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية .

وأما ما بعد الثانوية فالتعليم باهظُ التكاليف في تلك الدول، ويصل أحيانا إلى ربع مليون دولار سنويا للفرد الواحد، والتعليم الذي يتلقاه المتعلم في المراحل المجانية دنيوي بحت لا صلة له بديانة الشعب ، وإنما غاية الدولة منه إخراج مُنْتَجٍ -على حد قول التربويين- هَمُّهُ بطنه وفرجه والبحث عن متع الحياة العاجلة , وإذا أراد أحد تعليماً دينياً فعليه الالتحاق بمدارس الكنيسة وعلم اللاهوت.

فإن قلتُ إن التعليم الذي تقدمه الدول الديمقراطية غايته الوحيدة جمع الشعب تحت مظلةِ تَوَجُّهِ الدولة، فمُخَطِّطُ التعليم لا يلتفت إلى رغبات الناس وإنما يركز على رغبات الدولة, ويهيئ السبل الكفيلة لتحقيق هذا التَوَجُّه , لذا لا نجد أصواتَ النقدِ لسياسية التعليم في الدول الديمقراطية.

ومما لا يختلف فيه اثنان أن الدول الغربية قد قطعت شوطاً كبيراً في مضمار التعليم الدنيوي، أو ما يسمى (ب سائنس) science بـ {علوم} فالتسهيلاتُ وَوَفْرَتُهَا فيما قدمته هذه العلوم أشبه ما يكون خيالاً لمن عاش قبلنا بمائة سنة، فمن كان يصدق تغيير وسائل النقل إلى سيارات وقطارات وطائرات...، ومن كان يصدق وجود وسائل الاتصالات من تلفونات وجوال وفاكس وكمبيوتر وانترنت........

وإن انتقلنا إلى وسائل المعيشة المريحة فالحديث طويل، فما الثلاجة والغسالة والمكنسة والمراوح والمكيفات واللمبات..... إلا جزء من هذه العلوم، وإن انتقلنا إلى ميدان الأسلحة فَحَدِّثْ عما يعجز العقل عن تصوره، فما الصواريخ عابرات القارات والطائرات القاذفة والقنابل الذرية وقنابل نيبام وقنابل ديزي كتر وقنابل كلستر إلا جزء يسير مما تحتفظ به هذه العلوم.

وإن انتقلنا إلى الصحة وما يتبعها من روافد الاستشفاء فللأنظمة الغربية الديمقراطية أكبر الفضل على البشرية جمعاء، فبدءاً بالأشعة المقطعية ومروراً بالعمليات الليزرية وربما انتهاء بالبانادول كل ذلك مرهون بالتعليم والتجارب التي تشجع عليها الأنظمة الديمقراطية ، وماذا لدى المسلمين سوى شراء المنتج الذي يكلفهم مائة ضعف من سعر التكلفة على أقل تقدير

فثقة الناس في الدواء المصنوع في أوروبا وفعاليته لا يمكن هزُّها على الإطلاق، بخلاف لو صُنِعَ ذلك المنتج في إحدى الدول الإسلامية فإن المريض يشك في فعاليته ، وربما تجرأ باتهام المصنع بالغش أو التدليس.

وأعظم ذلك كله أن كل من يستظل بظل تلك الدولة في الغرب فالرعاية الصحية مجانية له، ففي بريطانيا مثلا لكل عدد معين من البيوت طبيب يختص بها، وصيدلية في الحي تصرف الدواء مجانا لكل وصفة مؤشرة من ذلك الطبيب، وتتقاضى قيمة الوصفة من الدولة بانتظام بين فترة وأخرى.

فالمنكر لهذه العلوم والتقدم التقني منكر لشمس النهار المشرقة ذات الضوء والدفء، منكر لكثير من روافد الحياة المريحة التي لا يصح إنكارها، وهو يستمتع بمتعها الناعمة ليل نهار، فمن العدل نسبتها إلى هذا التقدم العلمي الموجود في الدول الديمقراطية الغربية ، وهذا ما يأمر به القرآن الكريم (....... وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى .........)سورة الأنعام آية 152

فالفضل بعد الله عز وجل في التقدم البشري والتقنية المريحة لهذا التعليم ،الذي ترفع رايتَه الدولُ الديمقراطية الغربية، لذلك نجد عالمنا الإسلامي يتهافت على تعليمهم ،لأنه مفيد لتقدم الحياة المادية المريحة, ولكن يجب أن لا ننسى أن مع كل تعليم عادات وتقاليد تتسرب معه, ويقتبسها المتعلِم دون وعي منه وربما كان المُقْتَبَسُ ضاراً, لا يتفق مع أوامر الشرع وما جاء به محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام.

 

ثالثاً: تيسير الخدمات:

لا داعي للغرابة إن أخبرتك أن الدول الأوروبية الغربية الديمقراطية سَبَّاقة في هذا الباب, فما من مناسبة إلا وتجد الخدمة في متناول يدك بأسعار رمزية ، فمثلا متى جاءت مناسبة كرسمس تجد أسعار وسائل النقل تنخفض حتى تصل إلى ربع التذكرة أحيانا، تشجيع من الدولة وتشجيع من الشركات للمشاركة العامة في هذه المناسبة.

كل ذلك لا ينحصر في المناسبات، بل نجد ذلك في غير المناسبات أيضا، فمثلاً سعر التذكرة في بريطانيا للسفر بالقطار من الثامنة صباحا حتى الثانية ظهراً سعر كامل يومياً ، بينما لو أنشأت السفر بعد الثانية ظهراً لن تدفع إلا قيمة نصف التذكرة، وإن سافرت بعد الثامنة ليلاً فلن تكلفك التذكرة إلا ربع قيمتها الأصلية.

فإن قارنت هذا التيسير في عالمنا الإسلامي فإنك تجد العكس ، ففي باكستان مثلا متى اقترب عيد الفطر أو الأضحى تجد أسعار تذاكر الباصات تتضاعف، فإن كان المسافر يدفع في الأيام العادية مائتي روبية للسفر بين مدينة لاهور و العاصمة إسلام أباد، فإنه سيضطر لدفع أربعمائة روبية وجوباً إذا أراد السفر في العيدين، دون رقيب من الضمير أو الدولة أو الشركات .......

 

رابعاً: المساواة أمام القانون:

كان القانون الروماني يفرق في التقاضي بين الفقراء والأغنياء، فالفقراء يطبق عليهم القانون بحذافيره، بينما الأغنياء يخرجون منه بسلام لغناهم, جاء النظام القضائي الديمقراطي فألغى هذه التفرقة ، فجعل الناس سواسية لا يفضل أحدهم على الآخر، بما في ذلك الوزراء ورئيس الدولة.

فمتى أُرِيْدَ محاكمة هؤلاء الكبار تُرفع عنهم الحصانة البرلمانية أولاً ، ثم يقدمون إلى القضاء، ويحاكمون كما يحاكم أي شخص، ممن يستظل بظل تلك الدولة.

أراك تسألني عما ذكرته من المميزات في النظام الديمقراطي، أَلِمِثْلِهِ وجودٌ في الإسلام؟ جوابي على ذلك أن مثل ذلك من أبجديات هذا الدين، فهو يشمل ما سبق و أكثر، فدائرته تشمل كل المخلوقات يعلوها الإنسان.

فما يعطيك النظام الديمقراطي فتات متساقط، عما أوجب الله على حكام المسلمين تقديمه إلى بني البشر، وسأكتب عنه في القريب العاجل.

وأعظم ما يشرق وجه النظام الديمقراطي ما يسمى بالحقوق والضمانات، وهو ما سنتحدث عنه  إن شاء الله تعالى.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply