فوائد من محاضرة التعامل مع كتاب الروض المربع


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

في البداية أرجو المعذرة للاختصار الشديد؛ لأن وقت المحاضرة (40 دقيقة)، وسوف أحاول أن أختصر الموضوع، وأقتصر على أهم الأمور التي يحتاجها الطالب الجامعي لفهم الروض المربع، فأقول مستعينا بالله:

 

١- إذا أردت أن تفهم كتاب الروض المربع فاعرف أصله، وأصله كتاب المقنع للموفق ابن قدامة (المتوفي 620هـ) فلربما ذكر روايتين أو قولين في المسألة، وجرّده من الدليل ليتمرن الفقيه على الاجتهاد في المذهب، وعلى التصحيح والبحث عن الدليل. ثم أتى الإمام شرف الدين موسى بن أحمد الحجاوي المتوفى عام 968هـ واختصر كتاب المقنع وحرر مسائله وأسماه (زاد المستقنع في اختصار المقنع)، واقتصر فيه على قول واحد في المسألة باعتبار أنه القول الراجح عند متأخري الحنابلة، بخلاف كتاب المقنع [الأصل]، الذي ربما يذكر روايتين أو وجهين في المسألة.

وأصبح كتاب الزاد هو العمدة عند المتأخرين، فكُتبت عليه الشروح والحواشي، وقد حوى ما يقارب 6000 مسألة، 3000 مسألة بالنص والمنطوق، والنصف الآخر بالإيماء والمفهوم، ولذلك قال العلماء: "من حفظ الزاد وفهمه، أُهّل للفتوى وللقضاء". وقالوا أيضا: "متن زاد وبلوغ، كافيان في نبوغ".

ثم جاء شيخ الحنابلة في وقته، الشيخ منصور بن يونس البهوتي المتوفى عام 1051هـ فشرح الزاد وأسماه: (الروض المربع)، ومزج فيه المتن بالشرح حتى يكون ككتاب واحد بطريقة بديعة، وكُتب له القبول، وصار مرجعا عند المتأخرين حتى صار مقررا في الجامعات السعودية.

 

٢- الموفق ابن قدامة المقدسي خدم المذهب الحنبلي بتأليف أربعة كتب فيه: عمدة الفقه للمبتدئين، والكتاب المقنع في الدرجة الثانية، وربما أطلق فيه روايتين في المذهب للمسألة، ويذكر الترجيح في بعض المسائل، ثم ألف كتاب الكافي وأطلق فيها ثلاثة روايات للمسألة أو أكثر ويذكر الترجيح في بعض المسائل أيضا، ثم ألف الكتاب الجامع وهو المغني.

 

٣- طريقة التأليف عند علماء المذهب تختلف، فمنهم من يكثر من الاستدلال والخلاف كما هو طريقة المغني لابن قدامة، والشرح الكبير، ومنهم من يكثر الاستدلال على المسألة، بحيث يذكر المسألة ودليلها كطريقة الممتع شرح المقنع لابن منجا التنوخي (المتوفي سنة 695هـ)، ومنهم من يُقلّ من الاستدلال ويكثر من التفريعات والتعليلات كما هي طريقة صاحبنا في الروض المربع.

 

٤- أحد أسباب فهم كتاب الروض الاعتناء بمصطلحات المذهب، فإنه يوفر عليك جهدا في الوصول للمعلومة.

 

٥- من أكثر الحروف التي تتكرر في الروض هي حروف الخلاف، وهي ثلاثة: (إنْ، حتى، لو)، وقد أورد ذلك مفصلا الشيخ بكر أبو زيد -رحمه الله- في كتابه المفيد: المدخل المفصل، إلى فقه الإمام أحمد بن حنبل.

 

٦- حرف الكاف يرد كثيرا في الروض حتى لا تكاد تخلو صفحة منه، وتأتي لأحد معنيين: تمثيلية أو تنظيرية، والضابط في كيفية معرفة حال الكاف أن تنظر إلى ما بعد الكاف، إن كان ما بعدها من جنس ما قبلها ويدخل فيه فهي تمثيلية، مثال ذلك: قول الفقهاء: "الماء الطهور هو الماء الباقي على خلقته كمياه الأمطار وكمياه الآبار وكمياه الأنهار" اهـ، وأما الكاف التنظيرية فهو أن يأتي المصنف بحكم ثم يأتي بنظير ومساو له لكن لا يدخل فيه بل هو مستقل عنه، مثال ذلك قول الفقهاء: "الزكاة ركن من أركان الإسلام كالصلاة" اهـ، فالصلاة ليست من جنس الزكاة، وإنما نظيرها في الحكم ومساو لها، إذ كلا الحكمين ركن.

 

٧- صاحب الروض يعطف الأحكام بعضها بحرف الواو مرة، وبـ(كذا) أخرى، فما الفرق بينهما؟ أجاب العلماء بأن الحكم المنصوص عليه والمعطوف عليه إذا كانا متساويان في كل شيء فهذا يُعطف عليه بالواو، أما كان إذا المعطوف لا يشابه المعطوف عليه من كل الصور وإنما من بعض الوجوه ويفارقه من بعض الوجوه فيُعطف بـ(كذا)، وهذه متكررة بكثرة في الروض.

 

٨- أخي طالب العلم: حضّر مادتك قبل الدخول لمحاضرة الروض المربع في الجامعة. اقرأ متن الزاد أولا ثم اقرأ شرحه الروض حتى يحصل لك تصور المسائل مبدئيا، وتزول عنك بعض الإغلاقات والإشكالات.

 

 

[منهجية الإمام منصور البهوتي في شرحه لزاد المستقنع]

١- (الإطلاق بعد التقييد)، فقد تكون عبارة صاحب الزاد مطلقة، فيأتي صاحب الروض فيقيدها، مثال ذلك قول الزاد: "ومن انكشف بعض عورته [في الصلاة] وفحش ..."، جاء صاحب الروض وقيده فقال: "ومن انكشف بعض عورته [في الصلاة] وفحش (عرفا وطال الزمن) ... أعاد".

٢- (التفريع بعد التأصيل)، قد يأتي نص الزاد أصلا، ثم يأتي صاحب الروض ويفرع عليه مسائل إما بذكر شروط أو قيود أو غيرها.

٣- قد يذكر الزاد أو الروض في بعض المسائل ما ذكره واشترطه بعض أهل العلم، فيأتي بصيغة تدل على أن هذا ليس بشرط وليس بمطلوب في هذه المسائل من باب المخالفة والتصويب، كقول صاحب الزاد: "وإن اشتبه طهور بنجس حَرُم استعمالهما، ولا يشترط إراقتهما ولا خلطهما"، الشاهد عند (ولا يشترط)، فلا يشتر ط لصحة التيمم الإراقة أو الخلط، يشير الحجاوي في الزاد إلى أن هناك من أهل العلم من اشترط ذلك، فأتى هنا وقرر عدم الاشتراط.

٤- قد تجد بعض أسماء الكتب في أثناء شرح البهوتي للروض، والمراد منها أن الحجاوي قد خالف المذهب المعتمد عند المتأخرين في مسائل كثيرة، قيل 32 مسألة وقيل غير ذلك، ثم يأتي البهوتي في أثناء الشرح فيبين المخالفة في المسألة، ولكن بأدب واحترام، وذلك أنه يبين للقارئ أن هذا القول المخالف -الذي قاله صاحب الزاد- ليس بدعا من القول، بل قال به بعض علماء المذهب، فيورد بعض أسماء كتبهم التي ذكروا فيها هذا الحكم. مثال ذلك قول الحجاوي: "وإن طلب السلطان امرأة لكشف حق الله أو استعدى عليها رجل بالشُرطِ في دعوى له، فأسقطت، ضمنه السلطان والمستعدي، ولو ماتت فزعا لم يضمنا" اهـ، جاء البهوتي وقال: "جزم به في الوجيز وقدمه في المحرر والكافي، وعنه -أي أحمد- أنهما ضامنان لها كجنينها لهلاكها بسببهما وهو المذهب كما في الإنصاف وغيره، وقطع به في المنتهى وغيره"اهـ

[تنبيه]: ربما يذكر البهوتي في شرحه هكذا "قاله في المبدع" أو "قاله في الإنصاف أو الفروع"، ويريد به العزو فقط لا الإشارة إلى المخالفة في المذهب كما سبق قوله، وكيفية التفريق أنه إن عزا ثم لم يذكر وجها آخر للمسألة بعد ذلك فهو مجرد عزو، وإذا أورد وجها آخر كأن يقول: "وعنه...."، فهذا هو مراد مقالنا السابق.

٥- يورد البهوتي أحيانا بعض أسماء الصحابة في شرحه، وهذه إشارة منه إلى أن هذا القول محل خلاف بين أهل العلم، فيريد أن يدعم قوله ويقويه بعزو هذا القول إلى جمع من الصحابة. مثال ذلك قول الزاد: "ولا زكاة في حليهما المعد للاستعمال أو العارية"، -وفي هذه المسألة خلاف بين أهل العلم- ثم أتى البهوتي في الروض وقال: "وهو قول أنس وجابر وابن عمر وعائشة وأسماء اختها".

٦- إذا أشكل عليك فهم مسألة في الروض المربع فاتبع الآتي: اقرأ متن زاد المستقنع مجردا عن الشروحات والحواشي، فإن اتضحت لك فبها ونعمت، وإلا فاقرأ الشرح ممزوجا بالمتن بتمعن، وإن لم تتضح لك فارجع إلى الحواشي التي كتبت على الروض، ومن أنفعها: حاشية الشيخ عبدالرحمن بن قاسم على الروض، وحواشي أخرى كحاشية العنقري، والمعاصرة كحاشية عبدالله الطيار وحاشية عبدالله الغصن.

وإن لم يزل عنك الإشكال بعد الرجوع إلى المتن والشرح والحواشي، فارجع إلى كتاب الإقناع للحجاوي وشرحه كشاف القناع للبهوتي، وكتاب الإقناع مؤلفه هو مؤلف الزاد، فما كان في الزاد مختصرا تجده في الإقناع والكشاف مبسوطا، وإن لم يزل الإشكال بعدُ فارجع إلى كتب الأصحاب الحنابلة، مثل المبدع في شرح المقنع أو منتهى الإرادات أو شرحه أو المبدع أو المغني أو الإنصاف أو الفروع.

٧- المذهب المعتمد عند المتأخرين هو ما اتفقت عليه ثلاثة كتب، التنقيح المشبع للمرداوي، والإقناع لشرف الدين الحجاوي، ومنتهى الإرادات لابن النجار الفتوحي، فإذا اتفقت هذه الكتب الثلاثة فهو المذهب قطعا عند المتأخرين، فإن اختلفت فما اتفق عليه كتابان منهما، فإن اختلفا اختلف علماء المذهب في تلك المسألة. وأكثر المحققين على أن المذهب ما قاله صاحب المنتهى، وبعضهم قال: المذهب ما قاله صاحب كتاب غاية المنتهى، في الجمع بين الإقناع والمنتهى للشيخ مرعي بن يوسف الكرمي (المتوفى سنة 1033هـ).

-هناك أمر مهم- وهذا تجدونه كثيراً في باب المعاملات وما بعده وهو إذا قال المصنف: "ويقبل قوله"، أو قال "والقول قوله"، فمرادهم مع يمينه. وهذا إذا لم يكذبه شاهد الحال، لأن الأصل قبول قول الأمناء إلا حيث يكذبهم الظاهر.

[إعداد: اللجنة العلمية بنادي الشريعة والثقافة الإسلامية]

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply