بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
من الأمور الأساسية في تربية وتعليم الأطفال؛ تعليمهم القرآن الكريم منذ الصغر، حيث ينبغي للآباء والمربين أن يبدؤوا بتعليم الأطفال القرآن الكريم منذ الصغر؛ وذلك ليتوجهوا إلى اعتقاد أن الله تعالى هو ربهم، وأن هذا كلامه تعالى، وتسري روح القرآن في قلوبهم، ونوره في أفكارهم ومداركهم وحواسهم، وليتلقوا عقائد القرآن منذ الصغر، وأن ينشؤوا ويشبوا على محبة القرآن، والتعلق به، والائتمار بأوامره، والانتهاء عن مناهيه، والتخلق بأخلاقه، والسير على منهاجه.
وقد أكد العلماء والمربون منذ القدم على ضرورة تعليم الأطفال القرآن الكريم كالسيوطي وابن خلدون وابن سينا والإمام الغزالي حيث يقول الحافظ السيوطي: تعليم الصبيان القرآن أصل من أصول الإسلام؛ فينشؤون على الفطرة، وتسبق إلى قلوبهم أنوار الحكمة قبل تمكن الأهواء منها.
ويؤكد ابن خلدون هذا بقوله: تعليم الأطفال القرآن شعار من شعائر الدين، أخذ به أهل الملة، ودرجوا عليه في جميع أمصارهم، لما يسبق إلى القلوب من رسوخ الإيمان، وعقائده بسبب آيات القرآن.
ويقول ابن سينا: فإذا تهيأ الصبي للتلقين، ووعى سمعه، أخذ في تعليم القرآن، وصورت له حروف الهجاء، ولُقن معالم الدين.
وقد أوصى الإمام الغزالي في إحيائه بتعليم الطفل القرآن الكريم، وأحاديث الأخيار، وحكايات الأبرار، ثم بعض الأحكام الدينية.
ويجب على معلم القرآن الكريم أن يهتم بشروط التعلم الجيد ،بما في ذلك استخدام ما يمكن استخدامه من وسائل سمعية وبصرية يمكن أن تفيد في سرعة الحفظ، وفي الفهم وفي تعميق المعنى، وفي إثارة الحماسة للتعلم، وقد يعين على فهم هذا الموقف تلك المسابقات التي تعقد لحفظة القرآن الكريم من الصبية على مستوى العالم الإسلامي، وفي هذه المسابقات نرى أطفالا من البلاد الإسلامية التي لا تستخدم العربية يحفظون القرآن الكريم حفظًا جيدًا، ويبزون فيه أترابهم من حفظة القرآن في البلاد العربية، وإن سألت أولئك في معنى ما يقرؤون لا يجيبون وهم بهذا الحفظ الجيد للقرآن الكريم بدون فهم للمعنى ينقضون جميع مبادئ علم النفس التربوي، لكنهم يتفقون مع ما وعد الله به من حفظ للقرآن الكريم، ومن تيسير له.
والسؤال الذي يطرح نفسه ونحن بصدد تعليم الأطفال القرآن الكريم وفهم الأطفال لمعانيه: هل من الضروري أن يفهم الأطفال القرآن الكريم فهمًا تامًا حين يتعلمونه؟
يرى التربويون والمتخصصون في تعليم التربية الدينية الإسلامية:
- أنه يكتفي من الطفل في المراحل الأولى من تعليم القرآن الكريم أن يتلو ويحفظ ويفهم المعنى، وأن يستعان في إفهامه المعنى بخبراته المباشرة التي تشمل أنشطته ومواقف حياته اليومية. وينبغي ألا نتردد في تقديم المفاهيم المجردة إلى الطفل في مرحلة الطفولة المبكرة أو المتأخرة؛ لأن التردد سوف يمنعنا من نطق كلمات مثل: الخير والإحسان والعدل أمام أطفالنا بحجة أنها كلمات ذات مفاهيم مجردة ،وعدم تقديم كلمات مثل هذه إلى الأطفال يؤثر على نموهم الأخلاقي والوجداني، بصفة أساسية المفهوم ينمو في مراحل متتالية، ولكل مرحلة خصائصها وميزاتها، يكفي لطفل الخامسة مثلا، أن يعرف أن الإحسان يعني تقديم مبلغ من المال إلى فقير، وفي مرحلة تالية يعني ما هو أشمل من مجرد إعطاء السائل...إلخ
- تطبيق مبدأ انتقاء السور ذات الألفاظ السهلة، أو ذات المفاهيم القريبة من الأطفال أمر لا يمكن تطبيقه على القرآن الكريم؛ لأن الانتقاء بحسب السهولة والصعوبة غير وارد هنا لسبب بسيط هو: أن المستوى اللغوي والفكري للقرآن الكريم لا يمكن تصنيفه إلى سهل وصعب، فهو ليس كتابًا تعليميًا موضوعًا لمرحلة معينة، إنما هو كتاب منزل من رب العالمين لهداية الناس كافة، أيا كانوا، وعلى المبلغ أن يقرب المعاني ويوضحها بما شاء الله له.
ولنأخذ لذلك مثلا يبين ماذا نريد، سورة الفلق، وهي خمس آيات، ومن أقصر سور القرآن الكريم، بها على الأقل خمس كلمات غير مألوفة للأطفال، وهي: الفلق - غاسق - وقب - النفاثات - العقد، وبها كثير من المفاهيم المجردة مثل: الاستعاذة - الربوبية - الشر- العوالم الأخرى غير المنظورة، السحر، الحسد، وفي مقابل ذلك سورة الضحى، وهي إحدى عشرة آية، لن نجد فيها مثل هذا العدد من الكلمات غير المألوفة للأطفال، ولا هذا العدد من المفاهيم المجردة، فهل نختار في تعليم الأطفال أولا الفلق أو الضحى؟
اعتقد أنه ينبغي أن يحكمنا أمران أساسيان في تعليم الأطفال القرآن الكريم: مرحلة العمر التي يمر بها الطفل، وحاجاته، قصر السور، وكمية الكلمات الموجودة بها بصرف النظر عن صعوباتها، وصعوبة المفاهيم التي تنطوي عليها؛ لأنه لابد أن يقدم القرآن الكريم لهؤلاء الأطفال في هذه السن المبكرة، حرصًا على استغلال مرونتهم وطواعيتهم الفكرية والذهنية، وتحقيق أقصى قدر ممكن من النمو.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
المراجع:
فتحي يونس وآخران، التربية الدينية الإسلامية بين الأصالة والمعاصرة القاهرة، عالم الكتب، 1999م
محمد سويد، منهج التربية النبوية للطفل، ط3، دار طيبة، مكة المكرمة، 1421ه.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد