آداب التعامل مع المصحف


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

قال الإمامُ النووي رحمه الله: «أجمعَ المسلمون على وجوبِ صِيانةِ المصحَفِ واحترامه».

وإليك أخي الكريم جملة من الآداب التي ينبغي أنْ يُراعيها المسلم مع كتاب الله سبحانه وتعالى.

 

من صور التأدب مع المصحف:

1) ألا يمسَ المصحفَ إلا على طهارةٍ، وهذا قول الأئمة الأربعة؛ لحديث: «لاَ يَمَسَّ الْقُرْآنَ إِلَّا طَاهِرٌ»، وقد وصفه الله تعالى بأنَّه ﴿فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾(الواقعة: 78، 79).

2) أن لا يَتوسَّدَ المصحفَ، ولا يَعتمدَ عليه، قال الإمامُ النوويُّ رحمه الله: «قالوا: ويحْرم توسدُه - أي المصحف، بل توسُّدُ آحادِ كتبِ العِلم حرامٌ».

3) ألا يمُدَّ رجليه إلى المصحف، قال ابنُ نجيم رحمه الله: «يُكره أن يَمدَّ رجليه في النوم وغيره إلى المصحف، أو كتب الفقه، إلا أنْ تكون على مكانٍ مرتفع عن المحاذاة».

قال في «الإقناع»: «وفي معناه: استدباره، وتخطيِّه، ورمْيه إلى الأرض، بلا وضع ولا حاجة، بل هو بمسألة التوسد أشبه».

قال الشيخُ محمدُ بنُ عبدالوهَّاب رحمه الله: «ولا يجوز استدبارُه، أو مدُّ الرِّجلِ إليه، ونحو ذلك مما فيه تركُ تعظيمِه».

4) ألا يضعَ فوقه شيئًا مِن الكتب: حتى يكون أبدًا عاليًا لسائرِ الكتب، عِلْمًا كان أو غيره.

5) ألا يرميَ به إلى صاحبه إذا أراد أن يناوله، بل يناوله إياه مناولةً، يظهرُ فيها الإجلالُ والتعظيمُ لكتاب الله تعالى.

6) أن تكونَ اليمينُ هي الوسيلةَ لأخذه وإعطائه، وحملِه للقراءةِ فيه: ولا شك أنَّ تناولَه أو إعطاءَه بالشِّمال أمارةٌ على قلة المبالاة والتعظيم، وهذا أمرٌ معروف. «قال النووي: قاعدةُ الشَّرعِ المستمرةُ استحبابُ البُدَاءةِ باليمينِ في كلِّ ما كان مِنْ باب التَّكريمِ»، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يعجبه التَّيمُّنَ في شأنِه كلِّه.

7) ألا يضعَه على الأرض إلا لحاجة، ومن إجابات سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن هذه المسألة، قال: وضعُه على محل مرتفع أفضل، مثل الكرسي، أو الرَّف في الجدار، ونحو ذلك، مما يكون مرفوعا به عن الأرض.

8) ألا يدخلَ به الخلاء «دورة المياه»، قال في «الإنصاف»: «أما دخولُ الخلاءِ بمصحفٍ مِن غيرِ حاجة فلا شك في تحريمهِ قطعًا، ولا يتوقَّفُ في هذا عاقل».

9) ألا يضعَه في مكان يقصد من ذلك البركة، فإنَّ ذلك بدعةٌ لا أصل لها في الشرع.

10) ألا يقصدَ بفتحِ المصحفِ أخذَ الفألِ منه؛ فإنَّ ذلك بدعةٌ، قال الشيخُ ابنُ عثيمين رحمه الله: «وبعضُ الناسِ قد يفتح المصحفَ لطلب التفاؤل، فإذا نظرَ ذِكْرَ النَّارِ تشاءم، وإذا نظرَ ذِكْرَ الجنةِ قال: هذا فأْلٌ طيبٌ؛ فهذا مثل عمل الجاهلية الذين يستقسِمون بالأزلام».

11) عدمُ تقليب أوراقه ببلل الأصابع والريق، فقد كره ذلك جمعٌ من أهل العلم، لأن تتابعَ تلك الأشياء وتواردَها عليه يُحدِثُ فيه دنسًا.

12) ألا يهجرَ القراءة فيه نظرًا، ولو كان حافظًا له. قال الإمامُ القرطبي رحمه الله: «ومِن حُرمتِه ألا يُخْلِيَ يومًا مِن أيامِه مِن النظر في المصحفِ مرةً.

وكان أبو موسى يقول: إني لأستحيي ألا أنظرَ كلَّ يومٍ في عهدِ ربي مرة».

وكان الإمامُ أحمدُ يقرأ مِن القرآنِ في كل يوم سُبْعًا، لا يكادُ يتركه نظرًا .

13) ألا يتركَه منشورًا، بعد الفراغ مِن القراءة فيه، قال الإمامُ القرطبي رحمه الله: «ومنها- أي آداب التعامل مع المصحف-: إذا قرأ في المصحفِ ألا يتركَه منشورًا».

14) ألا يُعرَّضَ للتلف، وذلك بالغفلةِ عنه، وترْكِه في مكانٍ تُصيبه حرارةُ الشمسِ مثلا، كما يقع ذلك كثيرًا ممن يضعونه في سياراتهم، ونحو ذلك.

15) إذا بلِي يُدفنُ في مكانٍ طاهر، قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية رحمه الله: «أما المصحفُ العتيقُ، والذي تخرَّق وصار بحيث لا يُنتفَع به بالقراءة فيه، فإنه يُدفن في مكان يُصانُ فيه، كما أنَّ كرامةَ بدنِ المؤمنِ دفنُه في موضعٍ يُصان فيه».

وقد وفَّق اللهُ تعالى جماعةً مِن الغُيُرِ على كتاب الله تعالى فعمِلوا على إنشاءِ جمعياتٍ مُتخصصة؛ لاستقبال المصاحف التي تحتاج إلى إصلاحٍ وصيانةٍ، لتكون كما كانت أو قريبًا مِن ذلك حسب الطاقة، فدفعُها إليهم حينئذ هو المتعيِّن، والله أعلم.

أسأل اللهَ أن يجعلنا مِن أهل القرآن، الذين يتلونه حق تلاوته، فيحلُّون حلالَه، ويُحرِّمون حرامَه، كما أسأله -جل وعلا- أن يجعلَ القرآنَ العظيم ربيعَ قلوبنا، ونورَ صدورنا، وجِلاءَ أحزاننا، وذهابَ همومنا وغمومنا، وأن يجعلَه حجةً لنا لا علينا، إنه وليُّ ذلك والقادر عليه.

راجع هذه الآداب فضيلة الشيخ: عبد الله بن محمد الغنيمان

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply