بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
ماتت أمي نورة بنت عبدالعزیز بن محمد الشثري غفر الله لها ولا نقول إلا ما قال نبینا محمد صلى الله عليه وسلم عندما رأى إبنه إبراهیم وهو یجود بنفسه فجُعلت عینا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان؛ فقال له عبدالرحمن بن عوف وأنت یا رسول الله، فقال: یا ابن عوف إنها رحمة ثم أتبعها بأخرى، فقال صلى الله علیه وسلم: "إن العین تدمع والقلب یحزن ولا نقول إلا ما یُرضي ربنا، وإنا بفراقك یا إبراهیم لمحزونون" (رواه البخاري).
ماتتْ مَن كانت هي الأم والأبُ بعد وفاة أبي رحمه الله وأنا لم أتجاوز الخامسة، ولا یعرف الیُتم إلا من عاشه -غفر الله لهما-، وكان للأخوال فضلٌ علينا رحِم الله الأمواتَ منهم وحفِظ الأحیاء وأجزل الله المثوبة والأجر للخال الشیخ ناصر أبو حبیب الشثري نعم الأب ونعم المربي رحمه الله تعالى.
كانت الوالدة رحمها الله محبوبة من الجمیع، ولا أعلم إنسانًا ممن تعرفهم الوالده كانت تكرهه أو یكرهها أو أنها كانت تعتب على أحد، وكانت تفرح بهذا الكلام وتُردده، ولا تسمحُ في مجلسها أن یُتكلم في أحد، وكنا نحن الأبناء نتغدى كل یوم عندها، بينما كان النساءُ یتعشون عندها لأنها كانت تحب كثیرًا أن يجتمع الأحبة عندها ويتناولون الطعام، وأنا منذ تقاعدي من عشر سنوات كان لا بد لي أن أكون حاضرًا عندها في الساعة الثانیة والنصف، وكان من فضلِ ربي علي أن يُیسر لي الحضور في هذا الموعد لنجلس لشرب القهوة ثم بعد ذلك نتغدى، وكانت هذه الساعات أجمل أیام عمري، بالإضافة لأیام مرافقتها إلى مكة لصیامِ شهر رمضان هناك، وقد كان بیتها یُفتح بابه بعد الظهر ولا یُغلق إلا عند الساعة الحادیة عشر لیلًا.
و ورثت من أبیها رحمه الله بيتًا في وسط الریاض ولا تمتلك غیره، وكنت أذهب لآخذ الإیجار وفي بعض الأحیان كانوا یتأخرون به، وفي أحیانٍ أخرى كانوا یعطونني شیك على جمعیة البر، فأخبرت الوالدة رحمها الله بذلك فقالت لي: اذهب لكتابة العدل وأفرغ البیت لهم، وفعلت ذلك وهم في ذهولٍ وأسأل الله أن یعوضها خیًرا منه.
كما كانت تحب أن تُهدي الهدایا وخاصة للأطفال، وفي آخر عمرها وتعبها تكون یدها في جیبها لكي تخرج منه ما كانت مُعتادةً علیه في صِحتها.
كانت تصوم رمضان كل سنة في مكة المكرمة ولا تأتي إلا بعد صیام الست من شوال، وبعد عملیة تركیب المنظم في قلبها قال لنا الطبیب: لا یمكن لها الصیام والسفر لبلوغها أكثر من خمس وثمانین سنة. فقالت لي: یا ولدي قل للدكتور أنني سوف أسافر وأصوم في مكة بإذن الله، وكُلُ ما یأتي من ربي سأكون راضیة به...، ولم أرها مثل ذلك الیوم من الحدة والشدة رحمها الله.
ذهبتُ إلى الطبیب وأخبرته وقلت له: ابحث لنا عن طریقة أخرى، فقام وغیّر مواعید العلاجات وهو لا یتحمل المسؤولیة، فقال أخي عبدالله حفظه الله: تصوم في الریاض بضعة أيام قبل سفرها لمكة، وفعلًا صامت ثم سافرت وصامت بعدها ستة رمضانات تقبل الله طاعتها، وقال لي طبیب القلب المتابع لحالة أمي: أمرُ أُمك عجیب، فقد كان مقررًا لها أن تخضع لعملیة في القلب لأنَ لدیها ارتخاءً في عضلة القلب؛ ولكن الطبیب اعتذر لعدم تحمل جسدها للعملیة، والآن أرى أنَّ العضلة تحسنت وهذا أمر یحدث لأول مرة معي وسوف أكتبه وأخبر الأطباء به.
(ولم أخبر أحدًا بهذا في حیاتها خوفًا على أمیمتي رحمها الله).
وكان من فضل الله علیها أنها صامت رمضان كاملًا العام الماضي في مكة، ولم یبدأ فیها التعب إلا بعد رجوعها من مكة مباشرة.
وأنا لا أنسى كتاب الدكتور صالح العاید: (یظل الرجل طفلًا حتى تموت أمه)، فقد أبكاني على أمي في حیاتها، وكنت أرى في نفسي أنه قد بالغَ في بعضِ الأمور، ولكن بعد مدةٍ زال ما في نفسي لأني رأیتُ أعظمَ مما قاله.
و بعد دخول الوالدة العنایة المركزة في المستشفى وجلوسها فیها أربعین یومًا، كان الأقاربُ والأصدقاء بجانبنا في المستشفى لا یفتُرُون عنا بالزیارة لیلًا ونهارًا، فجزاهم الله خیرا. وكنت كلما قلت لبعضهم أن لا تُكلف نفسك، فيقول بكل فخر: (هي أمنا كما هي أمكم)، ولن أنسى هذه الكلمات، وكان یردد هذا الكلام بعضٌ من أفراد الأسرة الحاكمة ممن زارنا، فأسأل الله أن یكتب الخیر للجمیع، وأن یُصلح ذُریاتهم ویغفر لهم.
ومن فضل الله عليّ أنَّ أمي وأبي كانوا أكثر من یملك نصیبًا في هذا الموقع، (موقع مداد - midad.com)، وهو أكبر موقع على الإنترنت للقرآن الكریم في العالم، حیث یحتوي على أكثر من ٨٨٨ ختمة كاملة، وأكثر من ١٤٠ ألف مقطع للقرآن الكریم وتجاوز حجمة سبعة تيرا و فيه أقسام عدة فأسأل الله القبول والإخلاص في القول والعمل.
وأنصح كل من له والدان أحیاءً أو أحدهما أن یجعل لهم وقتًا لیجلس فیه معهم لوحده ویلین لهم القول ویُبدي لهم محبته قبل فواتِ الأوان.
وقد صُلّي علیها رحمها الله في جامع الملك خالد في الریاض وكانت لوحدها یوم الثلاثاء الموافق ٢٩/١/١٤٤٠ هـ عن عمر یناهز الثانیة والتسعین سنة غفر الله لها ولوالدیها، وقد امتلأ الجامع إلا قلیلًا وصلى بعض النساء في الخارج.
وأسأل الله أن یتقبلها وأن یتجاوز عن خطئها، وأن یجمعها مع والدیها وذریاتها ومن تحب وجميع المسلمين في الجنة، وأن یحفظ أخوتي وذریاتهم، فقد كانت راضیة عنهم، وكانوا یتسابقون في برها حیَةً ومیتةً وأسأله أن یتجاوز عني.
وأسأل الله أن یغفر لكل من صلى علیها أو ذهب إلى المقبرة أو دعى لها أو أرسل رسالة أو اتصل أو لم أرد علیه أو لم أخبره أو لم یستطع الحضور ومشاركتنا وقلبه معنا، فأسأل الله أن یحفظهم جمیعا ویتقبل دعاءهم.
وأسأل الله أن یجمعني بها في الفردوس الأعلى من الجنة وأن أقول لها مافي نفسي مما لم أقله لها في حیاتها، إنه كریم سمیع قریب.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
بقلم:
الشريف: سعد بن زيد آل محمود
المملكة العربية السعودية
حرسها الله
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد
التعليقات ( 16 )
اللهم ارحم جميع امواتنا وارفع لهم الدرجات
-دعماد محمدعبدالمنعم
09:36:13 2021-03-18
فثم الجنة
14:39:10 2020-11-11
ونعم الأم ام عبدالله
-ابو ابراهيم
05:28:16 2020-07-21
رحمة الله على امهاتنا
-طه ابراهيم
10:53:12 2020-06-10
رب ارحمهما كما ربياني صغيراً
-محمود رفعت أبو مازن
12:34:35 2020-06-09
الموت حق
-مهند أبوعود الليبي
02:48:04 2019-08-06