بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
من منا لا يحب المال!؟ ومن منا لا يعشق الأولاد؟ ولكن كم منا يغرق في ثروته وكم منا يسمو على مادته؟ كارثة ناتجة عن النمطية والتوهان والتعود كارثة الانشغال بالمال والأبناء ..
طبيعي أن نحب المال والأولاد فهما زينة الحياة الدنيا كما وصفهما من خلقنا في سورة الكهف "المال والبنون زينة الحياة الدنيا" فليس عيباً ولا حراماً أن نجني المال من كسب حلال وننفقه في حلال، ولا أن نحب الولد ونقضي معه أجمل الأوقات بل هناك مسؤولية على الإنسان تحتم عليه أن يعمل ويكسب ويجني ليعف نفسه عن السؤال ويكون صاحب يد عليا تعطي وتنفق وتساعد، وكذلك هناك مسؤولية التربية والتنشأة للأطفال مصحوبة بحب فطري غريزي وحتى الادخار لهم وعدم تبديد المال بل وحتى إنفاقه كله في وجوه الخير ليس بأفضل من أن تترك ورثتك أغنياء فهذا أفضل من أن تدعهم عالة يتكففون الناس ولكن الإشكالية الكبرى فيما ينتجه الإنسان من أفكار حول المال والولد وما يعتريه من شعور وبالتالي ما ينتج عنه من سلوك على هذه المستويات الثلاثة:
1- اعتقد بعض الناس أن هذا معيار الأفضلية عند الله وأن عطاء الله له علامة على حبه ومنع الله له علامة على إهانته كما حكت سورة الفجر "فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن، وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهاناً " والجواب على هذا الاعتقاد أنه خطأ " كلا " فلا العطاء علامة على الإكرام ولا المنع علامة على الإهانة ولكن كلاهما اختبار "ونبلوكم بالشر والخير فتنة" فيظهر الله معدن هذا الإنسان عندما تتغير أحواله هل يغيره المال فيغتر هل يغيره فقده فيفسد وهكذا يتضح مبدأ الإنسان ومعدنه فجاء القرآن يوضح أن هذا امتحان سيتعرض له الإنسان وصحح له أفكاره وقومها.
2- وظن البعض أنه معيار التفاضل بين البشر فانتابتهم حالة شعورية بالأفضلية على البشر بمراكزهم وأموالهم وأولادهم التي أعطاهم الله إياها، وبأنهم حققوا وسيلة الأمان الدنيوي والأخروي وبالتالي يَرَوْن أنفسهم في منأى عن العقاب فتكبروا "وقالوا نحن أكثر أموال وأولاداً وما نحن بمعذبين" فجاء القرآن ليوضح أن هذا الرزق ليس هو المعيار كما يظن أكثر الناس "قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ولكن أكثر الناس لا يعلمون" وليقوم هذا الشعور ويصحح هذا المعتقد في ذات السورة لينفي ما يعتقده الناس ويثبت ما يصلح به أحوالهم ويهذب به نفوسهم وتعمر به الأرض ويرضى عنه الرب "وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحاً فؤلئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون" حينها فقط يأتي شعور الأمان فلم تنته الآية من نفي معيارهم الخطأ في التفاضل إلا وأوضحت أن المعيار في الأفضلية هو الإيمان والعمل الصالح "ليجزي الذين ءامنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة ورزق كريم".
3- وتعامل البعض مع هذه النعمة تصرف سلوكي ظلم به نفسه حين سخر نفسه للمال والولد وخسر كل شيء في سبيلهم حتى خسر نفسه فابتلعته النعمة حتى صارت نقمته فهذا المال صار ترفاً وهذا الولد صار زهواً فيغرق فيهما كما أشارت إليه سورة هود "واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين"، وصرحت وأكدت عليه سورة التوبة "فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون "
وختاماً هذا المال وهذا الولد قد يكون وسيلة لقربك إذا انضبط فكرك وشعورك وسلوكك وقد يكون سبيل لهلاكك إذا ضَل فكرك وفسدت نفسك وساء سلوكك وهذه الآيات عمدة هذا الباب فمن فهمها وعمل بمقتضاها فاز وسعد ومن غفل عنها تاه وغرق فقد استدرك ! آيات سورة المؤمنون "أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ ۚ بَل لَّا يَشْعُرُونَ" فليس النجاح في الحصول على السؤال ولكن يتحقق النجاح بالجواب الصحيح عليه ويتضح ذلك في ختام آية الكهف التي بدأنا بمقدمتها "المال والْبَنُون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثَوَابا وخيرٌ أملاً".
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد