محمد بن أبي الفَتح البَعليّ وجهوده اللغوية


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

محمد بن أبي الفَتح البَعليّ (ت 709 هـ) وجهوده اللغوية (دراسة وصفية) أطروحة قدمها الباحث /وليد حمدي عبد غريب إلى مجلس كلية الآداب في الجامعة العراقية - بغداد، وهي جزء من متطلبات نيل درجة الدكتوراه فلسفة في اللغة العربية وآدابها تخصص (لغة ونحو) بإشراف أ.د. محمد سامي أحمد1433هـ/2012م.

 بداية لا يخفى على الدارسين ما لعلم اللغة والنحو من أهمية في تقويم اللسان وتصحيح البيان، فلذا نجد هذا الاهتمام الكبير من السلف بهذا العلم بفروعه وصنوفه.

ولما امتن الله تعالى على الباحث بالقبول في مرحلة الدكتوراه فطفق  يفكر في موضوع يصلح أن يقدم أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه جامعة بين اللغة والنحو.

وبينما هو يقلب كتب اللغة والنحو ويطالع في فهارس الكتب في مكتبة الدراسات العليا في كلية الإمام الأعظم، فإذا به يقف على كتاب "الفاخر في شرح جمل عبد القاهر" لمؤلفه محمد بن أبي الفتح البعلي ،وبعد مطالعته فيه وجد  مادة غنية تصلح للدراسة، وبدأ بمتابعة جهود هذا العالم الجليل فوقع  له على جملة مصنفات أخرى عالج فيها قضايا تتعلق بدلالات المفردات (كالمطلع على أبواب المقنع) و(شرح حديث أم زرع)، فعقد الباحث العزم على دراسة جهود هذا العالم اللغوية والنحوية، وبعد عرض الموضوع على أساتذته الفضلاء، وجد  منهم تشجيعاً لدراسة الموضوع

والبحث فيه، فشرع  متوكلاً على الله سبحانه وتعالى في دراسته فجاءت هذه الدراسة بعنوان (محمد بن أبي الفتح البعلي ت(709هـ) وجهوده اللغوية والنحوية).

وتهدف هذه الدراسة إلى تجليه آراء البعلي وجهوده في الجانب اللغوي والنحوي، وتصنيفها تصنيفاً موضوعياً، وتوضيح مدى موافقته للبصريين أو للكوفيين أو للجمهور أو مخالفتهم مِمَّا يبين اتجاهه النحوي وبيان الأصول النحوية التي اتبعها وطبقها عمليا في مصنفاته، فضلاً عن كشف سيرته ومصنفاته.

وقد اقتضت طبيعة البحث أن يكون فيه مقدمة وتمهيد واربعة  فصول:

ففي التمهيد تناول الباحث :حياة البعلي وآثاره ومصادره ومصنفاته اللغوية والنحوية، ومنهجه في النقل، وقد جاء على ثلاثة مباحث:

المبحث الاول: البعلي حياته وآثاره

 المبحث الثاني: مصادره اللغوية والنحوية

المبحث الثالث: منهجه في النقل.

 

الفصل الأول: أدلة الصناعة النحوية وموقفه من العلة والعامل. وفيه ثلاث مباحث:

 المبحث الأول: في السماع.

المبحث الثاني: القياس، الإجماع، استصحاب الحال. 

المبحث الثالث: موقفه من العلة والعامل.

 

الفصل الثاني: جهوده في الدارسة الصوتية والصرفية. ويتكون من  مبحثين:

المبحث الأول : جهوده في الدراسة الصوتية.

المبحث الثاني: جهوده في الدراسة الصرفية.

 

الفصل الثالث: جهوده في الدارسة الدلالية.

المبحث الأول: المشترك اللفظي، الأضداد، الترادف.

المبحث الثاني: الحقيقة والمجاز.

المبحث الثالث: ظواهر لغوية أخرى.

 

الفصل الرابع: جهوده في الدراسة النحوية

المبحث الأول: شخصيته النحوية.

المبحث الثاني: مذهبه النحوي.

ثم ختم البحث بخاتمة أوجز فيها أهم ما توصل إليه من نتائج في البحث.

وقد كانت كتب اللغة والنحو قديمها وحديثها ومصنفات البعلي ومصادر أخرى لها علاقة بالبحث هي المصادر التي اعتمد ها الباحث  في بناء المادة العلمية لهذا البحث.

وأمًّا عمل الباحث في هذه الأطروحة فيعتمد على المنهجين: الوصفي والتحليلي، إذ قمت بوصف آراء البعلي التي وردت في كتبه ومصنفاته والموازنة بينها وبين  آراء النحويين واللغويين الآخرين، ومن ثَمَّ ترجيح الرأي الصحيح من غير تعصب لرأي على رأي آخر.

نتائج البحث :

وقد برزت مجموعة من النتائج التي توصل  إليها الباحث في البحث، يمكن أن نذكرها على النحو، فقد عرفنا في إثناء البحث والتدقيق أن البعلي من علماء القرن الثامن الهجري، وأنه بعلبكي الأصل دمشقي النشأة، وأنَّ وفاته كانت في القاهرة عام (709هـ).

تمكن البعلي الذي كان من أبناء عامة الناس أن يتبوّأ مكانة مرموقة في المجتمع وان يصل إلى المراتب العليا في الإفتاء والتدريس، لَمَا أوتي من الصفات الحميدة والأخلاق الفاضلة، والذكاء الذي تمتع به، فضلاً عن ذلك همته العليا.

إنَّ نبوغ البعلي المبكر، لم تجعله يقف على علم محدود كالنحو واللغة، بل تعدت إلى جوانب علمية أُخرى كالفقه والحديث والتفسير، وما ذلك إلاَّ لشغل نفسه مع كبار علماء عصره، مِمَّا زاد ذلك في تبحره في العلوم الأخرى.

إنَّ جُل شيوخ الذين أخذ عنهم، وتفقه على أيديهم جعلوه من أهل العلم ، إلاَّ إنَّه لم يؤلف سوى ستة كتب في اللغة والنحو، هي: (الفاخر في شرح جمل عبد القاهر) و(المثلث ذو المعنى الواحد)، و(إكمال الأعلام بتثليث الكلام)، و(الغرائب والفرائد فيما فعل وأفعل من الزوائد)، و(شرح ألفية ابن مالك) و(شرح المقدمة الجزولية).

كتابه الفاخر يعدّ من كتب العربية المعتمدة، التي غلب عليها الطابع التعليمي، وقد امتاز الكتاب بالسهولة في العبارة والإيجاز في اللفظ وقلة الحشو بين المسائل.

تميزت شخصية البعلي في مجمل كتبه ومؤلفاته بالدقة ، وساعده على ذلك سعة ثقافته وتبحره في عدة علوم، كما برزت شخصيته في اختياره لبعض الآراء، وردَّ بعضها الآخر.

أظهر البعلي اهتمامه بقضايا اللغة وجعل له نصيباً منها في الاختبار والتمحيص ورد الأصول إلى مصادرها اللغوية، وأشهر علماء هذا الفن، من أصحاب المعجمات والمعرب والدخيل.

أظهر البعلي اهتماماً واضحاً بمسائل الخلاف النحوي، فكان يقف عندها طويلاً ويفصل القول فيها، ولا يكاد يخلو باب من الأبواب المختلفة فيه بين النحويين، إلاَّ وذكر فيه وجوه الخلاف وناقشها، وعندما يورد المسألة المختلف فيها فإنَّه يورد الأقوال والأدلة جميعها في تلك المسألة، ثم يبين الأرجح منها والأقرب إلى الصواب، ويرد ما عداها ويخالفه بالدليل والحجة والبرهان.

كان البعلي يميل في آرائه إلى البصريين، وكثيراً ما يختار آراءهم في مواطن كثيرة من شرحه، بل ويعتمد كذلك أصولهم في البحث، وردَّ على الكوفيين وضعَّف آراءهم في أغلب المواطن من شرحه، إلاَّ إنَّ هذا لا يعني أنَّه رفض كل آراء الكوفيين بل أنَّه اختار منها ما يراه صوابا، وقد ذكر ذلك في مواطن من شرحه، ولم يستعمل مصطلحات الكوفيين أو يشر إليها إلاَّ في القليل النادر.

لقد اهتم البعلي بالسماع وأدلته كثيراً وقدمه على القياس، وعده أصلا من الأصول التي تثبت به القواعد، والأحكام، والاستعمالات النحوية، ورد ما لم يأت به سماع.

استشهد البعلي بالقراءات القرآنية، ولم يطعن في أي قراءة أو في أي قارئ إلاَّ إنه لم يقبل القياس على القراءة الشاذة.

 ذهب البعلي إلى جواز الاحتجاج بالحديث النبوي الشريف على اثبات صحة القواعد النحوية متابعاً في ذلك شيخه ابن مالك، كذلك واحتج بكلام العرب من شعر ونثر، واستشهد بشعر الشعراء الذين أجمع جمهور العلماء على جواز الاحتجاج بشعرهم، وأمَّا شعر المولدين فلم يصرح بموقفه تجاههم من الرفض أو القبول.

استصحاب الحال من الأدلة المعتمدة عند البعليّ، فيثبت به القواعد ويعتمد عليه في اختياراته النحوية.

استمد البعلي كثيراً من آرائه النحوية واختياراته عن شيخه ابن مالك.

إن قيمة ما ألفه البعلي من كتب كـ (الفاخر في شرح جمل عبد القاهر) و(المطلع على أبواب المقنع) و(المثلث ذو المعنى الواحد) وغيرها جعلت البعلي من علماء العربية المبرزين فيها أكثر من باقي العلوم الأخرى.

لم نعثر للبعلي على آراء ينفرد ويخالف بها المتقدمين، وإنَّما كان في أغلب آرائه واختياراته النحوية ينحو فيها نحو المتقدمين وما أجمعوا عليه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply