أنماط الصورة الفنية في ديوان طيف أميرة للشاعر سامي أبو بدر


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

تتصف الصور الفنية في الشعر بالتدرج بين السهولة والتعقيد، فهي في بعض أشكالها  صور بسيطة لا تتعدى الإشارات أو التشابيه المتناسبة الأجزاء، وهي أحيانا  شديدة  التعقيد تحمل في طياتها رموزًا واستعارات تسعى من خلالها إلى إحداث علاقات بين أمور متباعدة ومتضادة أيضًا، وهي على درجات متباينة في دلالتها الأدبية وأشكالها الجمالية بما تضفيه على النص الشعري من متعة فنية ورؤى وإضاءات جديدة.

ويتناول هذا المقال أنماط الصورة الفنية في ديوان طيف أميرة للشاعر سامي أبو بدر، حيث يحاول أن يحدد مراتبها وارتباطها بالسياق العام والصورة الكلية التي حاول الشاعر رسمها، وقد جاءت الصور في ديوان طيف أميرة للشاعر  سامي أبو بدر على عدة أنماط منها: الصور الوصفية والصور المشهدية والصور الاستعارية.

أولا:الصور الوصفية: لقد امتلأ طيف أميرة للشاعر سامي أبو بدر بالصور الوصفية بشكليها الساكن والمتحرك، ليثبت في طيات ديوانه أن الصور الوصفية لا تعني ثباتا في الأحاسيس والمشاعر، وإنما هي تجرُد من عناصر الحوار الذي يصنع من النص بنية دراميّة في نسق متتابع، ومن اللوحات الوصفية التي رسمها أبو بدر وصفه لحالته الحزينة ، إذ يراوح في هذا الوصف بين الحركة والمناظر التعيسة الموجعة لفراقه لوطنه، يقول:

الشعر ليلى 

والهوى.. 

وطن تخطفه النوى وأنا المحاصر بالشجون

على مشارفه

ودمعي اليوم يفضح حاليه

من سوف يؤنس وحشتي؟

فالأرض قاحلة ،ونهري غاضب

والأمنيات تناثرت

في أول الليل الكئيب .

ثانيا: الصور المشهدية.

وهي صور ذات أبعاد سردية في بنيتها التي تلتقط موقفا أو حدثا خاصا أو منظرا مشحونا بالانفعال في فترة زمنية محددة ولا بد هنا من الإشارة إلى أن الصور المشهدية تعتمد على الزمان والمكان والحركة والحوار والانفعال والبعد الحسي للشخصيات المكوّنة للمشهد. ولا بد كذلك من التفريق بين الزمان والمكان الموجودان في الصور الوصفية والزمان والمكان الموجودان في الصور المشهدية، فهما في الأولى مجرد عناصر تجريدية في معظم الأحيان لا تحيل إلا إلى نفسها.

وتقسّم الصور المشهدية بناء على العنصر البارز فيها، فهناك مشاهد حواريّة يفعّلها الشاعر باستخدامه أسلوب الالتفات الذي تبدو فيه اللغة لغة تفصيل وحكاية، ومثال ذلك قوله في قصيدته أنشودتي الأولى  :

قلبي تعانقه الجراح

فيصطلي من نارها شوقًا

يؤرق مهجتي

ويزف لي بشرى بأني هالك !

فصرخت ياااااا ليلي

أغيثيني بربك

من عذابات الجوى

إني أحبك فاعلمي

فأبو بدر في هذا المشهد يدير حوارا بينه وبين قلبه المكلوم وبين محبوبته ليلى، إذ يبدأ المشهد بتوجيه الخطاب له باستخدام الضمير (لي)، واللام عند النحويين تفيد التخصيص هنا، وأبو بدر إنما يسعى من خلال استخدامها إلى تلطيف الجو بينهم، ومراوحته بين المتكلم والمخاطب (يزف - صرخت - أغيثيني )كلها تشكل  درامية تقوم عليها الصورة المشهدية. و العنصر الذي يعكس وجه الانفعال في المشهد، فهو استخدام الشاعر الأساليب الحواريّة المتعددة كالأمر في قوله: أغيثيني).

ثالثًا: الصور الاستعارية:

يعرف الجرجاني الاستعارة من خلال التشبيه فيجعله أساسا لها إذ يقول: "أما الاستعارة فهي ضرب من التشبيه ونمط من التمثيل"فالاستعارة عنده صورة مقتضبة من صور التشبيه، "والتشبيه كالأصل في الاستعارة وهي شبيه بالفرع له أو صورة مقتضبة من صوره"، وينعكس هذا التعريف في النقد الحديث "فبينما كانت البلاغة القديمة ترى في كل استعارة تشبيها ضمنيا فإن البلاغة الجديدة على عكس ذلك تنظر إلى التشبيه باعتباره استعارة مكشوفة ومباشرة ومنقوصة"، فالاستعارة تنقل إحساسنا بالمشابهة درجة أعلى بحيث يبلغ مداه حين يبلغ المشبه في جنس المشبه به ويصير جزءاً منه، وتفيض الاستعارة على التشبيه من جهة القيمة الفنية لأن "الاستعارة تنفرد دون التشبيه بقدرتها على الإشارة إلى عناصر خارج السياق الشعري نفسه، ومن ثم تصبح أكثر قدرة على الإيحاء وإثارة قدر أكبر من التداعيات في ذهن المتلقي"

أنا والليل

فوق حطامنا نمضي  نفتش عن السلوى تهدهدنا   وتمسح دمعة ذرفت

وقوله : أنا والليل مفتونان  وقوله والربيع أطل من شرفاتنا

 وتراقصت  

حول الجداول ذكريات                                                                                                       سطرتها     لحظة الفرح المغامر   فوق أجنحة المدى 

فكل جملة شعرية في هذه الأبيات استعارة (الربيع أطل ،تراقصت الذكريات ،سطرتها لحظة الفرح ،فوق أجنحة المدى) وما أروع الصور الاستعارية لأبي بدر في قوله: (أو بعد انهزام الروح في أفقي . دراما كلها ألم .وآهات توارات خلف عبراتي )وقوله: (عيناك يا سمراء تعزف لحن أغيتي الجريئة) وقوله: "يقود خطاي نحو هواك قلب) (ما كنت أدرك .أن العشق قاتلني) وقوله (قام البدر منتشيا) (وهذا الليل من حولي .لحالي آسف باك) و (ترقص مهجتي طربا) و (إن القلب نادك) (الليل نادنا) (أنامل الشمس الكئيبة .تحت سلطان الحصار) (العازفين نشيدهم .رغم انهزام الناي) (تحمله الأشواق ليل مساء) (كي لا تستباح على شطوط الحزن .فالأحزان لم تعرف سواك) (وما سطرت أنامل الفجر) (لماذا يخاصمني النوم هذا المساء) (وأن الزهور البريئة مهما استغاثت) (حين تهزمه الأماني) (ويضيء وجه الصبح فوق رباك) ،كل هذه الصور تجعلنا نقول وبكل ثقة إن أبو بدر امتلك ناصية البيان باقتدار ووظفها في شعره بمهارة فائقة مما يجعلنا نلقب أبو بدر بأنه شاعر البيان في هذه الألفية (ألفية الإعلام الجديد) بلا منازع.

المراجع :

أحمد الملقي: الصورة الفنية في شعر ابن نباتة السعدي ،رسالة دكتوراه ،الجامعة الأردنية،2010م

سامي أبو بدر :ديوان طيف أميرة ،القاهرة ،دار يسطرون للنشر،2018 م.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply